انعدام التّوافق بين المكوّنات والقوى السياسية اليمنية الفاعلة
غياب الرّغبـة الحقيقية لدى الأطراف الخارجية المموّلة للحرب لإيقاف الاقتتال
لا يزال المشهد الأمني والسياسي في اليمن يراوح مكانه، بل يزداد تعقيدا على الأرض. ويمتد الصراع المسلح الى مناطق جديدة لم تكن ضمن بؤر التوتر، في المقابل تفشل المساعي السياسية في إخراج «اليمن السعيد» من هذه الحرب المدمرة، والتي يبقى فيها المواطن ضحية الصراعات القائمة، يتجدد معه الموت كل يوم.
في هذا الحوار نقترب من الأستاذ والباحث اليمني ابراهيم الوريث، بحكم أنه ابن المنطقة وأدرى ما يدور فيها من صراع، لمحاورته حول ما هي سبل أو طرق الخروج من هذا المأزق الكبير.
- الشعب: لا يزال الاقتتال يخيّم على المشهد العام اليمني،رغم محاولات التهدئة والسيطرة على المواقع، إلى متى يستمر الوضع في نظركم، كباحث ومتابع للشأن اليمني؟
الأستاذ والباحث اليمني إبراهيم الوريث: للأسف الوضع في اليمن معقد ومن الصعب في الوقت الراهن التكهن بموعد لنهاية الحرب والاقتتال هناك، وذلك بسبب تعدد الأطراف الداخلية والخارجية وتباين مصالحها وأهدافها. فالتدخل الخارجي ساهم في ارتفاع حدة النزاع، وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعرقلة كل الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية مناسبة لإيقاف الحرب.
لذلك أعتقد أن أفق حل النزاع الدائر في اليمن تكاد تكون شبه منعدمة في المنظور القريب على الأقل، خلال الثلاث السنوات القادمة، في ظل انعدام التوافق والانسجام بين المكونات والقوى السياسية اليمنية الفاعلة التي تفتقر الى مشروع وطني موحد يجمعها، وغياب الرغبة الحقيقية لدى الاطراف الخارجية الممولة للحرب لإيقاف الاقتتال وحل النزاع.
- اعتبر رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك سعيد «عودة الدولة إلى عدن انتصارا لجميع أبناء الشعب»، مع رفضه لأي تشكيل عسكري أو أمني خارج مؤسسات الدولة، ما موقعها على أرضية الميدان؟
بالنسبة لموقف الحكومة اليمنية من مجريات الأوضاع في عدن فقد أتى بعد سلسلة من المواجهات العسكرية مع القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالبة بالانفصال، حيث لازالت المواجهات مستمرة ولم تحسم في ظل سعي اطراف النزاع للسيطرة على مدينة عدن، باعتبارها العاصمة المؤقتة وتحظى بأهمية سياسية ورمزية كبيرة بالنسبة للحكومة التي اتخذت منها مقرا لها بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
فسقوط عدن في يد المجلس الانتقالي الجنوبي وانتشار المليشيات المسلحة فيها يعتبر انقلابا على الحكومة الشرعية، وسيؤثر سلباَ على مكانتها وعلى مكانة التحالف العربي، خاصة أنّ تواجد تشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة في عدن وبعض المناطق الجنوبية سيكون على حساب الحكومة الشرعية ويساهم في استمرار المعارك في المناطق الجنوبية لسنوات، ويمهد لانفصال جنوب اليمن عن شماله، في ظل التباين الموجود داخل التحالف العربي، فالإمارات تدعّم المجلس الانتقالي الجنوبي بالمال والسلاح والسعودية تدعم الحكومة الشرعية بتحفظ، حيث يرى البعض أن موقفها لم يكن في المستوى المطلوب، كونها اكتفت بالدعوة الى ايقاف المعارك العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار، في الوقت الذي ترى الحكومة الشرعية عدم التكافؤ بين حجم الدعم الاماراتي وتسليحه لقوات المجلس الانتقالي وبين موقف السعودية، إزاء التطورات الميدانية على الارض، إلا ان الكلمة الاخيرة ترجع لموقف أبناء القبائل الجنوبية الرافضة للتواجد الإماراتي، والتي تساند الحكومة الشرعية بقوة لاستعادة السيطرة على عدن والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي بكل الوسائل السياسية والعسكرية رغم الصعوبات التي تواجهها في الميدان.
