طباعة هذه الصفحة

إذا كُنـْـتُ رئيسـا للجمهـورية أؤدّي اليمــين

بقلـــم الدكتـــــور شمس الدين شيتور ترجمة: أمين بلعمري
04 مارس 2014

«لمّا تطلق سهم الحقيقة احترس قبل أن تغطس رأسه في العسل»  
مثل جزائري


إن الوضع الحالي للبلاد حرج، يتطلب من كلّ واحد منا مراجعة نفسه وإقتراح السبل والوسائل لإعطاء نفس جديد التي تعود بالمنفعة التامة على هذا البلد. من هذا المنطلق أنا مقتنع أنه من الضروري تحليل الوضع في جوّ من الهدوء والسكينة، وذلك بتقديم مقترحات كمرشّح للرئاسيات للاستجابة لطلب الجزائريين من أجل وضع أحسن، ومن أجل تحصين البلاد من الإضطرابات القادمة من الخارج.


وصف حالة

جزائر ٢٠١٤، هي ٣٩ مليون مواطن ٩٠٪ منهم لم يعرفوا الاستثمار و٧٥٪ ولدوا بعد سنة ١٩٦٢ ومعرفتهم غير كافية بتاريخ البلاد، وهذا لا يعني أن الثورة المجيدة، الشهداء والمجاهدين يمكن نسيانهم، أبدا! ولكن ببساطة نحن في القرن الـ٢١، حيث شرعيات جديدة تقوم على المعرفة، الكفاءة وحبّ الوطن، يجب أن تأخذ دورها بالتدرّج من أجل إعطاء الجزائر فرصة للعيش بشرف في هذا القرن الـ٢١، قرن كل المخاطر المحدقة. إذا كان علينا وبكل صدق حصيلة الخمسين سنة الماضية، فقد أنفقنا ريع يقارب ٨٠٠ مليار دولار. أنفقنا ٥٥ مليار دولار سنة ٢٠١٣ مقابل مداخيل بالكاد تكون أكبر، إنه من المستعجل تنويع إقتصادنا وترشيد الإستهلاك من خلال إقتناء الأهم.
من يتذكر مرحلة ٥ أكتوبر ١٩٨٨ القريبة منا، ومن رأى البلاد وهي مصابة بالإفلاس؟ هذا يشكل من وجهة نظري، الحدث الذي إندلعت معه رياح الحرية عند الشعوب العربية، هذا الحدث أعطانا الإنطباع أن كل شيء مباح، أن الجزائري، هذا المتمرّد، لديه الحق في الدستور، يمكنه الإنتقاد، كان بمختصر العبارة، سيد مصيره. كان يبدو أن الديمقراطية كانت في متناول الأيدي، الحياة السياسية إشتعلت، الألسن تحرّرت وتفتّح رائع بدى في الأفق، كل شيء أصبح ممكنا. إلا أنّ هذا الأمل المفعم سرعان ما أخذ يتلاشى وفقد الجزائريون جادة الصواب وتشبّثوا في تصرّف وراثي أو نابع عن معتقدات دينية بالخطابات الأكثر راديكالية، الأكثر طائفية الأكثر خطورة التي أوصلتنا إلى العشرية السوداء.
ربع قرن بعد ذلك، أين نحن الآن؟ اكتشفنا أننا لم نستطع القضاء وبشكل نهائي، ونئنّ من أجل التفرغ للحاق بالقرن الجديد. نجرّ وراءنا موروثات يجب أن نتحرّر منها من أجل بناء جزائر كل الجزائريين دون إقصاء، يتطلب منا ذلك تقوية المدرسة التي لم تعد تلعب اليوم دور سلم الصعود الإجتماعي: كيف نريد أن تكون لنا ميولا علمية وتكنولوجية، إن لم يكن هناك نماذج معروفة ومعترف بها؟ نعطي وفي دفعة واحدة لاعب كرة قدم ما يقابل ما نعطيه لأستاذ بائس خلال عمر بأكمله هذه هي الرسالة الأكثر سوءا التي نقدمها ضدّ المدرسة.
يضاف إلى ذلك أن التسيير بالخمول الثقافي لايزال ممكنا، مادمنا نضخّ وبطريقة جنونية ثروة هي ملك للأجيال القادمة. لا يجب أن نستهلك دون الأخذ بعين الإعتبار التبذير المفرط لمواردنا من المحروقات، علاوة على أنه يبدو مأساويا التصريح في كل وقت أن الجزائر لديها إحتياطي لخمسين سنة قادمة، وبالخصوص مع أضحوكة الغاز الصّخري، هذه إشارة سيّئة كون الجزائريين يرون الأمور بهذه الطريقة: ناموا، الريع يسهر على رعاية كسلنا على نغم العبارة الشهيرة  (نوم وطعام وعطلة دائمة)، هذا هو نموذج الجزائري في القرن ٢٠ الذي يسير ببعض الخلايا العصبية.
في الجزائر، الجزائريون الذين يؤدون عملهم، الذين يستحقون مرتباتهم بجدارة، أصبحوا يشعرون بالخجل أمام العبارات المثبّطة والثروات التي جاءت من العدم، وهذا وسط قوم وحدة القياس عندهم المليار. أنا أمقت هذه الثقافة التي استطاعت إستغباء الشباب الذين نقدم لهم ثقافة رديئة قائمة على الرقص والغناء من روايات ألف ليلة وليلة، في الوقت الذي وصل فيه العالم المتطور إلى (الويب 3.0، ولحقت الصين بالولايات المتحدة الأمريكية، يجب علينا أن نقترح على شبابنا التعلّم، معرفة التاريخ المتعلّق ببلاده، المطالعة، المسرح، التربية، العمل ـ بإختصار ـ العرق عوض التنويم المكلِف والخالي من الأفق.
ليس هناك أبدا مكان للعلم في الجرائد ولا للبحث، شجاعة الجزائريين، إذا علمنا على سبيل المثال ورغم ما يقوله الشعبويون أن البحث العلمي ـ رغم النقائص الموجودة مكّن باحثين من المشاركة في إنجاز مسبار فضائي، المرتب الشهري لعشرين باحث إختارتهم وكالة الفضاء الأمريكية يساوي ما يحصل عليه لاعب كرة قدم في «الميركاتو»، وبعبارة أخرى ولوصف سوق مربحة، نعتقد خاطئين أن استعراضات ميسي ومارادونا، تدفع بطريقة أو بأخرى بنفط الأجيال القادمة.
الواقع، الجزائر ومع مرور السنين، أصبحت تنفق كثيرا، الجزائري يريد كل شيء وفي حين، وفي تقليد مدمّر للغرب، وخصوصا في الأشياء التي لا ينتجها، ولكن يمكن أن يشتريها في الوقت الراهن. إقتناء ٤٠ مليون هاتف محمول والتنقل في سيارات فخمة واستهلاك الطاقة بإسراف، ليس هذا رمزا للتطوّر، في حين أن جزائر ٢٠١٤ ليست تلك سنة ١٩٦٢، إنها بلد كبير وغنيّ ولكن لا تزال في طريق التطوّر.
الجزائر وجدت نفسها في مفترق طرق بمجتمع يسيّر بطريقة تقليدية، تصارع من أجل نشوء أمة في إطار الرغبة في العيش معا، نحن وبصفتنا مثقفين ارتكبنا خطأً، ولدينا إفلاس عقلي، لأننا لم نؤسّس لنموذج حكامة لثورة نوفمبر المجيدة التي نحتفل بذكراها الستين. ماهي الأولوية بالنسبة للشباب، عمل، حياة شريفة، مستقبل أو الحرية؟ كل هذا في نفس الوقت، لا يجب أن نرى في تصرّف الشباب إلا البعد «التدمير» فنحاول أن نرى فيهم الدور البنّاء.

