«قناعــــــة راسخــة بــأنّ مواكبــة هـذا التّوجّه
لم يعـــد مجــرّد رغبـة وإنمـا هـو ضرورة مصيريـة»
الطاقات المتجددة خيار حتمي، وكلّما سجل تأخر في اعتمادها ضمن الحقل الاقتصادي بكل قطاعاته المستهلكة كثيرا للطاقة التقليدية، ارتفعت كلفة الفارق الذي تخسره الخزينة العامة وتضاعفت أعباء تدارك مسار التحول الطاقوي، غير أن إحداث هيئة وطنية للطاقات المتجددة قريبا سوف يعطي دفعا للمسار حتى يأخذ طابع مشاريع مندمجة وملموسة توفر البديل الاقتصادي والبيئي.
قبل خمس سنوات تعطل مشروع بناء منظومة للطاقة الشمسية بشراكة ألمانية، رأت فيه قوى اقتصادية تعيق تطور الاقتصاد الجزائري خطرا على مصالحها. المشروع الذي أجهض في المهد كان يتضمن مبدئيا التوصل إلى تصدير حوالي 20 بالمائة الكهرباء الشمسية من احتياجات السوق الأوروبية، وهو هدف يمكن الرهان على بلوغه من خلال بعث المشروع مجددا ضمن معايير شراكة ذات أبعاد اقتصادية متوازنة وشفافة.
في ظل التحولات الشاملة التي برزت منذ أن تأكدت أزمة أسواق المحروقات قبل خمس سنوات، بعد انهيار سعر برميل النفط، وحينما تبين بشكل موثوق أن العالم، وبالذات البلدان الصناعية الكبرى، يتجه بسرعة إلى بناء نظام طاقوي جديد يرتكز على مختلف مصادر الطاقة المتجددة، تتقدمها الشمسية منها والنووية والرياح إلى جانب تحويل النفايات (كما هو في بعض البلدان كالبرازيل)، تشكلت قناعة راسخة بان مواكبة هذا التوجه لم يعد مجرد رغبة وإنما هو ضرورة مصيرية.
في هذا الإطار وضمن معالم ورقة طريق الحكومة، تأخذ وزارة الطاقة على عاتقها تحقيق هذا المسعى بوتيرة أكبر بكثير من تلك التي كان يفترض أن تتم في سنوات مضت، حينما كانت البلاد تتوفر على بحبوحة مالية غير مسبوقة تتيح لها تجسيد مشاريع ذات دلالات في معادلة النمو بشكل أكبر من مجرد الاكتفاء بإعداد دراسات ومناقشة منافع هذا الخيار، الذي يكتسي طابعا استراتيجيا بامتياز، كون كل المنظومة الاقتصادية ومستقبل النمو مرهون بمدى القدرة على انجاز أهدافه.
في هذا الإطار، لا يتوقف محمد عرقاب وزير الطاقة، في تنقلاته الميدانية، وهو المدرك لرهانات وتحديات المرحلة الاقتصادية الصعبة، عن التأكيد والإلحاح على انخراط كافة القطاعات التي ترتكز على خدمة الطاقة الكهربائية بالأخص لتشغيل جهاز الإنتاج وديمومة الورشات وبناء المشاريع الاستثمارية، في تنمية جوانب مسار التحول الطاقوي، باعتبارها شريكا أساسيا في استكمال مخطط إرساء واستعمال الطاقة المتجددة، ومن ثمة كسب نتائج اقتصادية في مجال الكلفة، والقدرة على المنافسة مقارنة بكلفة الطاقة التقليدية.
في إحدى خرجاته كشف الوزير من عنابة الشهر الماضي، أن مكاسب مثيرة سوف تظهر في الساحة قريبا من خلال الحرص على تجسيد برامج وعمليات بناء محطات لإنتاج الطاقة الشمسية في انتظار المرور مستقبلا إلى الطاقة النووية، مؤكدا أن الجزائر جاهزة لإطلاق انجاز مشروع وطني بطاقة إنتاج حوالي 5600 ميغاواط كهرباء من الطاقة الشمسية، وهي الورشة الكبرى التي تسمح للكفاءات الجزائرية على مختلف مستويات المشروع من الدراسة إلى الانجاز للعمل وتفجير طاقاتهم الابتكارية والإبداعية، ويتجسد من خلالها ثقل المورد البشري في تحقيق عنصر القيمة المضافة للمعادلة الاقتصادية.
وتتوفر الجزائر بعد المحطة الشمسية لسنة 2011 على 22 محطة لإنتاج هذا النوع من الكهرباء بطاقة 400 ميغاواط. للإشارة تقدر طاقة إنتاج الكهرباء وطنيا بـ 20 ألف ميغاواط مقابل حجم استهلاك بـ 15680 ميغاواط، مما يعكس مدى قوة الطلب في سوق الطاقة المتجددة وبالتالي جدوى الاستثمار فيها.
ويترتّب على الخارطة الطاقوية الجديدة في ظل مؤشرات الاستهلاك حاليا والتوقعات المستقبلية بمقارنة بما تعرفه توجهات السوق العالمية للطاقة إرساء نموذج جديد للاستهلاك الطاقوي، وهو ما كانت نخبة من الخبراء تدعو إليه في سنوات سابقة وتحذر من التمادي في نمط الاستهلاك الحالي المرتكز على طاقة الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء.
ويتمثل الهدف المحوري لهذا النموذج الجديد للاستهلاك الطاقوي في اقتصاد ثروة الغاز الطبيعي الذي تنتج منه الجزائر 144 مليار متر مكعب مقابل حجم استهلاك يقدر بحوالي 45 مليار متر مكعب منها 20 مليار متر مكعب توجه لإنتاج الكهرباء. ولا تتعدى حصة الصناعة من الغاز الطبيعي التي تستهلك أقل من الحجم الذي تستهلكه الأسر 30 بالمائة، وسوف تحتاج كثيرا إلى هذا النوع من الطاقة بالنظر لمؤشرات المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية وتلعق فيها كلفة الطاقة الدور الحاسم.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه أن تقدم المؤسسات والهيئات التي تشكل بنية البحث والتنمية على غرار المركز الوطني لتنمية الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية الكهروضوئية) القيمة الاقتصادية المضافة من خلال التحكم بأعلى نسبة ممكنة في صناعة التجهيزات والأدوات ذات الصلة خاصة الألواح الشمسية وأجهزة التخزين خاصة عن طريق تحسين معدلات الاندماج، يعوّل على قطاعات تنموية واسعة الاستهلاك في دفع قاطرة التحول مثل السكن والمنشآت والسياحة، التي تكون بمثابة المحرك للدفع بمسار الانتقال الطاقوي بثقله الاقتصادي، علما أن عوائد الاستثمار في هذا النموذج سوف تتحقق في المديين المتوسط والبعيد.