يبدو أنّ المجتمع الدولي يسارع الزمن من أجل إنهاء معضلة سورية، والتي سوف لن تكون كذلك في حال استمرارها واستفحال تأثيراتها على المنطقة وعلى العالم، حيث جاء في افتتاحية لصحيفة التايمز البريطانيا حول النزاع السوري أن الحرب في سوريا ليست مشكلة سوريا فحسب، إذ أن تدفق المقاتلين الأوروبيين عبر الحدود التركية خلق خطرا داخليا في المملكة المتحدة.
إنّ هذه الفقرة تؤكد مرة أخرى أن ما يجري في الداخل السوري ستصل شظاياه إن عاجلا أم آجلا إلى الخارج حتى يصل إلى تلك الدول التي كانت تظن عند بداية هذه الأزمة أنها ستبقى في منأى عن الأحداث بل أكثر من ذلك، فإن الكثير من الدول الأوروبية هي من دعمّت المعارضة السورية التي لم تعد تجد لها مكانا بعد سيطرة الجماعات الإرهابية المتطرّفة التي أصبحت تقاتل الحكومة السورية والمعارضة في آن واحد بدعوى أن هذه الأخيرة علمانية.
القتال في سورية اصبح مهنة
جاء في صحيفة التايمز البريطانية في عدد أول أمس أنّ (الجهاد) أضحى مهنة، وأضافت أنّه خلال السنتين الأخيرتين دخل إلى سوريا الآلاف من الأوروبيين من ضمنهم المئات من البريطانيين الذين يتفاجأون لدى وصولهم بأنّهم على خط المواجهة في أكثر الحروب وحشية في العصر الحديث وفي أحد الأيام سيرغب من بقي منهم على قيد الحياة العودة إلى الوطن.
وأضافت الصحيفة، أنّ العديد من أولئك المقاتلين الأجانب يعتقدون أنهم سيقاتلون إلى جانب الميليشيات المسلحة، ليجدوا أنفسهم في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش) أو جماعة النصرة التابعين لتنظيم القاعدة.
إنّ هذا التقرير الاخباري الوارد في جريدة التايمز البريطانية يؤكّد مرة أخرى أنّ الدول الغربية بشكل عام وجدت نفسها متورّطة في الصراع السوري ليس في الوقت الراهن، ولكن حتى بعد نهاية هذا النزاع التي تسعى لإنهائه من خلال دعم مؤتمر جنيف (٢) اعتمادا على الديبلوماسي المخضرم الأخضر الابراهيمي، الذي تمّ اللجوء إليه كرجل مطافئ بعد أن فقد الغرب التحكم في ألسنة لهب الحريق السوري، الذي طالما نفخوا في رماده ليشتعل ليجدوا الأمور تنفلت من أيديهم في آخر المطاف، ووجد الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص نفسيهما تدعّمان الجماعات الارهابية في سوريا، في حين تحاربها في مناطق أخرى من العالم، وحسب الاستخبارات الأمريكية فإنّ خُمس المقاتلين في سوريا هم من المتشدّدين دينيا”.
الغرب ومحاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه
الأكيد أنّ الجميع لمس اللهجة المتغيّرة التي أصبحت متداولة في وسائل الاعلام، وفي الخطاب الرسمي للدول الغربية اتجاه النزاع السوري، فمنذ حوالي خمسة أشهر من الآن يخصّص الإعلام في الغرب حيّزا معتبرا للكلام عن المخاطر والتهديدات التي أصبحت تشكّلها الأزمة السورية على هذه البلدان المتواجدة على بعد آلاف الكيلومترات عن دمشق، وعلى الأرض فإنّ التنسيق الأمني بين المخابرات الأمريكية ونظيرتها الأوروبية لم يصبح يتمثل في إقامة معسكرات تدريب عناصر المعارضة السورية على الحدود التركية وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة وتسهيل دخول المقاتلين إلى سوريا، بل أن أوجه التنسيق أصبحت مغايرة تماما، حيث أوردت صحيفة التايمز في افتتاحيتها أنّ جهاز الاستخبارات الأمريكية والبريطانية ينسقان معا وبكفاءة عالية من أجل الحد من تدفق المقاتلين الأوروبيين إلى سوريا. وهنا يتأكّد النفاق الغربي مرة أخرى في التعامل مع القضايا المختلفة والأنانية المفرطة في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار في بلدانها ولو كان ذلك على حساب السلم العالمي.
