تحتضن الجزائر، بداية من أمس الاثنين وإلى غاية الخميس، أشغال المجلس العام لمنظمة الوحدة النقابية الإفريقية، الذي وضع التطور الاقتصادي والاجتماعي للقارة على أسس ديمقراطية أسمى أهدافه. مضيفا بذلك جهوده إلى ما يبذله مسؤولو القارة في سبيل النمو.
تناضل جميع النقابات العمالية في العالم من أجل حقوق العمال بغرض تحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتنتصب أمام الحكومات ليلا ونهارا لإنصاف هذه الطبقة الكادحة، وهي المهمة المنوطة بنقابات البلدان الإفريقية التي تجتهد بدورها لتحسين ظروف العمل ورفع الرواتب، غير أنها تختلف عن البقية، ربما في كونها تحمل مع القادة السياسيين هموم القارة في التطور الاجتماعي والاقتصادي، لأن أرقام الفقر والبطالة المرتفعة تفرض ضرورة تكامل الجهود وتناسقها بين الشريك الاجتماعي والسلطات الوصية.
والأكيد أن الترقية الاجتماعية المنشودة من الشعوب الإفريقية، لن تتأتى إلا بالمشاريع الضخمة التي تستهدف النهوض بالزراعة والصناعة، وتوفر ملايين مناصب الشغل للبطالين والفقراء، وهذا التخطيط يقع على عاتق الدول الراغبة في بناء اقتصادها، ولن يحدث ذلك إلا بسواعد أبنائها، الذين من حقهم الحصول على ظروف مواتية تحفزهم عل المساهمة في تأدية مهامهم.
وقد انخرطت منظمة الوحدة النقابية الإفريقية في هذا المسعى، وأجمع ممثلو نقابات كل الدول الذين حضروا، أمس، بفندق الجزائر، على أن همّهم يتجاوز هموم الطبقة الشغيلة، ويطمحون لبناء قارة تنعم بالرقي والازدهار، عبر الاستغلال الأمثل لما تملكه من ثروات طبيعية. ورأوا أن التذرع بعدم تأهيل وقدرة الكفاءات البشرية لم يعد مطروحا كعائق، فالمعاهد والجامعات الإفريقية اليوم تخرج متعلمين وقادرين على تحمل مسؤولياتهم كما يجب، وهم بحاجة إلى عناية ومرافقة ومناخ ملائم.
هذا المناخ، يمكن توفيره بشرطين أساسيين، هما السلم والإرادة السياسية في إحداث التحول نحو التنمية، بتثمين الإنتاج الوطني وحماية الثروات وعدم الرضوخ للابتزاز الخارجي أو القابلية لتبعية الغذاء مقابل النفط. ولخص الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين كل ذلك بقوله، «إن الحركة النقابية الإفريقية لا يجب أن تضعف أمام أية جبهة من الجبهات المطروحة أمامها والمتمثلة في السلم والتنمية المستدامة والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين ومشاركة الشباب في بناء إفريقيا»، أي أنها لا تعنى بقضية واحدة، وإنما النضال على عدة جوانب ترتبط بالمصلحة العليا للقارة.
ومن أهمّ ما حملته منظمة الوحدة النقابية الإفريقية على عاتقها، تبنّي الحوار كأداة وحيدة لحل المشاكل وتجاوز الخلافات، باعتباره ثقافة شعب ودولة يساهم في ترسيخ السلم وتقوية التوافق الوطني. فالجنوح السريع للعنف لاسترداد الحقوق المهضومة، لا يأتي بحلول، بقدر ما يضاعف معاناة الجميع ويعيد البلاد في أحيان كثيرة إلى نقطة الصفر، خاصة وأن الفقر والاستغلال غير اللائق للعمال يعد السبب الرئيس لأي نزاع أو صراع، وكلما أخذت السلطات على عاتقها مسؤولية حماية العمال ومنحهم ما يستحقونه لتحسين مردودية الأداء، كلما مثل ذلك مكسبا آخر لها وللطبقة العاملة، ثم إن نجاح الحوار يعتبر مؤشرا قويا على قيمة الديمقراطية ومكانتها في أي دولة.
وعليه، فإن العمل النقابي الإفريقي يتقاطع مع التوجهات الكبرى للقارة الإفريقية ولا ينحصر فقط في قضية العمل، مادامت مجموعة من الدول تتطلع لغاية الآن لبسط السلم والتخلص من الديكتاتورية وبناء نظم ديمقراطية قوية.