تغيير الذّهنيات والسّلوكيات بالتّربية البيئية
اختتمت بمعسكر فعاليات الدورة التكوينية حول البيئة لفائدة الإعلاميّين، المنظمة وفق اتفاقية عمل بين وزارة البيئة والطاقات المتجددة، وشملت محاورها 4 مجالات بيئية منها التسيير المدمج للنفايات، الإنتاج النقي والاستهلاك المستدام، التنوع البيولوجي والاقتصاد الأخضر.
أظهرت المحتويات النظرية والتطبيقية المعالجة ضمن محاور الدورة التكوينية حجم الخطر الذي يتربص بالبشرية جمعاء، ولو أن الأرقام النسبية حول التلوث البيئي المقدمة من طرف الأستاذة الجامعية مرسلي فتيحة خفّفت حجم الخطر المتربص بالبيئة في الجزائر.
لمحت الأستاذة المكونة في محور التسيير المدمج للنفايات، إلى التركيبة الآمنة للنفايات المنزلية التي ينتجها المواطن الجزائري سنويا، المشكلة من 54 بالمئة مواد عضوية قابلة للتخمر و13 بالمئة أنسجة، 10 بالمئة ورق و17 بالمئة بلاستيك، هذا العنصر الأخير الذي يعتبره الخبراء من أخطر المواد المسببة للتلوث،
والتي تشكّل خطرا على صحة الإنسان، لم يعد المصدر الوحيد للخطر، بسبب الفترة الطويلة التي يستلزمها تحلله، والتي تصل إلى ألف سنة بالنسبة للقارورات المياه التي ترمى عبثا دون احتساب خطرها، أو يعاد استعمالها بشكل دوري مشكلة بذلك خطرا على صحة الإنسان.
كيس القمامة المنزلية غير آمن.. الفرز الانتقائي لتقليص الخطر
بل ترتفع درجة الخطر لمجرد معرفتنا لأصناف النفايات وللتركيبة التي تشكل كيس القمامة المنزلية غير بقايا الأكل، بمثل البطاريات الصغيرة الحجم التي يُجهل حجم اشعاعاتها السامة أو الأدوية والمواد الكيميائية سهلة النفاذ للتربة، وتصنف في خانة النفايات الخطرة.
ومن أجل ذلك عملت الدولة على توفير مراكز متخصصة لرم النفايات وأفران خاصة بحرق النفايات السامة، حيث يطرح المشكل مسألة الفرز الانتقائي الأولي بالبيوت، الذي يعتبر أهم خطوة لتقليص درجات الخطر، في غياب أي مؤشر يضمن أن النفايات المنزلية التي تخرج يوميا من بيوتنا آمنة، ولا تشكل أي خطر على البيئة يعود لاحقا على صحة الإنسان.
نمط معيشي عشوائي مسبّب للأمراض والسّرطانات
في ذات الصدد، أكّد الخبير البيئي حمزة قرطبي في محور التربية البيئية والتنمية المستدامة، أن النمط المعيشي للجزائري خطير جدا، مرجعا ذلك إلى طرق الاستهلاك العشوائية وغير المنظمة التي تعتبر سببا لـ 80 بالمئة من الأمراض بين الجزائريين. وبذكره للبلاستيك المصنف ضمن 20 مادة خطرة في العالم، يقول قرطبي إن انتشار العقم وأنواع السرطانات سببه وجود مادة الديوكسين الموجودة في البلاستيك الذي نستعمله يوميا، وتحتويه جميع أنواع البلاستيك المستعملة في التعليب والتخزين، في حين أكدت الأستاذة الجامعية المختصة في علوم الطبيعة والحياة شويطح أوريدة بحكم خبرتها، أن منتجات التغليف والتعليب المحلية لا تخضع للمقاييس، إضافة إلى طرق التخزين المنزلية التي لا تخضع لشروط الصحة، موضحة أن أغلب وأكثر حالات الإصابة بسرطان الثدي موجودة بالمناطق الريفية كنتيجة حتمية لتلوث النظام الغذائي من خلال الاستعمال المفرط وغير المدروس للأسمدة الفلاحية.
كما تطرّقت المختصة البيولوجية شويطح أوريدة إلى الجدوى من العدد المرتفع من جمعيات البيئة والترسانة القانونية الموضوعة للحد من التلوث البيئي وخطره على صحة الإنسان، في حين هناك إمكانية لتغيير الواقع والسلوكات السلبية من خلال التحسيس الإعلامي حول الأمن الغذائي من ناحية سلامة النظام الغذائي، ومن خلال التماشي مع استراتيجية التنمية المستدامة التي تقع مسؤولية تطبيقها على الأفراد والحكومات.
احترام التّشريع البيئي وتنفيذه من أجل الانخراط في الإنتاج النّقي
ظهر مفهوم التنمية المستدامة بظهور ملامح الأزمة البيئية، حيث يقدم المفهوم عدة حلول لها أثر على المجال الاجتماعي، الاقتصادي والبيئي، وتعمل الجزائر على تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة منذ بدايات الألفية، من خلال قوانين ومراسيم تنفيذية أخذت سبيلها في التنفيذ منذ 2011 بخطى ثقيلة على حد الشروحات المقدمة من طرف الأستاذة والخبراء في الدورة التكوينية.
وبمقارنة التشريعات القانونية مع الواقع البيئي على الصعيد الوطني، يلحظ جليا أنه لم يعطى الاعتبار بعد لمفهوم الإنتاج النقي الذي يؤثر فيه عامل الاستهلاك المنظم، ويعتمد أساسا على ترشيد استغلال الموارد الطبيعية على غرار الموارد المائية وتحسين عملية استرجاعها وتدويرها، وتقليص الآثار السلبية للإنتاج الصناعي مثلا على البيئة، حيث لا تخفى جملة التجاوزات التي ترتكب دوريا في حق البيئة من رمي غير مراقب للنفايات والسوائل الصناعية السامة في الفضاءات الطبيعية المفتوحة.
