طباعة هذه الصفحة

رأي مثقّف

الرّواية الجزائرية على حذو التّجربة الأوروبية

بقلم: هماش محمد وليد - عضو نادي الطارف تقرأ

منذ حوالي سنتين أصبح الإقبال على الكتابة الروائية مشهدا نلاحظه في واقعنا الثقافي من قبل فئة معتبرة من الشباب المغرم بهذا النوع  الأدبي، حيث زخرت معارض الكتب الوطنية والدولية بالكثير منها، فشكّلت واجهة مشرقة وبراقة ظاهريا اكتسحت بها المشهد الثقافي والإعلامي مؤخرا ممّا دعا إلى التساؤل حول كل هذا الاهتمام، خاصة ممّن عهدناهم ذوي صولات وجولات في ميداني الشعر والقصة.
الرواية بطبعها هي سرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة، كما أنّها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، حيث تعالج ظاهرة اجتماعية في إطار زمان و مكان محددين، فيتكبّد الكاتب فيها عناء خلق كل ما سبق ذكره آخذا بعين الاعتبار الحبكة والتشويق لضمان شد انتباه القارئ وكسب تعاطفه والتأثير فيه.
في حين أن الشعر أو القصة تعتبر عارضا وتأثيرا لحظيا خال من أي روابط قوية بين الملقي والمتلقي، عدا بعض المتعمقين خاصة في ما يخص الشعر.
فهنا تظهر الرواية على أنها ذات مكانة أدبية أرقى وأجّل، ومن النادر خوض غمارها فهي صعبة التركيب والبناء لكن سهلة الهضم والاستساغة، فهي هنا تفرض التحدي والمغامرة لمن سوّلت له نفسه لكسب لقب روائي.
أما ما نراه اليوم من مؤلفات لا ترتقي لتدعى رواية أو عملا روائيا (هنالك بعض الاستثناءات طبعا) بالرغم من الهالات والتضخيم الذي روج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا رأي كل متذوق حقيقي للأدب بأنواعه، والتي يرون أنها تدوينات ونبش في مواضيع لا تمس الواقع المعاش في شيء.
تُحيلنا هذه الحقيقة للبحث في أسباب أخرى عن مدى اهتمام أو لنقل استغلال الظرف الراهن، خاصة بعد القطيعة الاجتماعية التي مني بها المثقف في سنين مضت، حين خلت الساحة الأدبية من روادها حتى أصبح القارئ يُنظر له على أنه كائن غريب فما بالك بكاتب، الآن ونحن في فترة التصالح مع الكتاب وفي حماس الطلب طلّ علينا وحش جشع آخر، إنه «دور النشر» فلا هو بمراجع لغوي أو فكري كما نتصور، فكل إيمانه المال والكثير منه، خادعا بذلك الراغبين في الكتابة من الشباب المتحمس شرطه الوحيد «كم تدفع؟».
أما ثاني الأسباب فهو غياب النقد والمراجعات، ولك أن تبحث لكي تجد «اللاّنقد» في نصوص مليئة بالاستغراب والترهات.
ومن الاستثناءات في سوق غثها أكثر من سمينها، تجد دررا مكنونة لم تُروج لها أبواق التفاهة، مؤلفات ابنة بيئتها وواقعها تستمد روحها من حنايا بلادنا، تملك لغة رنانة وتأخذ بيدك فتغمسك في خيال شبيه بواقعك تكون فيها أنت المحور وتبعث فيك الإحساس بالانتماء. شتان بين مغترب ومنتمن، بين بائع أوهاما وصانع أحلاما.
أثرت الرواية وغيّرت واقع من عاش بروزها في أوروبا والعالم، وكذلك ستفعل عندنا لكن بشرط أن تحاكي حياتنا وتعالج ظروفنا وتهدينا سبل البلوغ وتحقيق الذات.