طباعة هذه الصفحة

رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

تعليمات بانشاء صندوق خاص بالنساء المطلقات الحاضنات لأطفال قصر

تشـــديـــد العقــــوبات ضــد التحـــرش في أمــــاكـن العمـلوجه رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فيما يلي نصها الكامل:

«بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين

أخواتي الفضليات،
ككلّ عام، يتيح لي الاحتفال باليوم العالمي للمرأة فرصة مشاركتكن وقفة التنويه والإشادة بنضالكن الطويل في سبيل ترقية وضعيتكن، واستحضار ذكرى كافة النساء اللواتي أسهمن، بالتزامهن وتضحياتهن، في انتزاع استقلال الجزائر.
من خلال هذا اليوم نتموقع ضمن عالمية التزاماتنا الدولية، وهو مناسبة نغتنمها، كل عام، لتقويم ما قطعناه من أشواط وتعزيز ما سجلناه من مكاسب والقيام سويا بتصور غد أفضل للنساء الجزائريات.
إننا نحتفل بالثامن مارس، هذا العام، عشية استحقاق انتخابي هام بالنسبة لبلدنا، في محيط جهوي تسوده الاضطرابات ويسمه التوجس والريبة. وسيتعين على كل جزائرية وجزائري وفق ما يحدوه من قناعات وبكل استقلالية، اختيار الشخص الذي ستؤول إليه قيادة الجزائر، امرأة كانت أم رجلا.
إن الحق في الانتخاب كان من بين بواكير الحقوق التي كرّسها الدستور وهو واجب أكثر منه حق. وكان أول واجب تمليه ممارسة المواطنة.
لقد رافقت الإرادة السياسية، على الدوام، هذا الالتزام المواطني للنساء الجزائريات بالانضمام إلى المعاهدات الدولية والتصديق عليها، وبرفع التحفظات تدريجيا في مجال حماية المرأة ودورها في سائر الميادين. ومن منطلق هذه الروح بالذات، تم تعديل قانون الأسرة، و قانون الجنسية، و قانون العقوبات، وتم إصدار القانون العضوي المتضمن تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، بما مكّن من تحقيق تجانس عدتنا التشريعية الوطنية، وإدراجها ضمن الإطار المرجعي الذي يحكمها ألا وهو عدم التمييز.

المساواة الدستورية في الميدان

ولا مندوحة بهذا الصدد من إبراز وتأكيد حرص بلادنا على توخي احترام المساواة الدستورية بين المرأة والرجل إلى أبعد الحدود.
وفي المقام هذا، أعود وأذكّر بالنصوص الهامة التي تمت المصادقة عليها منذ فترة وجيزة لصالح المرأة، والتي تشرّف بلادنا أيما تشريف. ويتعلق الأمر بمراجعة الدستور في 2008 وقانون الانتخابات في 2011 اللذين تمكنت المرأة بفضلهما من حيازة ثلث المقاعد في المجلس الشعبي الوطني. وهذا، لعمري، مكسب عظيم، وتكريس لذلكم التوازن الذي يتعين على الدوام بلوغه، ألا وهو التعايش التام بين الحقوق، حقوق الرجل وحقوق المرأة.
 إنه لمن الأهمية بمكان إحداث دينامية تشجع بروز المرأة في غير مواقعها التقليدية والسعي لتعزيزها لدى الرأي العام. ذلك أن تطور الذهنيات عامل حاسم في ترقية المرأة، وكل فعل رمزي يسهم في هذا التطور ينبغي اغتنامه وتحيّن فرصته وهذا حيث إن المساواة التي تقرها النصوص ينبغي أن تردفها مساواة فعلية في الميدان.
لقد باتت المرأة البرلمانية تسهم، بفضل تنوع تجربتها، في إثراء العدة القانونية المتوخية تعزيز التلاحم الاجتماعي عامة، وتشجيع ترقية حقوق المرأة خاصة.
وعلى مستوى المجالس المحلية، يعطي حضور المرأة قيمة مضافة لتنفيذ السياسات التنموية المحلية. ويشكل انخراطها في الأعمال الرامية إلى تمكين المرأة الريفية من التغلب على الأمية، والاستفادة من القروض والعلاج، فضلا عن مجاورتها الساكنة، أقول يشكل عربونا لنجاح هذه السياسات.
أما على مستوى الحكومة، فإن المرأة تضفي مزيدا من البراغماتية على نشاط الجهاز التنفيذي وتسهم، بما يميزها من رهافة الحس، في صياغة استراتيجيات الإدماج الاجتماعي وتنفيذها.
إن هذا الحضور يترك بصمته، بفعل وقعه وتأثيره، في الرأي العام الوطني ويجذّر في السلوكات إشتراك المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية كأمر لا غنًى عنه. وهو فعل تربوي ذو نوعية بالنسبة لمجتمعنا عموما، وبالنسبة للصغار من بناتنا وأبنائنا خصوصا.
فبالتعود على مشاهدة المرأة تتبوأ مناصب التسيير، والتقنين والقيادة، تتماهى فتياتنا مع هذه الأدوار وينخرطن بسهولة أكبر في تشييد البلاد. كما يشب فتياننا المتعودون على رؤية المرأة في مواقع القيادة فلا يجدون غضاضة ولا عقدة في تقاسم السلطة مع المرأة.
لقد توسع الحضور النسوي، بعد التعليم، والصحة والإدارة، بفضل إصرار المرأة ومرافقتها إياها بالإرادة السياسية ليشمل قطاعات أخرى.