المدارس لا بد أن تكون نموذجا في المحافظة على البيئة
زيادة على ضرورة تغيير الذهنيات والسلوكات الشائعة المضرة بالبيئة، والدعوة إلى انتهاج نمط معيشي لا يضر بمداخيل الأفراد وسلامتهم الصحية، واتباع طرق سليمة في الإنتاج والاستهلاك من خلال تشجيع الأفراد على تثمين الموارد الطبيعية، والذهاب نحو الاقتصاد التدويري واقتحام مجال استرجاع النفايات، وتثمينها المدر للأرباح والمتاح لجميع أفراد المجمع عبر سلوكات بسيطة تبدأ بالفرز الانتقائي.
تعتبر المدرسة نموذجا في المحافظة على البيئة، فإدراج حصص ومواد بيداغوجية تهتم بالبيئة وطرق الاستهلاك السليمة، لا يشكل حجرة عثرة أمام أي تقدم علمي أو اقتصادي واجتماعي، بل خطوة جادة نحو إشراك أفراد المجتمع في الخطط والاستراتيجيات البيئية، وإن اعتبرنا أن تلميذ اليوم هو رجل الغد، فلا بد من الاستثمار في هذا المورد البشري، وتربيته على أسس بيئية سليمة، ضمن تربية بيئية تسهل كثيرا العمل على تغيير الذهنيات وبالتالي تغيير السلوكات.
وعلى سبيل الذكر، حرصت ممثلة «الشعب» في الدورة التكوينية على تقديم مقترح في شأن التربية البيئية على مستوى المؤسسات التربوية، يرتكز أساسا على الإنتقال من الطرق الكلاسيكية في معاقبة التلميذ المشوش والمهمل لدراسته بطرق تمكن من إصلاح شخصية وذهنية التلميذ، من خلال دفعه للقيام بنشاطات ايجابية لها علاقة بالبيئة.
نشاط محتشم لجمعيات البيئة بمعسكر
تحصي مصالح مديرية البيئة لمعسكر نحو 10 جمعيات محلية معتمدة ذات طابع بيئي، غير أن نشاط هذه الجمعيات المحدود والمحتشم جدا، دائما ما يضطر بمديرية البيئة إلى الاستعانة بجمعيات رياضية وثقافية من أجل تنشيط التظاهرات التي ينظمها القطاع بين الحين والآخر، إضافة إلى حملات النظافة التي تعتمد على سواعد بعض الناشطين في جمعيات خيرية وعمال النظافة وحتى أعوان الحماية المدنية.
ولو أن الحفاظ على البيئة والمحيط سلوك مواطناتي ومسؤولية يتقاسمها الجميع، إلا أن توفر عدة معطيات ومؤهلات قد يمكن جمعيات البيئة من التميّز عن باقي الحركات الجمعوية، بذكر مجالات التعاون مع منظمات وهيئات بيئية عالمية، التي تفتح آفاقا واسعة للتألق والنجاح أمام الناشطين في مجال حماية البيئة.
في هذا الصدد، قال الخبير البيئي حمزة قرطبي، إن أغلب الجمعيات الناشطة في مجال البيئة لا تمتلك مشاريع بيئية أو تنموية في هذا الشأن، ويعمل أغلبها بطريقة كلاسيكية يغيب عنها التنسيق، بل حتى يكاد نشاطها يقصر على الحضور الرمزي في حملات النظافة أو الاحتفالات المناسباتية.
وبالمناسبة تكون الجمعية «الخضراء» المهتمة بقضايا البيئة، قد قدّمت نموذجا لمشروع بيئي يهدف إلى تثمين المنطقة الرطبة بالمقطع، غير أن مشروع الجمعية المحلية يكون قد اصطدم بعراقيل إدارية، من المرجح أن يكون لها علاقة بعدم تصنيف المنطقة الرطبة، وما نجم عنه من خلط في تسيير المنطقة الرطبة بين مصالح الغابات التي يقع على عاتقها صيانة المنطقة، وحماية ومراقبة التوازن الايكولوجي بها، وبين مصالح البيئة التي اسند إليها مشروع إقامة مسلك سياحي ايكولوجي.
هذه المحمية التي شكلت جزءا هاما من محور التوازن الايكولوجي بالدورة التكوينية، تعتبر مكسبا بيئيا هاما لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، مصنفة عالميا ضمن عدة اتفاقيات دولية على غرار اتفاقية «رمسار» لأهميتها البيئية وغير مصنفة وطنيا، الأمر الذي يشكّل عائقا في حماية المنطقة - التي تعتبر مركزا لعبور الآلاف من أصناف الطيور المهاجرة وملاذا للنباتات النادرة - من المشاكل التي تهدد التوازن الايكولوجي بها، على غرار الرعي العشوائي بوجود نحو 5 آلاف رأس غنهم بالمنطقة يلجأ أصحابها من البدو الرحل إلى تجفيف مياه البحيرات وضخها لإعادة استغلاله في أمور أخرى، إضافة إلى الصيد العشوائي وسرقة بيوض الطيور المهاجرة، وفي ظل وجود نحو 25 مصب للنفايات الصناعية السامة في محيط المحمية، بحسب ما جاء على لسان رئيسة الجمعية الخضراء، الأستاذة الجامعية سويدي زهيرة ضمن تقرير دراسي حول التنوع البيولوجي أعدّته جامعة معسكر.