أطمح إلى السّير بالأدب الجزائري إلى العالمية
خديجة تلي، أديبة شابّة تسعى لفرض تواجدها في عالم الأدب، تكتب الشّعر والرواية، تطمح لأن ترفع راية الأدب الجزائري في سماء الأدب العالمي، رسالتها أخلاقية سامية، وتحمل بين سطور كتاباتها قضية المرأة والكرامة والكبرياء. في حوار لها مع «الشعب» تحدّثت عن تجربتها في عالم الكتابة بمختلف تحدياتها، وعن مشاركتها الأولى في المعرض الدولي للكتاب، الذي اعتبرته تجربة جميلة فتحت لها المجال للالتقاء بقرائها وأصدقائها.
- الشعب: خديجة تلي، بداياتك كانت مع عالم القافية، ثم انتقلت إلى كتابة الرّواية، كيف كان ذلك وكيف وجدت هذا المجال مقارنة بالشّعر؟
خديجة تلي: أولا السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية مشواري الأدبي كانت مع الشعر الحر، الذي وجدت من خلاله سهولة في التعبير عن أي موضوع أو حالة نفسية أرغب في التعبير عنها، ومع مرور الوقت جمعت عدة قصائد وكانت الصدفة التي دفعتني إلى عالم النشر هي أختي التي كانت مولعة جدا بالأدب، واقترحت علي جمعهم في كتاب ليسهل عليها وعلى القارئ المحب الشغوف قراءتهم، كما لا أنكر دور أصدقائي على الفضاء الأزرق وتشجيعاتهم لي.
هذا وقد كنت منذ الصغر محبة للشعر العمودي وأحفظ الكثير من الأبيات، ودائما أستشهد بها في حديثي مع الآخرين في أي موضوع، ولكن هذا لا ينفي مطلقا حبي للنثر فقد كنت سباقة لاقتناء روايات أحلام مستغانمي، التي أعشق أسلوبها في الكتابة بغض النظر عن أفكارها، فلكل كاتب أفكاره التي يؤمن بها، كما قرأت العديد من الروايات الحديثة منها والقديمة وكتبت العديد من القصص كبداية، قبل توجهي لكتابة الرواية منها قصتين الأولى فازت في الكتاب الجامع عن مجلة «الكاتب الجديد» بعنوان «الهطول حبا» والثانية في كتاب جامع عن «دار يوتوبيا» بعنوان «على إيقاع النبض».
ومن هنا راودتني فكرة كتابة رواية، خاصة وأني تأثرت جدا بأسلوب أحلام مستغانمي، وأردت خوض التجربة، كتبت الفصل الأول منها ثم توقفت أحسست بصعوبة الأمر، وأنها تحتاج إلى وقت وجهد وبحث ونفس طويل، وقد لا يتوفر لدي كل هذا، ولكن طموحي بقي يزيد يوما بعد يوما في إنهاء ما بدأت به، وإذ بي أستجمع قواي وأضبط وقتي، وأعكف جاهدة على الكتابة حتى انتهيت منها في الأخير.
أما بالنسبة للفرق بين الكتابة الشعرية والرواية، فلا وجه مقارنة بينهما لأن كل جنس أدبي له مميزاته وقوامه، فكتابة قصيدة لا يشبه أبدا كتابة رواية، لا من حيث الحالة الشعورية ولا استخدام الخيال ولا اللغة المستعملة ولا الوقت.
- وكيف جاء اختيارك لأول رواية لك بعنوان «لا تفلتي يدي»؟ وهل من صعوبات واجهتك خلال كتابتها؟
يمكن أن يكون محض صدفة، فقد أردت أن تتناول الرواية عدة قضايا يعاني منها المجتمع والأفراد على حد سواء، كالفقر والبطالة واليتم والحب والفراق والمرض والهجرة، وأردت أن يكون محور الرواية بطلة شاعرة لأصب عليها بعضا من روحي وشخصيتي، وربما حتى مواقف حدثت معي ولو بطريقة أخرى.
فيها أيضا تأثر واضح بقراءتي لرواية «الأسود يليق بك» لأنها أعجبتني جدا، وضعت لها عدة عناوين قبل أن أقف على اختيار عنوان «لا تفلتي يدي»، بعد أن قمت بتغيير نهاية الرواية بناء على نصيحة الناقد المصري الأستاذ «محمد البنا» بأن تبقى مفتوحة، خاصة وأن العنوان مرتبط بمرحلتين عمريتين من حياة البطل وهما مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب.