احترام مبدأ عدم التمييز

 وكان يحدونا، على الدوام، الحرص على احترام مبدأ عدم التمييز بين المرأة والرجل من خلال تكريسه في نصوصنا، وسياستنا وأفعالنا. لكن، تبقى هنا وهناك، بعض مظاهر المقاومة التي نحن مسؤولون عنها مسؤولية جماعية، والتي ينبغي معالجتها بالتربية والتواصل والحوار والوساطة ولكن بالقسر أحيانا.
تخطر بخلدي، اليوم الفئة الأضعف منكن، التي تقع، في مرحلة من مراحل حياتها، ضحية للإعاقة، أو الطلاق أو العنف أو الإقصاء.
إن مجتمعنا مازال، بحمد الله، مجتمعا متضامنا ووفيا بحق لفضائل التآزر والتكافل، لكن، إذا ما غابت المرافقة الأسرية أو الزوجية أو الاجتماعية فإن واجب التضامن يملي على الدولة التدخل. فذلكم هو دورها ومهمتها ومسؤوليتها.
 لقد مكن قانون الأسرة، المعدل في 2005، من إدخال المزيد من المساواة بين الزوجين، وتحقيق الحماية الأفضل للأطفال القُصّر وتعزيز جانب التماسك الأسري.
 لكنه، يبقى مع ذلك، قابلا للتحسين في بعض الجوانب المادية من مثل الصعوبات التي تواجهها المرأة الطالق الحاضن في تحصيل النفقة الواجبة لإعالة الأطفال المحضونين. ورفض الوالد دفع هذه النفقة أو عجزه عن ذلك مساس بكرامة المرأة وبالحقوق الأساس للأطفال، و يستدعي حلولا تكون في مستوى الدولة المتضامنة. في هذا الشأن آمُر الحكومة بإعمال التفكير في إمكانية إنشاء صندوق خاص بالنساء المطلقات الحاضنات لأطفال قصر ممن يواجهن مثل هذه المشاكل.
أما العنف المرتكب في حق المرأة، فهو ظاهرة ما فتئت تتوسع. وهو ناجم، في الغالب، عن تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية. وإنه لوضع لا يمكن القبول به، فلا بدّ من إيجاد الآليات المناسبة للتصدي له بفعالية.
 إن النقاش حول هذا الموضوع قد تمت مباشرته بين المؤسسات المعنية وجمعيات النساء المعرضات لهذا الواقع المر اللائي أشيد، في هذا المقام، بتجندهن المواطني.
 إن قيام وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة بتنصيب لجنة لمتابعة وتنفيذ استراتيجية محاربة العنف ضد المرأة، التي صادقت عليها الحكومة سنة 2007، هو جزء من هذه المسؤولية التي تتقاسمها الدولة والأسرة والمجتمع المدني.
وأنا أطلب من وزير العدل أن يشرع، تحت إشرافه، في تنفيذ توصيات هذه اللجنة، إما بتشييد الأحكام الجزائية وإما بسن قانون، بما يمكّن من إتمام العدة القانونية الخاصة بحماية المرأة التي تم الشروع فيها سنة 2004 بتشديد أحكام قانون العقوبات الخاصة بالتحرش في أماكن العمل.
 لقد شجعنا، على الدوام، المرأة على أن ترمي أكثر بثقلها في القطاع الاقتصادي، ولا يسعنا إلا الإشادة بحضورها المتنامي في عالم المقاولة.

اشادة بميثاق المرأة العاملة

وبودي، أن اشيد في هذه المناسبة، بالمصادقة على ميثاق المرأة العاملة بمناسبة اللقاء المنظم حول عمل المرأة، قبل أيام قليلة، بمشاركة وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، ووزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي والجمعيات والشركاء الاجتماعيين. إنّ هذا النص، من حيث هو تتويج لمسعىً جماعي وتوافقي، سيسهم في تعزيز مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
إن المجتمع الجزائري والأسرة والمرأة يعيشون في عالم يتحول باستمرار، تتنقل فيه الأفكار و الصور والأنماط المجتمعية بسرعة تثير حتما مسائل مجتمعية.
 ومن ثمة، يتعين علينا متابعة اتجاه هذه التغييرات ومغزاها وفهم رسائلها والتعامل معها بذكاء مصداقا لالتزاماتنا الدولية ووفقا لخصوصياتنا. إنّ تدشين المركز الوطني للدراسات والإعلام والتوثيق الخاص بالأسرة والمرأة والطفل، سنة 2013، يسهم، إلى جانب المجلس الوطني للأسرة والمرأة، الذي تم تنصيبه سنة 2006، في مهمة التنوير هذه، وتسهيل اتخاذ القرار.
هذا، وأهيب بهاتين الهيئتين أن تُـواصلا هذه المهمة لفائدة مجتمعنا، توخيا لتأمين انفتاح أوسع على الحداثة وتلاحم اجتماعي أكبر.
تلكم هي بعض الأفكار التي حرصت على مشاطرتكن إياها. وإن الطريق ما يزال طويلا. وإنكن على موعد مع تحديات أخرى. فلا تغفلن عما يصلكن من إشارات حتى يتسنّى لكنّ العمل، يدا واحدة، مع ذوي الإرادات الخيّرة الذين يجعلونكن، دوما، وهذه البلاد في السويداء من القلب».