نجل سلال يملك 23٪ من أسهم شركة معزوز
معزوز سلم حداد 39 مليار لتمويل حملة الرئيس السابق
تستأنف، اليوم، محاكمة الوزيرين الأولين الأسبقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، مع وزراء سابقين ورجال أعمال بارزين متهمون جميعا في ملف تركيب السيارات، إلى جانب ملف التمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس السابق.
تتواصل على مستوى محكمة سيدي امحمد، بالعاصمة، بدءا من الساعة العاشرة صباحا، مجريات محاكمة أقوى الشخصيات السياسية والمالية في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة، متورطين في ملف فساد سبب خسائر بآلاف الملايير للخزينة العمومية.
الملف، يخص شعبة تركيب السيارات لعلامات أجنبية، التي قررت الحكومة إقحامها في النسيج الصناعي للبلاد، بدءا من سنة 2014، أي بالتزامن مع تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وما نجم عنها من ضائقة مالية معقدة.
وكشفت مجريات المحاكمة في اليومين الأولين (الأربعاء والخميس)، عن نمط تسيير مدمر من قبل الحكومة آنذاك ممثلة في الوزارة الاولى ووزارة الصناعة.
وأطلع الرأي العام الوطني، على حجم «الخراب»، الذي جسدته أرقام فلكية بآلاف الملايير، أفرغت من البنوك واستنزفت احتياطي الصرف لتصب في استثمارات مخادعة لم تجلب شيئا للاقتصاد الوطني، بل أثقلت كاهل المواطن البسيط جراء الارتفاع الجنوني لأسعار المركبات.
المواجهة
في اليوم الثاني من المحاكمة الخميس، تواجه ثلاثة (3) من كبار رجال الاعمال والرئيسان الأسبقان للجهاز التنفيذي ووزيرا الصناعة السابقان يوسف يوسف ومحجوب بدة، وكلهم متهمون «بالاستفادة من سلطة وتأثير اعوان الدولة وتغيير الأسعار وتحويل الأموال من عائدات إجرامية»، و»سوء استغلال الوظيفة ومنح مزايا غير مستحقة».
وبعد فك الأصفاد الحديدية من أيدي المتورطين، استدعى قاضي الجلسة، رجل الأعمال أحمد معزوز، أين وقف محاطا بمحامين، ليجيب عن أسئلة تخص تهما ثقلية.
ونال المتهم حسب القاضي، لائحة الإتهام امتيازات ضخمة تمثلت في الاستفادة من رخص تركيب المركبات النفعية، ومباشرة النشاط قبل الإمضاء على دفتر الشروط، والحصول على شهادة مطابقة عن طريق المحاباة والاستفادة من الاعفاءات الجمركية وشرط الشريك الأجنبي قبل صدور المراسيم المتعلقة بالإعفاءات.
وسأل القاضي المتهم: هل لك أن تطلعنا لماذا أنت متواجد ضمن قائمة الخمسة المستفيدين من رخصة تركيب السيارات؟ بمعنى آخر، «هل تعتقد فعلا أنك تستحق الحصول على اعتماد لإنشاء مصنع بهذا الحجم»؟.
حاول معزوز الظهور في ثوب الضحية ووجه اتهاما مبطنا للجهات الرسمية آنذاك، بعرقلته وإقصائه دون وجه حق، وقال: «في القائمة الأولى، شطبوا اسمي، ولم استفد، ليمنحوني فيما بعد الرخصة، لأنهم كانوا بحاجة لمستثمر لتركيب الحافلات».
ونفى أن يكون قد استفاد من امتيازات خارج الأطر القانونية، لكنه لم يستطع ان ينكر حصوله على الاعتماد والمقررات التقنية دون شرط الشريك الأجنبي، ليقوم القاضي باستدعاء أحمد أويحيى ويوسف يوسفي.