تركيا في قفص الإتهام
الأكيد أنّ السواد الأعظم من المقاتلين الأجانب تسلّلوا عبر الحدود التركية ـ السورية وبتسهيلات من أنقرة، وقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أنّ تركيا تعتبر بلدا يسهل السفر منه وإليه. وقد وصف بعض الديبلوماسيين الغربيين القتال في سوريا بأنه الجهاد عبر طيران “إيزي جات”، التي تعرف بأسعارها الزهيدة، في إشارة إلى الدور التركي في إدخال المقاتلين القادمين من مختلف أنحاء العالم إلى سوريا، ويكفي على الحدود التركية تقديم “بطاقة مقاتل في سوريا” لتجد كل التسهيلات للدخول إليها بعد المرور طبعا بمعسكرات التدريب التي أقامتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومختلف الأجهزة الاستخباراتية الأخرى لفائدة ضحايا الدعاية الارهابية، التي تحاول أن تصوّر الموت في سوريا هو تذكرة الدخول إلى الجنة والحصول على المكافأة الموعودة وهي الحور العين.
ومن لم تغرّه هذه، هناك وصفات أخرى تجعل منه حطاما لهذه النار، وهي الأموال التي تدفع لأولئك المرتزقة الذين جاءوا إلى سوريا للحصول عليها نظير قتالهم.
سباق ضد الزمن من أجل إنهاء الأزمة
لاشك أنّ الغرب كان ينتظر أن ينتهي السيناريو السوري الى مثل ما انتهى اليه السيناريو في ليبيا، فقام بتقديم أكبر دعم ممكن للمعارضة من أجل الانتهاء من نظام بشار الأسد في أسرع وقت، ولكن وبعد ثلاثة سنوات لم يتم هذا الحسم العسكري لصالح المعارضة التي وجدت نفسها رهينة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي لديها أجندة أخرى تماما تتمثل في إقامة دولة اسلامية في بلاد الشام، على صعيد آخر وعكس ما كان متوقعا لم يعرف النظام ولا الجيش السوري الانشقاقات التي كانت تشكل الرهان الأكبر في إسقاط بشار الأسد. كل هذه المعطيات جعلت الغرب يعيد النظر في كل حساباته وكانت مسألة الأسلحة الكيماوية آخر ورقة تم استنفادها في ذلك لأن العار الذي لحق الولايات المتحدة بسبب مزاعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والتي شكلت مطية لاحتلاله لم يكن من الممكن تكرار ذلك في سوريا، علاوة على الموقف الروسي المتصلب اتجاه استعمال القوة ضد سوريا.
كل هذه المعطيات جعلت المجتمع الدولي يعيد النظر في كيفية علاج الأزمة السورية المستعصية التي تبين في آخر المطاف أنّ مخرجها الوحيد سياسي، لذا تتسارع الخطى الآن من أجل إنهاء النزاع في سوريا. ويبدو أن الغرب مدرك أكثر من أي وقت مضى أنّ تسوية الأزمة في أقرب وقت سينهي الكثير من الهواجس الأمنية التي بدأت تنغص مستقبل الاستقرار في أوروبا التي أصبحت مهوسة بأن تصيبها شظايا المواجهات في سوريا، وقد لخّصت جريدة التايمز في افتتاحيتها ليوم الاثنين هذا بالقول “كلّما أسرعنا بإنهاء الحرب في سوريا كلّما بدأنا نقترب من حل مشكلة أولئك الذين يفكرون بنقل المشكلة إلى بلادنا”، ولكن على الغرب اليوم دعم بكل ما يملك، مجهودات الوسيط الأممي الأخضر الابراهيمي لحل هذه المعضلة المستعصية التي انطلقت الجولة الثانية لحلها الاثنين في جنيف السويسرية..