طباعة هذه الصفحة

المرأة قوة منتجة في المشهد الاقتصادي الوطني

حضور متزايد في الفلاحة والصناعة والتجارة

سعيد بن عياد

شكلت المرأة مركز اهتمام الدولة منذ مطلع الاستقلال وذلك بإدراجها في مختلف البرامج والمشاريع التنموية كطرف أساسي. وبخطوات ما فتئت تتصاعد وتيرتها اقتحمت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية من الفلاحة الحديثة إلى الصناعة والخدمات، وساهمت السياسة الاجتماعية خاصة التعليم والصحة في تقليص الفوارق والهوة بما يجمع كافة الموارد البشرية ويصهر طاقاتها في بوتقة العمل. وفي هذا الإطار حظيت المرأة في الأرياف والمناطق الداخلية التي عانت من العزلة والتهميش بعناية ما فتئت تتزايد كرستها الجهود المتنامية للسلطات العمومية بالرغم من النقائص في فترات معينة سرعان ما كانت تعالج ببدائل ضمن الخيارات الوطنية الكبرى للتنمية البشرية. وخصصت للمرأة مكانة ملائمة في مختلف الأطر والآليات التي تجسد السياسة الوطنية للتشغيل على غرار القرض المصغر والتأمين على البطالة وتشغيل الشباب.

واستوعبت التنمية الريفية بالمفهوم الواسع الاحتياجات المعبر عنها في مجال إقحام المرأة بمختلف الشرائح من خلال اعتماد معايير المساواة وتكافؤ الفرص، ولا يتطلب التأكد من ذلك كثيرا من الجهد إذ يكفي التوقف بالتحليل والدراسة لما أفضت إليه كافة البرامج والمخططات منذ الاستقلال وخاصة طيلة العشريات الماضية، فكانت المرأة في صميم الاهتمام ومركز الانشغال بتمكين جميع مكونات المجتمع من المساهمة في المجهود الوطني والمحلي والاستفادة من ثمار السيادة الوطنية في معادلة جدلية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية مندمجة.
ويتطابق مسار النهوض بالمركز الاجتماعي والاقتصادي للمرأة مع مضمون المرجعية السياسية للثورة التحريرية من جانب وأهداف الألفية للأمم المتحدة التي ترمي كلها إلى مكافحة الفقر وإنهاء العزلة وشطب التهميش خاصة في المناطق الريفية  والجبلية على مستوى الهضاب العليا والصحراء وأحزمة الفقر حول المدن الكبرى. ويتم تحقيق تلك الأهداف بإدماج المرأة في الدورة الإنتاجية في جميع القطاعات الاقتصادية بما في ذلك الفلاحة، التي تضمن تحقيق معادلة تغيير مركز المرأة، ومن خلالها انجاز تغيير مركز المنطقة اقتصاديا. وضمن هذا المنظور كان للفلاحة بكافة أنواعها دور بارز في إعادة تصحيح واقع الأرياف والمناطق الداخلية دون المساس بالخصوصية الثقافية والاستقرار الاجتماعي الذي تلعب المرأة دورا بارزا في الحفاظ عليه وتكريسه من خلال الحرص على تماسك الأسرة وتنمية الأجيال في حضن الوطن.
وتتواجد المرأة إضافة إلى القطاعات الأخرى بشكل قوي وملموس في قطاع الفلاحة ممارسة لمهن ميدانية في الزراعة وغرس أشجار الزيتون والأشجار المثمرة وتربية المواشي والنحل والصناعة التقليدية المرتبطة بالفلاحة، وقد وضعت البرامج التنموية الريفية في مركز المشاريع الاستثمارية الجوارية وتؤكد معطيات الواقع في مختلف الولايات تقدم ونمو تواجد المرأة بما في ذلك الحاملات لشهادات جامعية وتخصصات علمية ترتبط بالاقتصاد الفلاحية والمرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة، وتلعب في ذلك القرض المصغر دورا حيويا في تجسيد الأهداف المسطرة بما يضع المرأة في الواجهة كقوة اقتصادية منتجة للثروات وقادرة على كسب تحدي القيمة المضافة بالموازاة مع التوزيع السكاني على امتداد الإقليم.      
  وتعكس النتائج المحققة على مستوى مختلف الآليات ذات الصلة بالتشغيل مدى تطور ونمو مكانة المرأة في النسيج الاقتصادي، خاصة ضمن النشاطات التي تتوفر على موارد وإمكانيات تحقيق مشاريع تتقدمها الفلاحة وحتى الصيد البحري والصناعة التقليدية والخدمات المرتبطة بالسياحة وغيرها من الحرف والوظائف الحرة التي تملك فيها المرأة قدرات إبداعية تساهم في حسم معادلة المنافسة وربح الأسواق محليا والتطلع إلى أسواق خارجية خاصة الإقليمية منها. غير أن المسار لا يزال يتطلب الكثير من الجهود في مجالات المرافقة من حيث التكوين والتأهيل المهنيين والاستشارة الفنية من خلال إدماج المراكز والمعاهد التي تنشط في شتى الدوائر الاقتصادية وأولها الفلاحة، التي تتميز بمحيط مؤسساتي متخصص في التكوين والبحث وبالفعل، لم يعد موقع المرأة يقتصر على القطاعات التقليدية مثل الإدارة والتعليم والصحة والقضاء لتعزز موقعها قطاعات أخرى ذات طبيعة اقتصادية مثل الصناعة والتكنولوجيات الجديدة والصيد البحري والمهن الفلاحية الحديثة. وبالطبع يعكس كل هذا مدى الجهود التي حققتها الجزائر على مدى سنوات التنمية وفقا لمعادلة إدماج كل الموارد البشرية بمختلف المستويات ومن الجنسين في الديناميكية الاقتصادية وبالذات الاستثمارية المنتجة منها.