أصر أويحيى لليوم الثاني تواليا، على ربط ملف تركيب السيارات بسياسة الحكومة ككل، وقال أن كل شيء تم في إطار قانون الاستثمار وقوانين المالية وضمن الصندوق الوطني للاستثمار والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار.
لكن الرجل الذي ترأس أربعة حكومات في العشرين سنة الأخيرة، وقع في تناقضات واضحة كما لوحظ، لأن منح الرخص والمقررات التقنية لمركبي السيارات، جرى خارج الأطر القانونية المحددة في دفتر الشروط ومراسيم الاعفاءات الجمركية.
وبشأن استفادة معزوز من اعفاءات ضريبية قدرت بآلاف الملايير، وكان يفترض أن تستفيد منها الخزينة العمومية عن طريق الجمارك والجماعات المحلية (موقع النشاط)، ، قبل صدور المرسوم الخاص بها، قال أويحيى «أنه استفاد مثل غيره من مدة السنة لأن مهلة الأشهر الثلاث غير كافية بسبب عراقيل الإدارة».
وحاول أويحيى تغليف أجوبته بشيء من السياسة، عندما قال: «أن تمديد الإعفاء كان غرضه الحفاظ على اليد العاملة في المصنع».
واستند المتهم مرة أخرى، إلى منطق «التعميم»، لتبرير تجاوز دفتر الشروط في منح الاعتماد دون شرط الشريك الأجنبي، عندما أجاب القاضي قائلا: «كل المتعاملين ما عدا مصنع رونوالذي تم بشراكة بين رأسمال عمومي للحكومة الجزائرية ونظيرتها الفرنسية، تحصلوا على الرخص دون شريك أجنبي».
واعترف أويحيى أنه قدم «رأيا» لوزير الصناعة أنذاك يوسف يوسفي قصد تجاوز شرط الشريك الأجنبي ومنح رخص النشاط والمقررات التقنية للمتعامل معزوز. ما يعني أن الأخير استفاد بناء على رأي «أويحيى» وليس بناء على القانون.
وفي السياق، قال يوسف يوسفي، أنه أبلغ أويحيى، بأن ملف معزوز تشوبه عدة نقائص، ولا يمكن تمريره، لكنه أمضى عليه في النهاية بناء على مراسلة وزيره الأول.
عاد أويحيى ليحتمي مرة بالصندوق الوطني للاستثمار لتبرير مراسلته ليوسفي، وقال أنه وافق بجميع أعضاءه الـ 11 منهم ممثل رئاسة الجمهورية.
للتذكير، قدرت خسائر الخزينة العمومية في ملف معزوز ب 11 ألف و350 مليار سنتيم.
وكشفت مجريات محاكمة معزوزعن امتلاك فارس سلال نجل عبد الماسلك ٢٣٪ من الأسهم في الشركة ، ليصبح فيما بعد إطارا ساميا فيها دون تقديمه لأي مقابل مادي.
وبعد أن فند وجود علاقة بين وبين فارس سلال، أوضح معزوز أنه تنازل عن أسهم في الشركة لرجل الأعمال محمد بايري والذي تنازل عنها بدوره لنجل سلال الذي نفى أن يكون تدخل لصالح ابنه ليحصل على حصة الأسهم مع المتعاملين.
لعبة التمويل والإمتيازات
واجه قاضي الجلسة المتهم أحمد معزوز بملف ثان يتعلق بالتمويل الخفي للحملة الانتخابية للعهدة الخامسة للرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة.
واعترف معزوز أنه قدم شيكا بقيمة 39 مليار سنتيم من حسابه الشخصي، وليس من حساب شركته، لرجل الأعمال علي حداد بمقر منتدى رؤساء المؤسسات الذي كان يرأسه.
