إن مشكل التكفّل بالمصابين بمرض التوحد مطروح بحدّة في الجزائر التي تحصي 80 ألف طفل مصاب بالتوحّد، تتراوح أعمارهم بين 15 شهرا و17 سنة.
مرض التوحد ما هو؟ وما الفرق بينه وبين الأمراض العقلية والنفسية الأخرى؟ ماهي إشكالية العلاج التي تطرح أكثر من سؤال حول الطرق والوسائل والإمكانيات؟ ولماذا يعاني الآلاف من المتوحدين في مجتمعنا العزلة في صمت رهيب في وقت تبرز فيه مواهب خارقة لمتوحدين في مجتمعات أخرى؟
هذه الإعاقة الغامضة المفاهيم والمعالم التي تفاقمت عوارضها بمجتمعاتنا العربية عموما وبالجزائر خصوصا هذا في ظل عدم الاعتراف به والعجز بالتكفل بالأطفال المصابين بمرض التوحد، هو الداء الذي يصيب الأطفال في السنوات الأولى من العمر، والذي يعرّفه العلماء والمختصون بأنه اضطراب عصبي حاد، يتميّز بانطواء الصغير على نفسه وانصرافه إلى عالم خاص به، وجرّاءه تعيش آلاف العائلات الجزائرية في متاهات بسبب شبه انعدام تام للتكفّل بهؤلاء الأبرياء، الذين يعانون في صمت مشكلتهم الوحيدة أنهم ولدوا مختلفين بإعاقة غير معترف بها، هم أطفال متوحدون وأطفال براءتهم لا حدود لها ينظرون الى العالم بطريقة طبيعية و ينظر إليهم العالم بطريقة مختلفة.
إنه داء التوحّد ‘’أوتيزم’’، الذي يصيب الأطفال في السنوات الأولى من العمر، والذي يعرّفه العلماء والمختصون بأنه اضطراب عصبي حاد، يتميّز بانطواء الصغير على نفسه وانصرافه إلى عالم خاص به، وجرّاءه تعيش آلاف العائلات الجزائرية في متاهات، بسبب شبه انعدام تام للتكفّل بهؤلاء الأبرياء.
وعن هذا المشكل الذي ينطلق بدءا من نقص التكفل الصحي بهذا المرض وصولا إلى انعدام التشخيص والمتابعة لأطفال التوحد هذه التي لن تكتمل إلا بمعاناة الآباء الذين وجدوا أنفسهم وسط دوامة البحث عن التكفّل بصغارهم، حيث أوضح أحد أولياء طفل مصاب بالتوحد وعضو مؤسس لجمعية «الأنا» أن معاناتهم تبدأ منذ اللحظة التي يعرف فيها الأبوان أن ابنهما غير سوي، وبالتالي تُصاب العائلة كلها بداء التوحّد، وليس الصغير فقط، ‘’وإلا كيف نفسر انقطاعنا عن العالم الخارجي، وعن العائلات السوية، واهتمامنا بالابن المصاب فقط، مع إهمال إخوته’’، يقول محدّثنا، مؤكّدا على أهمية التكفّل النفسي بذات العائلات، ليشير إلى أنه رغم كون ‘’التوحّد’’ إعاقة، إلا أنه غير معترف بها من قبل السلطات العمومية، ناهيك عن النقص الكبير للمراكز الخاصة بالتكفّل بهؤلاء الأطفال على المركزين تسبّب في تباعد المواعيد، ويكفي أن نشير، حسب ما أكّده لنا عدد من الآباء الذين تواصلنا معهم، إلى أن مدة انتظار موعد تتجاوز 80 شهرا.
