طباعة هذه الصفحة

الشاعر أحمد بوزيان في ضيافة «الشعب»

المشــروع الوطني يبـقى ناقصا في غيـب الثقافـة

حاوراه: حكيم بوغرارة وسميرة لخذاري

قال أنّ الشعراء أمراء الكلام، إلاّ أنّ الفوضى المنتشرة في المعارف والأذواق غيّرت واقع الشعر، وعدم جرأة عديد الأقلام في هذا النوع الفني حال دون التمكن من صناعة مشهد أدبي حقيقي، وأكّد على بقاء الفجوة عميقة بين الكاتب والمطرب، في حين أنّ الشعر لا يسمى شعرا ما لم يُلق ولا يعرف رواجا ما لم يُؤدّيه مطرب. إنّه الشّاعر أحمد بوزيان الذي خصّ «الشعب» بحوار تطرّق فيه للكثير من الملفات والمحاور الخاصة، بواقع الثقافة والشعر في الجزائر، وكذا مظاهر التجديد في الشعر وغياب المدارس النقدية في الجزائر، والكثير من الأمور التي سنكتشفها في هذا الحديث.

^ الشعب: كيف ترون واقع الشعر في الجزائر؟
^^  الشاعر أحمد بوزيان: إنّ الشعر هو عصب الثقافة، ويقال بأن الشعراء هم أمراء الكلام ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم باعتبارهم حجة على اللغة والشعر. في القديم هو لسان حال العشيرة وكان الإعلامي والترجمان، ولكن للأسف مع التحولات القائمة والكثيرة تراجعت مكانة الشعر للعديد من الأسباب، فقد أدّى خفوث الشعراء إلى هذه الوضعية الصعبة، كما أنّ غياب الجرأة لدى الكثيرين تسبّب فيما نحن عليه، فالشاعر يجب أن يحمل همّ المجتمع ويؤرق نفسه من أجل التعبير عن الآخرين.
وبالمختصر الشعراء في الجزائر عاجزون عن صناعة مشهد ثقافي، وللصراعات الخفية دور كبير في إضعاف هذا النوع الأدبي يضاف له عدم استقرار اتحاد الكتاب الجزائريين.
كما أنّ غياب تقاليد للتطوير والترويج للشعر زاد من المتاعب، وحتى غياب النوعية والجودة وراء عزوف الجمهور الذي تعب من البحث عن شعر أو شعراء يحملون تطلعاته وهمومه، فالأمسيات الشعرية متعلّقة بالأسماء أكثر منها بالمواضيع والقصائد.
 ^  هل يتحمّل الإعلام جزءا من تدهور وضعية الشعر من خلال نقص الاهتمام والترويج؟
^^  بالفعل فالمؤسسات الإعلامية تكاثرت غير أنّ اهتمامها بالثقافة بعيدا عن التطلعات، ونلاحظ وجود صحافة تهويل وإثارة حيث تفتقد لثقافة أداء الخدمة العمومية، وأصف بعض العناوين الإعلامية بالضخمة ولكنّها فارغة المضمون، فمثلا تجد موضوعا بعنوان مهول وبمجرد غوصك فيما هو مكتوب تصطدم. وأتساءل مثلا عن عدم الكتابة عن مختلف الاصدارات في الشعر، فمن حق الجمهور أن يعرف الجديد ومن حق المؤلف أن يروج لإصدارته عبر المؤسسات الإعلامية التي تضمن خدمة عمومية.
وقد حدث لي أن استضفت في جريدة خاصة ولم ينشر حواري لأسباب «تافهة»، إنّ بعض العناوين تسيء للإعلام الذي يعتبر مجالا أسمى مما يحاول البعض الترويج له.
الحقيقة يجب أن تقال، الواقع الثقافي منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ــ الذي اعتبره مثقفا بامتياز ــ عرف حركية واسعة ونشيطة ولا أقول أنّه لا توجد نقائص لكن التوجّهات العامة إيجابية، ومن خلال الممارسة وتصحيح الأخطاء سنصل لمشهد ثقافي في المستوى، خاصة وأنّ كل الامكانيات متوفّرة فقط يبقى الاهتمام بالمناطق الداخلية والتقليل من التركيز على العاصمة سيساهم في منح الفرصة للكثير من المواهب لتفجير طاقاتها.
