الجيـش فاعـل محـــوري في المشهـد وحقــق أشيـــاء بـــدت مستحيلـة التحقيـــق
المــؤامرات ضـــد قيـــادة الأركـــان هدفهــا مجهــول والحــراك بــراء منها
يقول المثقف والكاتب محمد زتيلي ان الحراك أنجز مهمته مثل الحركة الوطنية ومثل أول نوفمبر ‘ وعلي الجميع استلهام القيم العامة للحراك والشعب الجزائري لجعلها ارضيات عمل للأحزاب التي يجب ان تنبثق مستقبلا بعد تغيير الدستور وقانون الأحزاب والصحافة والخدمة الإدارية العمومية وكل ما له صلة بالحياة اليومية من خلال أطر جديدة تعطي الفرصة للمبادرة والمشاركة والعمل الجماعي.، وتحدث زتيلي في حديثه مع «الشعب « الى عدة قضايا متشعبة افرزها الحراك الشعبي، وكيف تعامل الجيش مع العصابة ورموز الفساد، مانحا في ذلك الضوء الاخضر للعدالة وتحريرها من الهاتف.
كما ركز على قراءة المشهد السياسي بعد تنصيب السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات التي سوف يكون لها الدور والصلاحيات الكاملة في ترسيخ مطالب الحراك الشعبي، نتعرف عليها في هذا الحوار.
- الشعب: ما هي قراءتكم لملامح المشهد السياسي اليوم في الجزائر ؟
الكاتب محمد زتيلي: إن الملامح الكبري للمشهد السياسي قد بدأت في الواقع تتشكل قبل الثاني والعشرين من فيفري المنصرم، تاريخ بداية الحراك الشعبي، فالاهتزازات المختلفة القوة بدأت من تلك الاحتجاجات المقموعة لنشطين سياسيين هنا وهناك معبرين عن رفضهم للعهدة ألخامسة وكذلك ظهور سلوكات قمعية وأخرى استبدادية عنيفة لعناصر الحكم متمادين في تجاهل مطلق واستصغار عجيب لردود شعبية ونخبوية عديدة‘ معتبرا النظام الحاكم ان الشعب قد تم قهره والتحكم فيه واستصغار ما يصدر عنه بصفة نهائية وبيقينية مفرطة من طرفه.
فإذا كان جزء كبير من ممارسي السياسة قد وقفوا ضد العهدات السابقة للرئيس بوتفليقة‘ وخاصة منذ العهدة الثانية والثالثة، إن الأغلبية المطلقة في رأيي صارت ضد استمرار الرجل في ممارسة الرئاسة منذ مرضه عام 2012.
- اتساع دائرة الرفض لاستمرار حكم بوتفليقة، هل هي وراء انتخابات رئاسية مسبقة ؟
لقد توسعت دائرة الرفض لاستمرار بوتفليقة في الحكم حتى من طرف عموم الشعب الذين لم يكونوا معارضين له‘ بل وربما كانوا يرون فيه رجل السلم والمصالحة ومخرج البلد من عزلته الدولية وأيضا رجل التنمية والمشاريع الكبري المنجزة والمخطط لإتمامها أو إنجازها. فقد بدأ الإحساس يترسخ لدى الجزائريين منذ 2012 بأن شفاء الرئيس لن يكون قريبا ‘ وهو ما جعل البراغماتية السياسية تطالب بتفعيل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مسبقة.
- ظهر الفساد بشكل غير مسبوق في فترة حكم الرئيس المخلوع من الحراك الشعبي؟
منذ تلك الفترة وتعاقب الأحداث‘ بدأت ملامح تذمر شعبي‘ وبدأ قمع السلطة للرأي يتوسع‘ وبدأ الفساد الذي كان خفيا علي عامة الشعب يطفو ويظهر واضحا‘ وصار هذا الفساد الظاهر يخلق اختلالات وانقسامات علي مستوي هرم السلطة‘ ممثلا في بروز وجوه لرجال أعمال بقوة غير معقولة وغير مبررة‘ وخاصة قوتهم المالية التي أخرست الرأي العام وطرحت تساؤلات مخيفة حول مقدرات البلد ومصادر الثروة التي لا يكفي قرن لتكوينها فما بالك بسنوات معدودة.
- استولى رجال الاعمال على قطاع الاعلام، وحولوا المهنة الى وسيلة لبلوغ غايات غير شريفة ما تعليقكم. ؟
شكل بروز هؤلاء رجال الأعمال ماليا وإعلاميا بشكل مقزز جدا للرأي العام ‘ ومما زاد في قلق الجزائريين هو تحالف السلطة الحاكمة معهم ودعمهم‘ بل والتصدي لكل من مسهم في مشاريعهم ونشاطهم الذي بدأ يخرج إلي الميدان إعلاميا وسياسيا في شكل ندوات أو تنظيمات لرجال الأعمال‘ وأكثر ما زلزل قناعة الشعب وثقته في الرئيس هو التحالف الهمجي الذي تم بين السلطة ورجال المال وكذلك الاتحاد العام للعمال الجزائريين. هذا التحالف الذي حول نقابة العمال الي كشك يتحكم فيه رجال المال والأعمال والسلطة من ورائهم.
