احتضنت مكتبة ميديا بوك بالعاصمة، أمس الثلاثاء، تقديم كتاب «ثلاث سنوات في روسيا: على خطى السلاف والتتار وشعوب القوقاز»، الصادر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. في هذا الكتاب، يعود المؤلف إدريس بوسكين، إلى سنوات دراساته العليا في روسيا (2005 ــــ 2008)، وينقل إلينا ما دوّنه حول مختلف المكوّنات التي تشكّل المجال الحضاري للثقافة الروسية، ويحدّثنا عن «روسيا الجمال والتاريخ والتنوع والتناقضات بعيون جزائرية».
احتفت مكتبة ميديا بوك، زوال أمس الثلاثاء، بآخر إصدارات إدريس بوسكين، الروائي والكاتب الصحافي والزميل بالقسم الثقافي لوكالة الأنباء الجزائرية، الذي حمل عنوان: «ثلاث سنوات في روسيا: على خطى السلاف والتتار وشعوب القوقاز». يندرج هذا الكتاب، الذي أصدرته المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية في 194 صفحة من القطع المتوسط، ضمن ما يُعرف بـ»أدب الرحلة»، وينقل فيه بوسكين تدويناته وملاحظاته خلال فترة الدراسة التي قضاها بروسيا، ومنحته «متعة التعرف على ثقافاتها وشعوبها وقومياتها، واستكشاف فنونها ومعالمها وشخصياتها»، ومدنها العريقة سواء التي درس بها كـ»فارونيج» و»موسكو»، أو التي ارتحل إليها كـ»ليبيتسك» و»كازان» و»سان بطرسبرغ، وهناك دوّن معايشاته ومشاهداته وآراءه عن ماضيها وحاضرها، ووصف تجاربه الحياتية رفقة زملاء الصف القادمين من مختلف البلدان، وأصدقائه من العمال المهاجرين من آسيا الوسطى.
كما تعمق الكاتب في تناول التاريخ غير الرسمي للبلاد، وواقعها السياسي، و»رصد الحضور التاريخي والحضاري للروس إلى جانب العديد من الجماعات العرقية والدينية والثقافية التي تسكن تلك البلاد الشاسعة والآسرة من العالم، وعلى رأسها التتار وبقية الشعوب الناطقة بالتركية بمنطقة القوقاز والأورال وسيبيريا وبلدان آسيا الوسطى».
جاء الكتاب في أجزاء، تحدث بوسكين في أولها («ماسكفا» الحلم .. «ماسكفا» الكابوس) عن أول تواجد له بالعاصمة الروسية موسكو، أما الجزء الثاني («فارونيج.. المدينة المجهولة) فيتطرق إلى المدينة التي درس بها اللغة والثقافة الروسية. وفي الثالث (كازان والتتار وإيفان الرهيب) يتحدث عن تاريخ المدينة المبهر وتاريخ وثقافة شعبها التتري، أما جزء (وداعا مدينة الغربان) فيودّع فيه «فارونيج» وينتقل للدراسة في موسكو، هذه الأخيرة التي خصص لها جزءً خامسا، قبل أن ينتقل في السادس (آسيا الوسطى كما عرفتها) إلى أصدقائه من الأوزبك. وفي السابع (بين الغرفة والصف) يحدثنا عن حياته في الحرم الجامعي، أما في الثامن فيتطرق إلى عليم (شاب من القوقاز) والمسجد الكبير والكريملن. وفي جزء تاسع نزور معه مدينة سان بطرسبرغ، ثم مدينة «كولومنسكوي» في العاشر، قبل أن ينقلنا في فصل حادي عشر إلى الواقع السياسي في روسيا، وفي الثاني عشر إلى القوقاز، أما الثالث عشر فخصصه لصديقين له من الهند والأردن، والرابع عشر للشيشان، والخامس عشر للأرمن والآذر والكرج ويهود الخزر.
أدب الرحلة.. رؤية من الداخل
يعتبر هذا الكتاب أول أعمال المؤلّف في أدب الرحلة، ولكن سبق وأن صدر له سنة 2017 رواية «علي والبحر» عن دار المعتز في الأردن، وكتب أكاديمية على غرار «أمريكا من الداخل: الهجرة والأقليات»، و»أوروبا والهجرة: الإسلام في أوروبا»، وكذا «الإعلام والاتصال في العالم: الهند والصين نموذجا».
سألت «الشعب» إدريس بوسكين عن سبب هذا «التحوّل» إلى أدب الرحلة، فأجاب بأنه لا يعتبره تحولا وإنما مجرّد اهتمام، خصوصا وأنه زاول دراسات الماستر في موسكو، وهناك احتكّ بثقافة مبهرة وثرية، وزار العديد من المدن وتعرّف على الكثير من الشعوب والإثنيات وحتى الجنسيات الأخرى، وأضاف: «أنا في الأصل شغوف بالتعرّف على الشعوب والثقافات، لذلك كان لزاما عليّ تدوين ما قابلته في هذه التجربة الغنيّة».
وحدّثنا الكاتب عن وجود تصور خاطئ لأدب الرحلة، إذ يظن البعض أنه يكفي البقاء في مكان ما لمدة قصيرة قد لا تتجاوز الشهر للكتابة، فيما يتوجّب ذلك البقاء فترة طويلة نسبيا حتى يتمكن الكاتب من تقديم نظرة إلى ذلك المكان من الداخل.
سألنا بوسكين عن طريقة تأليفه للكتاب، وإن كان قد اعتمد على ملاحظات وتدوينات سجّلها في حينها أم أنه اعتمد على الذاكرة والمعلومات المتوفرة في المراجع، وأجابنا بأنه لما يكون في موسكو مثلا، ويزور معلما ما، فإنه يدوّن كل المعلومات التي تثير اهتمامه: «أي متحف أو معلم تاريخي تزوره من المهمّ أن تدوّن المعلومات التي ستنظّمها فيما بعد وتطعّمها بمعلومات إضافية (التفاصيل التاريخية مثلا)، على أن تكون المراجع موثوقة، وأن ننسبها إلى أصحابها، فالتاريخ نسبيّ ودائما ما يكتبه المنتصرون».
وعلى سبيل المثال، يقول بوسكين إن الكرملين قد بناه التتار وليس السلاف كما يعتقد البعض، ومعنى كرملين «الحصن» باللغة التتارية، أما السلاف فقد أتوا من مدينة كييف التي تسمّى «أمّ المدن السلافية».
وعن إمكانية أن نراه مترجما للكتب الروسية مستقبلا، أجابنا إدريس بوسكين بأنه يفكر في ترجمة الأدب الروسي، مشيرا إلى أن هذا الأخير يعيش حالة من التحوّل واللااستقرار وفقد بعضا من هويته، خصوصا وأنه كان في السابق مرتبطا بنظام سياسي معين وفقد هذا الارتباط. وأضاف: «الأدب الروسي كان مفتقدا للحرية وقدّم أعمالا خالدة، واليوم يعيش كل الحرية ولم يقدّم أسماء كبيرة.. هنالك أسماء ترشّح أحيانا لجائزة نوبل ولكنها في الغالب خاضعة للإيديولوجيات الغربية». وأكّد بوسكين أنه يفضّل الترجمة في المجال الثقافي، كالأدب والتراث والعلاقات الجزائرية الروسية، ولكن «الترجمة تتطلب وقتا وجهدا كبيرين، وليس هناك للأسف تقدير للمترجم وما يقوم به، لذلك يعزف كثيرون عن الترجمة».