طباعة هذه الصفحة

القرار السيد

بقلم: فنيدس بن بلة
29 نوفمبر 2019

 

 

 

عاد البرلمان الأوروبي إلى ممارسات الاستفزاز المطبقة من زمان ضد الجزائر، متقنا كما ألفناه في فترات سابقة ومراحل متعاقبة، لعبة الكيل بمكيالين، الحريص عليها والوفي لها، كلما استدعت المصالح ذلك واستدعتها حسابات النفوذ ومسعى التموقع في خارطة دولية حبلى بالتناقضات والأزمات.
اللائحة حول الوضع السياسي في الجزائر التي صادق عليها البرلمان الأوروبي بتحريك من نائب فرنسي وآخرين يدورون في فلك الكولونيالية الجديدة، تؤكد الحقيقة الثابتة، أن الهيئة لا زالت تحت تأثير جماعات الضغط واللّوبيات التي ينتمي إليها البرلماني سالف الذكر وأتباعه، الذين لم يهضموا استقلال الجزائر وانخراطها في صرحها الجيوسياسي الطبيعي العالم الثالث، متحررة من كوابيس الماضي الاستعماري البغيض، مكسرة إملاءات الآخر ووصفاته. هي حقيقة لعبة قذرة تعيد إلى أذهاننا تجارب مرّة مورست على بلادنا لكنها أخطأت الهدف، الحسابات والتقدير. إنها تجارب لم يأخذ البرلمان الأوروبي بعد الدرس من فشلها لينطلق في احترام المبدأ التشاركي مع الجزائر تطبيقا لاتفاقية وقعها الطرفان منذ ما يقارب عشريتين.
لم يعر البرلمان الأوروبي والمتحكمون في دواليب صنع القرار، لمضمون الاتفاقية أي اهتمام ولم يحترم بنودها المؤسسة لعهد من توازن المصالح وتقاسم المزايا، بل راح يتمادى في السير على التناقضات والضرب على وتر التدخل بدون وجه حق في شأن بلد انتزع سيادته بالتضحيات الجسام وقراره السياسي المستقل وقت التحرر والبناء الوطني رافضا إملاءات الآخر أومساوماته تحت أي ظرف وطارئ.
لم ينظر البرلمان الأوروبي بعين الرضا لمسار التحول السياسي السلمي الجاري في بلادنا والمكاسب المحققة نحو تعزيز الديمقراطية، الحريات، الحقوق واستكمال بناء الدولة الوطنية القوية بمرجعيتها النوفمبرية وانطلاقاتها نحوالتغيير والإصلاح، لم يسمع الهتافات المدوية في المسيرات السلمية من أجل إقامة جزائر جديدة تتمتع بمؤسسات لها وزنها ونظام سياسي يقر بتوازن الصلاحيات واستقلالية القضاء الذي يؤدي وظيفته على أكمل وجه في ملاحقة عصابات النهب والفساد والشروع في محاكمتهم علانية.
لم يقرأ البرلمان الأوروبي مستجدات المشهد السياسي ويفهم رسائل الحوارات المفتوحة عبر مختلف المنابر الإعلامية ودور السلطة المستقلة والتعديل في القانون الانتخابي تمهيدا لإجراء رئاسيات يحرص على أن تكون شفافة ونزيهة تجنبا للفوضى والانسداد.
قفز البرلمان الاوروبي على هذا المعطى الثابت، تنكر للحقائق وأطلق العنان لممارسات دأب عليها، وترديد مقولات وإصدار لوائح وبيانات سياسية حفظت على ظهر قلب كلها تصب في خانة واحدة: التنكر لإنجازات الجزائر الحرة المستقلة ومحاولة التشويش على خياراتها واستقلالية سياستها ونظرتها القريبة والبعيدة في إعادة ترتيب بيتها اعتمادا على أبنائها المخلصين ومؤسسات جمهوريتها وأجهزة دولتها النظامية.
شيء واحد نسيه أويتناساه البرلمان الأوروبي أن اللائحة التي صادق عليها بشأن الجزائر تزيد البلاد وحدة ومتانة وتعزّز مسيرتها في التغيير الديمقراطي الهادئ من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وجعل من الاستحقاق قوة انطلاق للتقويم السياسي والتجدد اعتمادا على سيادة قرار اليوم، غدا وأبدا.