وأدعو بالمناسبة إلى تطوير الأسابيع الثقافية وتطهيرها من الدخلاء، خاصة في ظل غياب معايير رسمية تميز بين الفنان من غيره، فالكثيرون يستغلّّون الفراغ ويتوغلون في الأسابيع الثقافية طمعا في أمور لا تخدم الجمهور.
كما أنّ منح كل ولاية مهرجان أمر في غاية الأهمية لتحقيق توازن جهوي ثقافي.
^ تجد دواوينك الشعرية صدى لدى الجمهور، وحتى لدى فخامة رئيس الجمهورية، حيث أنّك تتحصّل في كل مرة على رسالة شكر وامتنان بناءً على ما تقدّمه للساحة الأدبية؟ ما السرّ وراء هذا النجاح؟
^^  منذ مجيء الرئيس السيد عبد العزيز بوتفليقة على رأس هرم السلطة والثقافة الجزائرية تعيش انتعاشا لم تعرفه منذ الاستقلال، بدليل المكاسب التي تحقّقت على أرض الواقع، خاصة ما تعلّق بالانجازات في مختلف ميادين الثقافة، إضافة إلى ما صبته الخزينة العمومية في خزينة الثقافة، وهذا دليل على أنّ الرئيس مثقّف بامتياز، ويعدّ أول من اعتبر هذا القطاع حلقة من حلقات المشروع الوطني، ولا يمكن النهوض بهذا المشروع إذا كانت الثقافة في تقهقر.
^  نفهم من كلامك أنّ الثقافة مريضة بداء الركود؟
^^  الثقافة تعاني نوعا ما، حيث أنّه وللأسف بعض السّاهرين على قطاعها غيّروا مسار المشروع السابق الذكر، فمثلا الأسابيع الثقافية أتت للتعريف بثقافات مختلف جهات الوطن وتحقيق التواصل الفعلي بين المثقفين، لكن وللأسف هناك دخلاء على الثقافة جرّدوها من دورها المنوط به، خاصة وأنه ليس هناك مقاييس لتحديد من هو الفنان مثلا، الشيء الذي أدى إلى اعتماد من هبّ ودبّ من طرف مديريات الثقافة للارتحال بالموروث عبر مختلف الولايات.
^  لماذا بقي المثقّف يفرض على نفسه الانزواء وعدم الدخول في المعترك السياسي لفرض أفكاره؟
^^  صراحة المثقّف لا يستطيع أن يكون سياسيا، ودخوله الى هذا العالم يجعله يفقد إبداعه شيئا فشيئا، أقولها وأعيدها المثقف خلق للإبداع ويبقى ميدانه هو الثقافة، إذن فالسياسة والثقافة لا يلتقيان.
^  تسعى دائما لكتابة قصائدك في كتب، وهذا أمر مهم في الوقت الذي تولي فيه السلطات أهمية لجمع التراث اللامادي،فهل لديك رغبة في جمع قصائد شعراء تيارت؟
^^  بالفعل أنا أكرّس على جمع قصائدي في منشورات منتظمة الصدور من جهة للحفاظ عليها والتعريف بها خدمة للصالح العام، أطبع بأموالي الخاصة وأوزّع إصداراتي بالمجان.
أما عن ما تمّ تحقيقه في إطار جمع التراث اللامادي فهو متواضع بالمقارنة مع ما ترصده الدولة من امكانيات، وفي أغلب الأحيان يتم بصفة ارتجالية مقارنة مع دول صديقة لنا، هناك دولة جارة أسّست أكاديمية ملكية للشعر الملحون، يسيّرها أكاديميون وباحثون حقّقوا الكثير من المكتسبات، والجزائر بإمكانها أن تقوم بعمل أكبر، وإنصاف كل من ساهم في إثراء مكتبة التراث اللامادي، وأذكر في تيارت مثلا عمر عيزر وليلى عقاب ومصطفى بن براهيم من سيدي بلعباس.