الانتخابات الرئاسية

هناك مرشحون للرئاسة يطلّون علينا ليقولوا يجب أن نفعل. ماذا يعرف أولئك الذين يقدّمون الدروس عن بعد، الذين يعطون لأنفسهم الحق حشر أنوفهم في جزائر تخلّوا عنها عندما كانت تطلب النجدة من أجل أماكن أكثر راحة، إلى أولئك الذين أعلنوا أنفسهم مثقفين، الذين تنقصهم خاصية أساسية: التواضع والتحفّط تجاه هذه الجزائر العميقة التي تصارع يوميا، أدعوهم إلى المجيء مشاركة الجزائريين وتيرة القلق المعيشي للجزائريين البسطاء وليس من باريس، جنيف، لندن، وكذا مونتريال أو في أي مكان آخر، إلى كل المتخصصين في معادلة «نتسلّح ونذهب» الذين يقدّمون النصائح، ويعلمون في قرارة أنفسهم أنّ «سينما» الرئاسيات التي يلعبونها لها في الأخير نظرة عابرة وسريعة، بل هي أسرع من نيزك فضائي، «قال مالرو أن تكون يعني التقليل من الجانب الهزلي». لا يا أيّها السادة، الأمر يتعلق بمصير الجزائر، أدعوهم «هنا الآن» إلى المجيء للمشاركة في مسيرة كبرى التي تحتمل العرق والتعب، من أجل بعث الأمل في أولئك الشباب في مكان تواجدهم الطبيعي وليس عن بعد.