وكشف معزوز، بأن محمد بايري أبلغه بأن حداد منح مبلغا قدره 183 مليار سنتيم كتمويل للحملة الانتخابية، ليقرر في النهاية التنقل إلى مقر الأفسيوبتاريخ 10 فيفري الماضي، بشيك الملبغ ليتم سحبه في 19 من نفس الشهر من بنك أجنبي ينشط بالجزائر، مستطردا أنه طالب حداد عن طريق بايري باستعادة الشيك عقب انطلاق مظاهرات 22 فيفري، الرافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم.
ولم يجد معزوز إجابة واضحة لسؤال القاضي: من يكون الشخص (حداد) الذي أعطيته المبلغ؟ لماذا هوتحديدا»؟.ولم يكن لعلي حداد أي منصب في مديرية حملة بوتفليقة.
ويفهم من عرض ملف التمويل غير القانوني للحملة الانتخابية مع ملف تركيب السيارات، وجود ترابط المصالح وفق قاعدة «التمويل مقابل الامتيازات الاقتصادية».
ويحظر القانون المتعلق بتنظيم الانتخابات أن يتجاوز تمويل الحملات الانتخابية سقف 2 مليار سنتيم للشخص الواحد.
وبشأن وجود حساب بنكي برصيد 494 مليار سنتيم، وعقارات بالعاصمة، قال معزوز أنه «ماله الخاص»، مشيرا أن ثروته تفوق «هذا الرقم بكثير»؟.
نهب العقار الفلاحي.. غش مفضوح
في الفترة المسائية، جاء الدور على رجل الأعمال محمد بايري، صاحب مصنع تركيب الشاحنات من علامة «أيفيكو».
ومثل بايري بتهمة الاستفادة من تأثير أعوان الدولة للحصول على مزايا غير مستحقة، أبرزها حصوله على رخصة بناء مصنع على قطعة أرض فلاحية بولاية بومرداس.
ونفى بايري التهم المنسوبة إليه، معتبرا أنه ليس مسؤولا عن انتقاء قطعة الأرض، قائلا طلبت استثمارا وحصلت على القطعة وليس دوري معرفة طبيعتها».
وكلفت سوء استغلال الأرضية خسائر إجمالية بحوالي 150 مليار سنتيم، حسب ما أكده القاضي.
وفي السياق، أوضحت يمنية زرهوني التي استدعيت كمتهمة، بصفتها والية سابقة لبومرداس، أن الموافقة على تحويل طبيعة الأرض تم في عهد الوالي الذي سبقها، وقامت بتحريك الملف «حفاظا على المرفق العام»، وأنها أعطت الاولوية للملفات الموافق عليها من قبل سابقها.
إستعملت كثيرا إشارات باليد وهي ترد على القاضي
وفند بايري في المقابل، استفادته من إعفاءات جمركية، مشيرا أنه لم يحصل على ترخيص الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار لممارسة النشاط لحد الآن رغم أنه وقع على دفتر الشروط سنة 2018، وعززت أقوال المتهم الشاهدة براهيمي غنية ممثلة مفتشية الضرائب للجهة الشرقية التي قالت إنه «ليس عليه ديون جبائية ولم يتحصل على امتيازات في هذا الشأن».
واعتبر المتهم، أنه يدين للضرائب بـ 84 مليار سنيتم وأنه يملك الأهلية ليكون صاحب أول اعتماد في نشاط تركيب السيارات بسبب خبرته في المجال؟.
ونفى في المقابل اعتماده على المنافسة غير النزيهة حينما حصل على رخصة استيراد علامة «إيسوزو» التي كان وكيلها في الجزائر المتعامل عشايبو، وقال للقاضي: «لم آخذ حق عشايبو، وإن ثبت ذلك احكم علي بعشرة سنوات».
7 مقررات بـ2900 مليار
في حدود الساعة الثالثة والنصف زوالا، قرر القاضي استراحة لمدة ساعة من الزمن، وقف كل من في القاعة من أقارب المتهمين، وشهود ورجال الإعلام ومواطنين، لرؤية سلال، أويحيى، يوسفي، بدة، زعلان، حداد، بايري، عرباوي وإطارات من وزارة الصناعة وهم يغادرون القاعة.
