لعل التراجيدي دوما أن الثقافة في الجزائر هي الأكثر تضررا في ظل التقلبات السياسية والاقتصادية، فهي غالبا ما تنفعل بدلا أن تفعل في الواقع وهذا ما يلمسه المتابع في راهننا. فقد شهدنا تراجعا ثقافيا مهولا جراء الأحداث الساخنة التي تعرفها بلادنا، ومؤشرات هذا التراجع ظاهرة للعيان، فقد لاحظنا خفوت الصوت الثقافي في مدن كنا نعتبرها رائدة في هذا المجال، كما انسحبت جمعيات ثقافية وازنة وطنية مشهود لها بقيام مبادرات تؤسس للجميل القادم، بل إن قطاع الثقافة العمومي غالبية نشاطاته مناسباتية محدودة ومرتجلة، لكن الجديد هذه المرة هو ظهور أدبيات جديدة في ظل الأحداث الساخنة، تدعو إلى ضرورة تأجيل النشاط الثقافي إلى حين تسوية الوضع السياسي.
وقد كانت هناك مزايدات كثيرة، لهذا شهدنا تراجع المبادرات والحضور في التظاهرات الثقافية. في ظل هذا الشحوب الثقافي ينبغي أن نبحث عن آليات تدفع بعجلة الثقافة إلى الأمام لكي تؤدي دورها المنوط بها على أكمل وجه، يأتي في مقدمتها ضرورة استعادة المثقف دوره التاريخي في نشر الوعي الثقافي، وعليه أن يتخلص من بعض السلوكات المشينة كالنرجسية والتعالي والمصالح الضيقة، والارتماء في أحضان الحدث السياسي الساخن العاب، فالمفروض أن يضع المثقف مسافة بينهما.
فالجامعة بطاقمها البشري ليس بالضرورة أن تبقى منعزلة عن الوضع العام للبلاد، فتقطع صلتها بالواقع لكن الأولى أن تنشغل بالبحث العلمي وتكوين الكائن البشري بتنظيم ملتقيات وأمسيات ثقافية في الحرم الجامعي، وعلى المدرسة أيضا أن تقوم بدورها في الاهتمام بأدب الطفل وثقافته. إن النشاط الثقافي لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا بوجود إعلام ثقافي رشيد داعم، وبوجود سياسات إستراتيجية تسطّرها الوزارة الوصية على هذا القطاع، خاصة أن هناك ممارسات تعيق مسيرة الفعل الثقافي.