مشروع مجتمع في محيطه الطبيعي

بعيدا عن الحريات والديمقراطية، يجب أن تتصالح الجزائر مع تاريخها ماسينيسا صقل النقود عندما كانت أوروبا في الظلمات، فلنتبنى بذورنا الأمازيغية دون أن نجعل من ذلك سجّلا تجاريا، المثال الحي لغرداية يدعونا إلى التدبّر، إنه من الضروري مصالحة هذا الشعب مع تاريخه، وإذا كان يجب إقحام نظرية المؤامرة الخارجية في كل مناسبة، فإن الملاحظ أن إمكانيات الجزائر لا تترك القوى الكبرى في هذا العالم غير مبالية لا قدّر الله، إذا لم نفعل شيئا من أجل وضع أسس دولة وطنية، فسيكون مصيرنا مصير الكثير من الدول، أقوياء هذا العالم يعملون على إعادة رسم الحدود، ولسنا في منأى! وورد في القرآن الكريم ((خذوا حذركم)).
وحين يتم قبول الهوية الجماعية ويتم تدريسها وترجمتها على أرض الواقع بطريقة هادئة كرموز سيادية، على غرار اللغة، وسائل الإعلام مطالبة بالشروع في العمل من أجل الدّفع بالجزائر في القرن ٢١ قرن كل المخاطر. يجب أن تكون في المستوى الذي يسمح لكل واحد منا بإطلاق العنان لمواهبه، ليكون نافعا ويحصّل على رغيف الخبز بشرف، وليس عن طريق الأمصال التي تجعل من المواطنين مجرّد أشخاص يحتاجون إلى المساعدة مدى الحياة، أو منسيين إلى الأبد. كل عمل يستحق مرتّب، حان الوقت كذلك لإظهار الشرعيات الجديدة للقرن ٢١ إلى جانب الشرعيات التاريخية، كل واحد يجب أن يقيّم على ضوء قيمته المضافة، وليس من خلال كونه محرّك للجماهير أي كمتخصص في السياسة.
نحن في مرحلة إن لم نُدر الظهر للريع من خلال ثروات متنوّعة ستضطر الجزائر إلى استيراد حاجتها من البترول، ولكن بماذا، لأنه في الوقت الراهن البترول يشكل ٩٨٪ من المداخيل.
يتعلق الأمر بالاستراتيجية الطاقوية، من المهمّ وضع كل شيء على الطاولة ورسم خطة لترشيد إستهلاك الطاقة والمراهنة على الطاقات المتجددة والصناعة الاستراتيجية من البترول والغاز لما لها من أهمية قصوى في التنمية، إن البنك الأفضل بالنسبة لنا هو باطن الأرض، وهذه هي التنمية المستدامة.

ماذا ينتظر الجزائريون من الرئيس المقبل؟

حتى لا أستنفد كل شيء، أقترح هذا التكرار، أعطي فكرة على ما يجب اعتماده بالضرورة لمن يريد الوصول إلى قلوب الجزائريين وضمان إنخراطهم التام والكامل.
أنا رئيس، أولا وقبل كل شيء، سأعمل كل ما في وسعي لإنجاح مشروع أمة توافقي من خلال محاربة الجهوية، المحسوبية وكل الانحرافات القائمة على العرق والدّين.
أنا رئيس، سأختار قول الحقيقة، وأعمل ما استطعت من أجل تجسيد الحريات الفردية.
أنا رئيس، سأعيد الأمل إلى الشباب وأعطيه فكر، خارطة طريق وهي بناء دولة قويّة، أن يكون الاستحقاق المعيار الوحيد الذي يُؤخذ بعين الإعتبار.
أنا رئيس، سأجعل من النظام التربوي والبحث العلمي محور استراتيجية من أجل تحوّل متعدّد الأوجه، سأتابع بانتظام الوضع البيداغوجي في المدارس، الثانويات، الجامعات، أبسط بحث علمي في أكثر المخابر تواضعا.
أنا رئيس، سأعيد تكييف الخدمة الوطنية مصفوفة العيش معا، سأشجع بناة التنمية الوطنية، الذين سيجعلون من الصحراء كاليفورنيا ثانية، رجال يبنون المدن الجديدة في الجنوب.
أنا رئيس الجمهورية، سأعطي معنى للتنمية المستدامة، سأحمي الموارد الزائلة من خلال إستخراج ما هو ضروري فقط من باطن الأرض، سأعلن الحرب على التبذير بكل أشكاله.
أنا رئيس الجمهورية، سأعيد النظر في الجهود، الواجب المؤدّى بشكل تام من خلال تعبئة وسائل الإعلام الثقيلة لإعطاء قيمة للمجهودات لمستحقيها في هذا الوطن.
في الأخير، يجب علينا إعادة بعث روح الريادة التي كانت لدينا عند الإستقلال، ونتجنّد عندما تكون لدينا خطة، فلنتخيّل أن البلاد ترمي بكل ثقلها على إقتصاد المعرفة ويتقرّر في إطار الخدمة الوطنية، المصفوفة الفعلية للوطنية والهوية، شباب قادرون على إحياء الصحراء، ومواجهة التغيّرات المناخية، يكونون رأس حربة بدرجات مختلفة في استراتيجية طاقوية تدير الظهر للكل ـ محروقات وتلتزم بالذهاب بالطاقات المتجدّدة.
الأغلبية الساحقة من الشباب تتنظر رئيسا يجمع الشّمل، يعيش همومهم، ويدفع بهم إلى القرن الـ٢١، السعادة ستعمّ الجميع، لأننا موّحدين ولنا دور نلعبه، ونشارك بعمل جيّد بالذكاء والعرق لتحقيق جزائر أحلامنا، وهذا يتعلّق بإرادتنا لكي نجعل من أحلامنا حقيقة ملموسة، يجب علينا، قادرين عليه، فلنفعل.