الي غاية هنا مازالت الثلاثية تناور علي اقناع ما تبقي لها من مناضلين بين قوسين‘ والى غاية هنا، لم يخرج الي الرأي العام الزلزال الذي حصل في هرم السلطة حول رفض العهدة الرابعة والتي كادت جهة نافذة أن تنتصر فيها، وقد ترتب عنها إبعاد من عملوا ضدها وإبقاء الواجهة معزولة من أذرعها لوقت قصير تم بعده إبعاد وكسر الواجهة نفسها بعد قطع فروعها وجذورها من رجال وتنظيم ووسائل العمل. وقد روجت تلك القرارات الخيالية في وقتها كقرارات بطولية انتظرها الشعب لنزع كابوس أثقل صدور الجزائريين. وكذلك الترويج لضرورة استمرار برنامج التنمية والمشاريع الكبري‘ وجعل الاحساس العام بكون الرئيس معافي ويتابع كل صغيرة وكبيرة ويقرر ويرسم الخطوات بدقة كبيرة هو الاحساس الذي ساد لدى الرأي العام الداخلي والخارجي ايضا من خلال صفقات مدروسة.
- ظهرت السلطة كمجموعة مافيا مرتبطة باستعمار قديم متجدد، هل توافقون ذلك ؟
ان الغضب الشعبي والتذمر من السلطات كان لتلك الاسباب وخاصة مخاطبة الشعب بالرسائل والكذب عليه بكون الرئيس يتابع وعلى وعي كامل‘ وفي هذه السنوات السبع خاصة تمت عملية بيع ونهب مسلسلة ومنظمة وبسرعة متواترة لمقدرات الجزائر بمنهجية عصابة متآمرة مع مخطط خارجي دولي لسقوط البلد مرة واحدة في مستنقع أكثر كارثية مما وقعت فيه دول ما يسمي بالربيع العربي‘ وظهرت السلطة الجزائرية كمجموعة مافيا مرتبطة باستعمار قديم متجدد مسيرة من أطراف تحقد علي الجزائر وتاريخها ومواقفها‘ وظنت هذه السلطة أن أعين الرجال من الوطنيين قد أعمتها المصالح والثروات التي يمكن ان تكون قد تحصلت عليها بطريقة أو أخرى.
لقد كانت مسيرات خراطة وما حصل في بلدية خنشلة هي المحصلة للتذمر والغضب والشرارة التي أشعلت الثورة في 22 من فيفري حيث فاجأ الجزائريون الداخل والعالم كله بالملايين التي نزلت رافضة العهدة الخامسة ثم رفضت استمرار النظام بأكمله باعتباره عصابة سرقت ونهبت وخانت الشعب.
- لم يكن للشارع ورقة طريق مدروسة بدقة ماعدا تلك الرافضة للعهدة الخامسة، كيف استمر الحراك على ماهو عليه ؟
دون الدخول في منطق مخابراتي بعيد عن معلوماتنا فإننا نقول بأن سبعة أعوام من تمادي العصابة في احتقار الشعب منذ مرض الرئيس هو ما أفاض الكأس وقلب الطاولة. ولابد من القول أن تململ النظام في البداية تحت تأثير الصدمة التي لم يكن يتوقعها جعله يرتبك في كيفية مواجهة مطالب الشارع‘ كما أن الشارع لم تكن له ورقة طريق ومطالب مدروسة ودقيقة لغياب نخبة سياسية مطلعة وملتزمة بخيار الشعب‘ إذ أن مطلب رفض ترشح الرئيس لعهدة خامسة كان المطلب الأساس‘ والذي ناورت ألسلطة حوله بمطلب التمديد سنة مثلا وعدم الترشح‘ لكن الشارع بدأ هنا في مطالبه الجذرية. ومن فضل الله تعالي حصل انفجار في هرم السلطة حيث اكتشفت قيادة الجيش مؤامرة حيكت ضده وضد قائده الڨايد صالح‘ وهنا حصلت الجزائر علي مرحلة جديدة هي القضاء علي العصابة ورجالها ووضعهم في اطار القوانين والدستور في السجن‘ وكان الحراك في جمعاته مدعما ومناديا بتكملة الزج بأذرع العصابة في سجن الحراش.
- لكن قيادة الجيش رافقت الحراك وتابعت المسيرات ووفرت الحماية الاستباقية، والدليل عدم سقوط ولا قطرة دم واحدة، مثلما ادلى به الفريق قائد الاركان ؟
بالفعل الحراك انجز بفضل قيادة الجيش معظم مطالب الشعب التي كانت الى وقت قريب تبدو حلما بعيد المنال‘ بفضل الشعب والجيش إلا انه من الضروري عدم الاستمرار في إطار الحراك فقط فمن الضروري اليوم الذهاب الي انتخابات رئاسية‘ من اجل وضع حد للمتاهات المطلبية‘ وبعد انتخاب الرئيس تشرع الورشات الكبري لإصلاحات عميقة في المؤسسات كلها دون استثناء وهذه المرحلة يجب أن يقودها رجال جدد منضبطون واعون عارفون ‘ متجمعون في مكاتب خبرة تعمل علي نطاق واسع لإصلاحات تمس حياة المواطنين اليومية وهي عديدة ابتداء من ألبيروقراطية والمكاسب المهضومة او الإمتيازات المكرسة والتي تناقض المساواة والعدالة.
أن أهم ما يجب التفكير فيه قبل الانتخابات الرئاسية هو رفع السلطة دعمها لحزبي الافلان والارندي وعدم اعتمادهما حزبين مميزين ‘ فلا حاجة للسلطة اليوم لأي حزب مفضل عن آخر. بل الحاجة الكبري هي لإدارة فعالة مراقبة ومراقبة واعلام قوي حر يعمل في اطار شفاف مع مصادر المعلومات وتشجيع منظومة جديدة لتوزيع الصحافة ورفع العراقيل عن اصدار الصحف والسمعي البصري. أما المجالس التي تآمرت وتخلت عن خدمة الشعب مثل الاحزاب ‘ فلا يجب التسرع في انتخاباتها‘ بل تؤجل لغاية اصلاح وتغيير قوانينها بصورة جذرية وبروح وعصي متطلع الي عصرنة الادارة المحلية.