- يظل التمرد في كل من «عدن» ،»أبين» و»شبوة» يحمل تبعات كارثية على مؤسسات الدولة، ما يفسح المجال لتمدّد الجماعات الإرهابية في البلاد، ما هي أهم الاجراءات الممكنة على أرض الواقع للحد من ذلك؟
بذلت الحكومة اليمنية خلال السنوات الماضية جهودا كبيرة في محاربة الارهاب، واتخذت العديد من الاجراءات الامنية والعسكرية للقضاء على التنظيمات والجماعات الارهابية والحد من تواجدها وتمدّدها، وذلك بالتنسيق والتعاون مع كافة الشركاء الدوليين على الرغم من صعوبة ذلك في ظل الأوضاع التي تشهدها اليمن، إلا أنها استطاعت أن تقطع شوطا لا يستهان به، وذلك من خلال تدريب وتأهيل قوات محاربة الارهاب والقيام بمهاجمة المواقع التي تتواجد فيها الجماعات الارهابية، وإضعافها ومحاصرتها ومحاربة الجهات الداعمة والممولة للإرهاب، ومواجهة كل أشكال التطرف الديني والفكري وتوعية أبناء القبائل والمناطق التي تتواجد فيها هذه الجماعات بخطورة الانشطة التي تمارسها وخطورة الفكر الذي تحمله.
- قامت قوات الجيش اليمني، مسنودة بتحالف دعم الشرعية، تحرير مديرية الصفراء شمال محافظة صعدة، المعقل الرئيس لجماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) أقصى شمالي البلاد، كما تمكّنت من بسط السيطرة على مطار عدن وعلى طريق ساحل أبين، هل تنجح هذه الخطة في السيطرة على باقي مناطق التوتر؟
الطبيعة الجغرافية في اليمن ووعورة التضاريس تجعل من الصعب الجزم بقدرة أحد الاطراف حسم المعركة عسكريا لصالحه وتحقيق انتصارات في جميع جبهات القتال، خاصة وأن هناك العديد من المتغيرات التي تحدث على الساحة الداخلية والاقليمية، وتؤثر وتنعكس بدورها على مجريات الاحداث في الجبهات، فالتحشيد العسكري مستمر من قبل جميع الاطراف لدعم وتعزيز كافة المواقع التي تحدث فيها مواجهات عسكرية، حيث من الممكن تحرير أحد المواقع في الصباح واستعادته في المساء، كما حدث على سبيل المثال في عدن بين قوات الجيش التابعة للحكومة الشرعية، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، كما لا ننسى دور القوى الخارجية في تمويل الجبهات ودعمها واسنادها لوجستياَ واستخباراتياَ وتوفير الغطاء الجوي لها والذي يؤثر على سير المعارك وتقدمها.
فالحرب في اليمن تديرها القوى الإقليمية منذ خمس سنوات، لم يجن منها اليمنيون سوى الخراب والدمار، مع غياب الرغبة لحسم هذه الحرب عسكريا لصالح احد الاطراف فقرار ايقافها او استمرارها لم يعد بيد القوى اليمنية كون معظم غرف العمليات التي تحرك وتدير الجبهات موجودة في عواصم تلك الدول، وهي التي تصدر توجيهاتها بتحرك معظم الالوية العسكرية وتمويلها بالسلاح والعتاد في اغلب المناطق.
- منيت قوات المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال بخسائر حربية جعلها تترك أسلحتها وتفر خارج المدينة أمام تحالف القوات الشعبية، هل يعني هذا فشل مشروع الانفصال؟
القضية الجنوبية والمطالب الحقوقية لأبناء المناطق الجنوبية هي في الأساس مطالب مشروعة يجب على الحكومة معالجتها بشكل مدروس وعدم تجاهلها، وذلك لقطع الطريق أمام الجماعات المسلّحة الخارجة عن النظام والقانون المطالبة بالانفصال، وعدم تمكينها من استغلال القضايا الحقوقية، وتردي الأوضاع في الجنوب لتمرير مشاريعها وأجنداتها التشطيرية.
فمسألة الوحدة أو الانفصال هي بيد الشعب اليمني بشكل عام، وبيد سكان الجنوب بشكل خاص وليست خاضعة لرغبة اصحاب المصالح والجماعات المسلحة الرامية لفرض إرادتها وسيطرتها بقوة السلاح، فسكان الجنوب هم أصحاب القرار الحقيقي في استمرار الوحدة أو الانفصال.