حصار على الأغاني الهادفة
^  كيف تقيّم العلاقة بين المطربين والشعراء في ظل رداءة الكلمات التي تسوّق عبر أغاني نستمع إليها يوميا؟
^^  إنّ العلاقة بين المطرب والشاعر كنظيرتها بين المتصوّف والفقيه في واقعنا اليوم، فعديد الفنانين يبحثون عن الكلمات الضحلة، والكثيرون يعزفون عن القصائد والكلمات الجميلة المقبولة في الأسرة والمجتمع.
وهنا أقول أنّ الاعتماد على التراث المغربي الذي يعتمد على الايقاع والآلات الموسيقى أكثر من المضمون، الذي تتميز به الأغاني الملتزمة الجزائرية هو الذي فرض فنا معينا في الجزائر، وهو أمر يجب تداركه من خلال العودة للتراث المحلي.
ورغم كل هذا الحصار على الأغاني الهادفة، إلاّ أنّه يجب النضال والمقاومة للحفاظ على تراثنا، حيث كانت لي أعمال في هذا السياق مع الراحل بوليفة وفؤاد ومان، ولديّ مشروع مع رضا دوماز مغني الشعبي المعروف وألبوم لأغنية الشعبي مع المغني قرواني عدة، سيصدر عن قريب وأنشدوه حول الجيش الوطني الشعبي، وأسعى دائما لإدخال مظاهر التجديد على الأغنية الشعبية للوصول إلى منتوج في مستوى التطلعات.
كما أنّ الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والتحولات التي تشهدها البلاد وإدماجها في القصائد من شأنه أن يعيد الجمهور الجزائري إلى التراث المحلي.
^  يعني تدنّي الذّوق والحسّ الفنّي لدى الجمهور أضرّ بالثقافة؟
^^  لا صراحة أُلقي كل اللّوم على الشعراء، من المفروض هم من يُنمّون حب الشعر لدى المستمع، باعتماد السبل التي تحقّق ذلك، وكتابة القصائد التي يمكن أن يتغنّى بها المطربون، وهذا لبعث الشعر من جهة ومحاربة الأغنية الهابطة من جهة أخرى.
اللوم الكبير يعود إلى الشعراء فهم يعتمدون القصيدة العمودية التي لا يمكن تلحينها، فليس كل شعر يمكن تحويله إلى أغنية، الشيء الذي دفع بمطربينا للبحث عن القصائد التي يغنّونها والتي وجدوها في المغرب.
ومن جهة أخرى، على الشاعر أن يبحث عن الصوت الذي بإمكانه إضافة الشيء الايجابي لشعره، وما اعتمادي في مشروعي الجديد الذي يتمثل في تحويل قصائدي إلى أغاني شعبية،اعتمادي على الشيخ قرواني عدة من تيارت الصوت الواعد إلاّ قناعة منّي وثقتي ببضاعتي، وهنا أقول «الشعر لا يسمى شعرا إلا إذا ألقي ولا يلقى رواجا إلاّ إذا أدّاه مطرب».
^ تُقبل الجزائر على تنظيم تظاهرة «قسنطينة عاصمة للثقافة العربية في 2015»،هل يمكن ربط الشعر بالمناسباتية أم هناك نشاط دائم؟
^^  بالفعل تنظيم قسنطية عاصمة الثقافة العربية أمر مهم للغاية، وأتوقّع نجاحها بقوة خاصة في ظل التجربة التي اكتسبناها مع «الجزائر عاصمة الثقافة العربية في 2007»، حيث نتمنى أن لا يكون هناك تهميش، واستغلال جميع الكفاءات والموارد البشرية لتقديم أحسن تظاهرة التي ستساهم في بعث النشاط الثقافي والمحافظة على نفس الوتيرة.
ويبقى على المثقفين تجاوز المناسباتية لإصدار المؤلفات والإبداعات، والسعي لإرساء معالم ثقافة دائمة من خلال تسطير جولات وطنية لكل مبدع اصدر مؤلف، لإيصاله إلى الجمهور مثلما أحاول أن أقوم به لأنّ الثقافة تقتضي جزءا من التضحية.
^  وماذا عن علاقة الجامعة ومراكز البحث المتعلّقة بالآداب مع الشعراء والمثقفين؟
^^  إنّ هذه أضعف حلقة في الجزائر، وهي التي تقف حائلا دون تطوير الشعر والفنون، فغياب المقاييس الأدبية الشعبية وانعدام مدارس نقدية زاد من الهوة بين الجامعات والشعراء والمثقفين بصفة عامة، وهو ما يختلف عند الأدب الرسمي الذي يتوفر على مظاهر التجديد والاهتمام من هيغل وأرسطو إلى مدارس النقد المعاصرة، بينما يبقى الشعر بعيدا كل البعد عن سكّته الصحيحة، وهو ما يشكّل ملفا يجب الوقوف عنده من خلال ردّ الاعتبار للنقد للوصول إلى مستوى أحسن.

^ كلمة أخيرة من منبر «الشعب»؟
^^  لديّ مشروع عمل، يتمثل في دراسة أنثولوجية حول مسارات الأدب الشعبي في المغرب العربي، وهو عمل يمتد لـ 5 قرون أسعى من خلاله إلى جمع التراث لتزويد الساحة الثقافية بمرجع مهم لمختلف الأجيال، أسعى لاستكماله في 2015.
وأقول أن الشعر يجب أن يلقى وأن يحجز مكانا في الأسماع، والبحث عن أحسن مؤدّي للكلمات لضمان وصولها للجمهور في أحسن صورة.