طباعة هذه الصفحة

شهيدات الثورة التحريرية:

وعيهنّ وتضحياتهنّ كتبنّ تاريخ الجزائر بأحرف من ذهب

فتيحة /ك

أخلصن لقضية كان هدفها الأسمى الحرية وتفانت بكل ما تحمله في ذاتها من قوة لتحقيقه بعيدا عن كل الحسابات الضيقة...، فان كانت الأم التي ترسل أبناءها إلى أرض المعركة والزوجة التي تزغرد على زوجها الشهيد هي أيضا المرأة التي وضعت حياتها جانبا، وارتدت لباس الجهاد مضحية بروحها من أجل الوطن الذي حلمت به مستقلا... يرفرف على كل ربوعه علم زينته حمرة دم الشهيد الذي لم تفرق الموت فيه بين امرأة ورجل.

«كيف لا أكون مجاهدا وقد رأيت المرأة تخفي السلاح في صدرها غير مبالية بكل الأخطار المحيطة بها....»، هي كلمات قالها صالح بن القبي المجاهد والدبلوماسي والأستاذ الجامعي «ضيف الشعب» أمس، الذي جعل من المرأة الجزء الذي لا يمكن أن تقوم الثورة  بدونه ولا أن يكون هناك استقلال من دون مشاركتها على جميع المستويات، لأن تاء التأنيث - وكما زينت أسماء المجاهدات - هي كذلك أضافت قيمة  لقوائم الشهداء الذين وحدوا دمائهم من أجل أن تكون الجزائر بيضاء لا تدنسها أقدام المستعمر الذي قدِم إليها وهو مقتنع أنها ستحذف من صفحات التاريخ، وتكون الجزائرية الفرنسية التي لا ترتقي لتكون سيدة بل هي فرنسية من طبقة أدنى هدفها الأول خدمة فرنسا المتأصلة جذورها في أوروبا...
تكلم صالح بن القبي الرجل الكبير بكل تواضع عن مشاركة المرأة في الثورة التحريرية وأعطى أمثلة لسيدات كانوا ربّات بيوت لا يملكن مستوى تعليمي ولكنهن تحملن مسؤولية شعب يريد أرضه جزائرية كما كانت عبر التاريخ...، وروى حادثة حيث كان مختبئا في إحدى البيوت في بلوغين روى كيف حاصرت قوات الاستعمار المنزل وكيف وفقت أم صاحب البيت التي لم تجد طريقة لإبعاده عن الخطر سوى إعطاءه الوعاء الخاص بشراء الحليب أو ما يعرف عندنا بـ» القزديرة» وقراءة بعض الآيات القرآنية عليه لترسله إلى الخارج وهي واثقة أن الله معه... قال صالح بن القبي: «لن تصدقوا إن أخبرتكم أنني سرت بين الجنود الفرنسيين ولم يتعرض لي واحد منهم، وصعدت الحافلة التي كان سائقها فرنسي معمر ووجدت داخلها ضابطين فرنسيين مسلحين ولم يتفطنا لوجودي حتىّ أمامهما...».
هي الدعوة الخالصة والصادقة التي رددتها تلك المرأة لان إيمانها الحقيقي أخرجني من المنزل في رعاية الله وحفظه....أو كما قال إذا أخلص المرء مع الله تعالى أعطاه ما أراد، ولأن القضية الجزائرية عادلة ولا مجال للتشكيك فيها أو في مطالبها كان النصر حليف من صنعوها...
حادثة أخرى قدّمها صالح القبي  كرمز ونموذج  للمكانة التي صنعتها المرأة الشهيدة أو المجاهدة في التاريخ الثوري للجزائري، أين كان عليه الهروب من المنزل الذي كان مختبأ فيه مع زوجة الشهيد لمين خان الحامل مع مجاوي عبد العليم الذي كان يقوم بتدريب الطلبة على التمريض بحكم انه كان يدرس سنة ثانية طب بجامعة الجزائر، حيث دق الباب وهم في أهبة الاستعداد للخروج من البيت ..، وعندما فتحه مجاوي وجد مسعودة باج تُلح عليه لتلتحق بإخوانها المجاهدين بالجبال، رغم أنها كانت ابنة شرطي بالأصنام (الشلف) آنذاك، فكان إصرارها سببا في مرافقتهم في رحلتهم تلك، لتكون واحدة من المجاهدات اللائي كتبنّ اسمهنّ بحروف من ذهب في تاريخ الثورة التحريرية...
المرأة الجزائرية كانت حاضرة كذلك في المفاوضات التي كانت مع المحافظ قيمولي في 1956 حيث حضرت كل من السيدة بن تومي، بسكر حفصة وبقدور زوليخة...
...لسنا هنا لتقييم دور المرأة في الثورة التحريرية ولكن هي نقطة من بحر لم يفرق في مائه بين رجل وامرأة لأنهما كانا واحدا من اجل الجزائر، التي لم ترضخ لمستعمر ظنّ أن المرأة ورقة رابحة في يده فاستعمل جسدها ليكون السبب لفك عقدة لسان المجاهدين لاعطاءهم المعلومات، ولكنهم وجدوا المرأة قبل الرجل ورغم  كل ما يفعله بها هذا «التلوث الحضاري» الذي يدّعي الإنسانية تؤمن أن جسدها وروحها تضحية لا تذكر أمام استرجاع الجزائر هويتها لأن شرف المرأة من شرف الأرض التي تعيش عليها...
لذلك فكما عجنت هذه الأيادي الناعمة الخبز بأناملها الرقيقة  لتُطعم المجاهدين والمجاهدات روت الأرض العطشانة بدمائها الطاهرة والزكية...، وكما زغردت على استشهاد الرجل، هلل هو لاستشهادها بل اعتبره فخرا لكل رجل، فهما معا صنعا مجد الجزائر، ليعطوا جيل الاستقلال درسا في تكاملهما وعملهما معا لتحقيق هدف الحرية رغم أن معظمهم كانوا أميين وأبناء مناطق نائية إلا أنهم فهموا بوعي مذهل أن الجزائر لن تكون إلا بهما معا...