في الحقيقة الصعوبات التي واجهتني هي مشكلة الوقت، وخاصة عندما يكون الكاتب من النوع الذي لا يحب أن تنقطع أفكاره، فعندما تتخيل مشهد ما وتحاول أن تصفه وتكتبه بكل دقة واحترافية، وفجأة يأتي أحدهم يناديك لقضاء أمر ما، فتكون مضطرا لقطع سلسلة أفكار تتدفق عليك في لحظة جد حساسة في الكتابة، وهي لحظة الإلهام هنا تكمن المشكلة فالتوفيق بين الكتابة وشؤون الحياة خاصة وقتها كنت بدون عمل وملزمة بأمور البيت، وأنا البنت الوحيدة أقصد بدون زواج، البيت وكل المسؤوليات على عاتقي لم يكن أبدأ سهلا علي إنهائها.
- وماذا عن البيع بالتّوقيع لهذه الرّواية في المعرض الدولي للكتاب، كيف كان الإقبال عليها، وما الذي تمثّله هذه المشاركة لكاتبة شابة في بداية مشوارها الأدبي؟
بدءا ذي بدء لم تكن تستهويني أبدا جلسات البيع بالتوقيع منذ ولجت عالم الأدب أو بالأحرى عالم الطبع والنشر، كنت أقول في نفسي دائما أنه من المهانة أن يجلس كاتب بكل احترامه وهيبته على طاولة يعرض إبداعاته، لعلَّ من يأتي به فضوله أو من قد يثير ذلك الانتظار شفقته، فيشتري الكتاب مجاملة أو رأفة بصاحبه.
نعم كنت أقول ذلك وكنت مُصّرة على أن هذه الجلسات ليست من مبادئ الكبرياء الذي أعتز به ومازلت مؤمنة بذلك، ولكن ما الذي حدث هذه المرة ليجعلني أتخلى عن مبدئي وأقرر الذهاب إلى العاصمة ومعرض الكتاب في طبعته الرابعة والعشرين لإمضاء كتابين لي؟
الإجابة بسيطة جدا، إنهم الأصدقاء والعديد من الكتاب الذين تعرفت عليهم من خلال العالم الافتراضي ونشأت بيننا مودة وصداقة، غرست بداخلي حب لقائهم عن قرب وفي عالم حقيقي بعيدا عن الفضاء الأزرق، أي أنّ ما دعاني حقا إلى هذه الرحلة التي لم تكن أبدا سهلة بالنسبة لي، وحاولت بكل ما أؤتيت من قوة أن تنجح، هم الأصدقاء والأصدقاء فقط.
الآن بعد وصولنا إلى المعرض..وصلت إلى جناح «دار يوتوبيا» ولكن بعد فوات الآوان كانت الساعة تشير تقريبا إلى الحادية عشرة ونصف، يعني انتهاء جلسة التوقيع، وجدت زميلتين كانتا جالستين هناك رفقة كاتب شاب كان دورهم للتوقيع، ولم أجد أحدا ممن انتظرتهم أو تمنت الحديث إليهم، تملكتني بعض الحسرة والوجع..لقد أفلتوا يدي.
ما كدت أرفع رأسي من خيبة الأمل التي أصابتني، إلا وفرجًا يأتي من السماء، تفاجأت بقدوم مجموعة من الأصدقاء الذين أرفض دائما أن أناديهم بإخوتي، قادمين نحوي وابتسامات جميلة تنير وجوهم يتقدمهم الأستاذ القدير أباَ الكل «عمر بن زيان» بخفّة دمه وروحه الطيبة المرحة، يحمل باقة ورود مختلفة الألوان شذية الرائحة بهية كبهاء قلوبهم الطّاهرة، ومعها كعكة شكولاطة وكرتونة عصير علب، وكل مستلزمات الحفل التاريخي لفتاة تزور المعرض لأول مرة في حياتها، سلّمني الباقة وهم يباركون إصدار الرواية وأختي الرائعة جميلة الروح والأخلاق «سمية صايغي» التي تعذّر عليها المجيء، فتابعت الحفل من خلال الهاتف وحرصها على نجاحه، وهي التي خططت له معهم من البداية.