- أعرب مجلس الأمن الدولي في بيانه الأخير عن «قلقه» البالغ إزاء الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا حول مدينة عدن الساحلية جنوبي اليمن، داعيا جميع الأطراف إلى المشاركة البنّاءة في إنجاح تلك الجهود عبر لقاء يعقد بجدة بالسعودية، ما هي درجات الاستجابة والتجاوب مع ذلك؟
يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي سيتعامل بشكل ايجابي مع المطالب الداعية للحوار، وذلك للخروج بأكبر قدر من المكاسب السياسية، والسعي للتخفيف من حدة المقاومة الشعبية والضغط الدولي الذي تعرض له خلال الايام الماضية، إضافة الى موقف الحكومة اليمنية الحازم وإصرارها على تسليم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي للمواقع التي سيطر عليها في مدينة عدن وبقية المناطق الجنوبية.
- يعتبر الكثير من المتتبّعين للشأن اليمني، أن ما يدار على الاراضي اليمنية هو مخطط لاستنزاف الموقع والمكانة الجيوسياسية للمنطقة اقتصاديا بآليات حربية أكثر حدة، ما هي قراءتكم لذلك؟
للأسف يبدو أن دول المنطقة لم تتنبه لما يحاك ضدها من مؤامرات منذ عقود، كما أنها لم تستفد وتتعظ من أخطاء وتجارب الماضي لتواجه أساليب الاستعمار الجديد، غير المباشر لاستنزاف ثروات وموارد المنطقة، وإضعاف إشعاعها الفكري والحضاري الاسلامي عن طريق إدخال دول المنطقة في اتون النزاعات والصراعات الطويلة الامد، الداخلية منها والخارجية، سواء بين ابناء الوطن الواحد أو بين دول الجوار والقوى الاقليمية، كالحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الاولى والثانية، والأزمات المتلاحقة والصراعات البينية والجانبية التي شهدتها دول المنطقة خلال العقود الاخيرة، ويدخل في هذا الاطار الحرب في اليمن.
- ما هي في نظركم نقاط الظل في إنهاء مسلسل الاقتتال اليمني؟
في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والانسانية في اليمن والانهيار الشبة تام للدولة وصعوبة حسم المعركة عسكريا، ورغبة بعض الاطراف الداخلية والخارجية في استمرار الحرب والاستفادة منها، فإنّه يتوجب اتخاذ الخطوات التالية:
- وقف التدخلات الخارجية والاقليمية في الشأن اليمني، ورفع القوى الاقليمية يدها عن اليمن، وكف الدعم والتمويل للكيانات العسكرية التي تعمل خارج اطار الدولة، ووقف الانتهاكات والتجاوزات التي تمارسها بحق الشعب اليمني وسيادته، وأنه على هذه الدول أن تراعي مصلحة اليمن وشعبه في الدرجة الاولى، وعدم تحويل اليمن الى ساحة حرب لتحقيق مصالحها واهدافها وتوسيع نفوذها على حساب الشعب اليمني، دون مراعاة للظروف الصعبة التي وصل اليها والتي يعاني منها، والكارثة الانسانية غير المسبوقة التي يمر بها بسبب استمرار الحرب، وذلك لتلافي انزلاق الأوضاع في اليمن الى منزلق خطير أكبر من ما هو فيه، والذي قد يتوسع ليشمل جميع دول المنطقة.
- وقف جميع العمليات العسكرية، وتوفر الارادة الحقيقية لدى الاطراف اليمنية في العودة الى طاولة الحوار وتفعيل مسار التسوية السياسية، والبحث عن الحلول المناسبة المرضية لجميع الاطراف اليمنية بما يجنب اليمن وشعبه ويلات استمرار الحرب، ويضمن لليمن استقلاله وسيادته ووحدة أراضيه.
توفر الإرادة الدولية في حلحلة الملف اليمني، وتحمل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لمسؤولياتها تجاه ما خلفته الحرب، والضغط على جميع الاطراف بضرورة الالتزام بالحوار والتسوية السياسية، عبر الوسطاء الدوليين المحايدين، الذين يحضون باحترام وقبول جميع الاطراف، كالجزائر التي أثبتت صحة موقفها ورفضها المشاركة في حرب اليمن، إدراكا منها بأهمية التمسك بمبدأ الحوار، وحل الخلافات بالطّرق السياسية السلمية.