رغم ضجيج ترك المقاعد، إلا أن صوت الأصفاد وهي تطبق على أيدي هؤلاء كان يسمع من آخر القاعة.
بعد انقضاء مدة الاستراحة عاد المتهمون لكرسي الاتهام ومظاهر الإعياء والشرود بادية عليهم، ونادى القاضي على عرباوي حسان مالك مصنع تركيب علامة «كيا» وشاحنا هيونداي بباتنة.
أضرار الخزينة، حسب القاضي، من الاستثمار الذي استفاد منه هذا الشاب البالغ من العمر 38 سنة بلغت 2900 مليار سنتيم، جراء رخص النشاط والمقررات التقنية الممنوحة له خارج القانون.
وتداول قاضي الجلسة ووكيل الجمهورية على مساءلة صاحب شركة كيا، عن كيفية استفادته من 7 مقررات تقنية وإعفاءات لخمسة سنوات، دون استيفاءه لشروط الخبرة والشريك الأجنبي ورقم التعريف العالمي.
ليجيب المتهم، بأنه «يملك الخبرة» كونه بدأ كوكيل لتسويق علامة رونوسنة 2010، وأن المقررات التقنية لا تمنعه من تركيب عدد غير محدد من أنواع سيارات العلامة، «لأن المجلس الوطني للاستثمار يصادق على عدد وحدات الانتاج (25 ألف وحدة) وليس الأنواع».
ونادى القاضي على الوزيرين يوسفي وبدة، ليسألهما عن توقيع مقررات مخالفة لدفتر الشروط، ليجيبا بأنهما عملا بحسن نية، كون المقرر يمر اولا على لجنة تقنية قبل المصادقة.
وقال يوسفي: «أحيانا نقضي اليوم بأكمله في توقيع المقررات، خمس توقيعات على المقرر الواحد، لا نستطيع مراقبة كل شيء، لأن هناك لجنة تقنية يفترض أن تكون قد قامت بعملها».
وقال بدة: «أنا جديد على الوزارة، قضيت هناك 3 أشهر فقط، وجدت كل شيء قائما، ووقعت المقررات بناء على ثقتي فيمن وجدتهم بالوزارة».
ونفى عرباوي، أية علاقة تجمعه بوزير الصناعة الأسبق الفار من العدالة عبد السلام بوالشوارب، وأصر على تكذيب كل ما قيل عن علاقة وطيدة بينهما.
كما فنذ أن يكون قد أخذ مصنع كيا من وكيلها المعتمد سابقا المتعامل عشايبو، بطرق غير نزيهة، وقال أن «الكوريين الجنوبيين اختاروني، من بين متعاملين تونسيين ومغاربة لإطلاق مصنع نموذجي لتصنيع السيارات وليس تركيبها فقط في إفريقيا».
وعن سؤال القاضي بشأن شرائه لفيلا في حيدرة بالعاصمة قيمتها 60 مليار، أوضح عرباوي أنه «اشتراها بقرض من بنك الخليج العربي»، مفيدا بأن استثماره في مصنع كيا يقدر بـ 1300 مليار سنتيم.
وعن تهمة «جنحة تغيير الأسعار وتحويل الأموال من عائدات إجرامية»، برر عرباوي ارتفاع أسعار السيارات بانخفاض قيمة الدينار مقابل العملة الصعبة.
وعقب الانتهاء من مساءلة عرباوي، وفي حدود الساعة الخامسة والنصف، مساء أعلن القاضي رفع الجلسة على أن تستأنف اليوم السبت على الساعة العاشرة صباحا، ليتواصل كشف خبايا هذه المحاكمة التي صدمت الرأي العام بفعل الأرقام الخيالية للأموال المنهوبة.