استسمحوا من الصّديقة التي كانت جلستها لتعيرني مكانها حتى أقوم بالتوقيع لهم بالإهداء على نسخ من الرواية، وأبوا إلا دفع ثمنها للمكلفة بالمبيعات، قمت بعدها بتقطيع الكعكة والتقاط صور للذكرى، وقد شاركنا الحفل بعض العابرين والكتاب هناك، وسط جو أخوي أدبي تبادلنا من خلاله أطراف الحديث عن الأدب والنشر وغيرها، وانصرفنا إلى جناح «دار خيال» لجلسة توقيع الديوان التي لم أكن مبرمجة أن أحضرها من قبل، وإنما تركت أمرها لأخي الشاعر بوعباس نور الدين لأنه عمل مشترك بيننا.
فقد كان أصدقائي بل إخوتي وعائلتي هناك في العاصمة عمر بن زيان، عمار عزوز، حميد محمد، بوعباس نور الدين، سمية صايغي، كريمة خودي..جمهوري الأكثر من رائع كانوا الفرحة التي لم يسعها صدري، وكانوا الحياة التي اختصرتها في دقائق برفقتهم، وكانوا أبطال زيارتي إلى معرض الكتاب ولم يفلتوا يدي.. وهي بالنسبة لي تجربة جميلة، بما أني لأول مرة أحضر إلى المعرض، حقيقة استلطفتها وسأكرّرها إن شاء الله كل عام، وسأحاول أن تكون إقامتي ليومين أو أكثر حتى أتمكّن من لقاء الأصدقاء والقراء، والتجول بين الكتب واقتناء الرائع منها.
- ديوان «توضّأ بالأشجان والأمل» عمل أدبي مشترك بينك وبين الشّاعر نور الدين بوعباس، حدّثينا عن هذه التّجربة؟
الديوان من الشّعر العمودي الموزون، وهي مجموعة قصائد شاركت بها في مسابقة رئيس الجمهورية علي معاشي لسنة 2019، ولم يكتب لها الفوز، وبما أن الشاعر الأستاذ بوعباس نور الدين هو مساعدي في تعلّم العروض، وأخي أتعلّم منه وأعمل بنصائحه، كان راغبا في النشر، واقترح عليّ أن أشاركه بمجموعتي لأنه كان على دراية بها، فقد راجعها معي عروضيا حين المسابقة، فاستحسنت الفكرة وكان الديوان الذي صدر عن «دار خيال للنشر والتوزيع» ببرج بوعريريج، وأتمنى له الرواج والنجاح لأنه يستحق بما يحمله من قصائد ذات قيم أخلاقية واجتماعية ووطنية وحكمة.
- وهل سيرى النّور قريبا ديوانك الشّعري «وغدت رمادا ورقيا»؟
«وغدت رمادا «كان عبارة عن ديوان شعر إلكتروني عن دار «قصص وحكايات»، نشرته لفترة ثم قمت بسحبه، منه قصائد عدلتها ووضعتها في الديوان المشترك، ومنها قصائد حرة أحتفظ بها لنفسي، أما العنوان فهو يجذبني وقد أفكر في إصدار ديوان في المستقبل يحمل ذات العنوان.
- ما هي الرّسالة التي تحملها الكاتبة في أعمالها الأدبية، وتريد أن توصلها لقرّائها؟
لكل كاتب رسالة ما يود إيصالها من خلال كتاباته، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يختلف عليه كاتب هو الأخلاق، لكل كاتب رسالة أخلاقية سامية يود تبليغها، أما على الصعيد الشخصي فأنا أحمل أكثر قضية المرأة والكرامة والكبرياء. أود من خلال ما أكتبه أن أقول لكل مجتمع، ولكل امرأة أنت أكبر من تفاهات البعض، أنت درّة ثمينة وكنز لا يعرف قيمته إلا من صاحب ذوق وأخلاق، أريد أن أوصل رسالة لكل امرأة، كوني فخرا لنفسك ولأهلك ولبلدك، كوني نجمة يتمنى الجميع الوصول إليها، كوني وحدك الحقيقة وسط الزيف المحيط بك، كوني النقية وسط التعفن الذي تعانيه المجتمعات، كوني الأصل لا التقليد.
- أخيرا..ما الذي تطمح إليه خديجة تلي مستقبلا؟
أن أنجح في الوسط الأدبي وأكون كاتبة من العيار الثقيل لغة وفكرا وأسلوبا وإصدارا ورسالة، أن أكون كاتبة رواية وشاعرة بكل ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، أن أرفع راية الأدب الجزائري في سماء الأدب العالمي.