فالنقص الفادح و الانعدام الكلي في التكفل بهذه الفئة التي تعيش في الظلام وتتكبد مرارة المعاناة وسط مجتمع تسود فيه الدهنيات المتحجرة و المتخلفة التي تنظر لمريض التوحد على انه إنسان غير سوي و مختل عقلي، الى جانب كل هذا فان أهم مشكل يواجه الآباء هو تأخر تشخيص حالة الأطفال نظرا الى غياب الكفاءات و الخبرات و جهل اغلب المختصين بهذا المرض بالولاية، حيث يعتبر والد آدم ، والذي يروي معاناته في التكفل و التعامل مع ابنه المصاب بالتوحد خاصة مع غياب وانعدام هذا الجانب بقسنطينة وافتقار الأخيرة للمراكز المختصة، في ذات الشأن كشف السيد يوسف، الذي يعاني ابنه «أمين» من مرض التوحد، أن هذا المرض في الجزائر ما يزال طابو، والمصابون به يعانون من الإهمال وعدم التكفل، حيث تبقى الجزائر متخلفة في هذا المجال مقارنة حتى مع بعض الدول العربية، مثل الأردن و مصر و تونس.
الأب الذي تحول إلى باحث ومختص في مرض التوحد بسبب معاناة طفله المصاب بهذا المرض ودخل في رحلة البحث عن مخرج لعلاج أو متابعة صحية لابنه المصاب، حيث يقول إن الأعراض التي ترافق الأطفال المصابين بهذا المرض هي الالتواء خاصة في الرقبة والعدوانية في السلوك والانطواء، حيث يصير للطفل عالم خاص به، ما يتطلب علاجا خاصا يقوم على التدريب اللغوي والتقويم السلوكي وكذا مختص نفسي وعصبي، كون المرض يتعلق حسب المتحدث بنوع من الأمراض العصبية قد تنتج عن الأخطاء التي يرتكبها الأطباء أثناء الولادة، ما يسبب نقص الأكسجين في دماغ الرضيع، الأمر الذي ينتج عنه أيضا تلف في خلايا الدماغ.
جمعيات بإمكانيات قليلة.. تجابه شبح التوحد.. وتتحدى تهميش السلطات
إن معظم الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق مرضى التوحد تقرر إنشاءها من طرف أولياء أطفال التوحد ومن أموالهم الخاصة والتي تهدف أساسا الى التكفل و رعاية أطفال التوحد الذين لم يجدوا بديلا أخر للتكفل بهم والدفاع عن حقوقهم بعد أن ضاقت بهم السبل، خاصة في ظل العجز المسجل في كيفية التعامل مع أطفالهم المرضى وفي غياب مراكز الاختصاص والتكفل الجاد بمشاكل هذه الفئة سوى الاعتماد على أنفسهم في خلق فضاء خاص بهؤلاء الأطفال، فمن خلال حديثنا مع عضو بجمعية «الأنا» التي تنشط عبر كافة ربوع الوطن حيث أكد أن الأمر لم يكن بالسهل إلا أن العمل المتواصل والأمل في تغيير واقع مرضى التوحد بالجزائر يتغير، سيما التعريف به للسلطات التي تخلط بينه وبين الأمراض العقلية الأخرى، فالجمعية أساسا تختص في تقديم يد العون لأطفال التوحد ،عن طريق إخضاعهم للتأهيل بطاقم عمل صغير لكنه طموح إذ يبقى غير كاف إذ لم يتعزز بدعم قوي من الدولة خاصة وأنه يتطلب أموالا ضخمة خصوصا وان كل حالة تستدعي تكفلا خاصا بها.
التكفل بمرضى التوحد..
إن الغياب الكلي للتكفل بطفل التوحد بالجزائر يعتبر من أهم المشاكل المطروحة حاليا مع غياب المختصين وتأخر التشخيص بسبب نقص المعرفة لدى الطبيب بهذا المرض و عدم اعترافه بجهله، الأمر الذي ينعكس سلبا على الطفل في تشخيص إصابته بالتوحد لتصبح إمكانية إدماجه في المجتمع وشفاءه ضئيلة بعكس الحالات التي يتم اكتشافها في سن مبكرة. دعت جمعية الطفل الانطوائي وزارة التضامن الوطني، الصحة والتربية الوطنية إلى ضرورة التعاون من أجل إيجاد طرق ناجعة للتكفل بالطفل المتوحد في بداية حياته قبل أن تتأزم وضعيته النفسية والصحية. كما دعت الأولياء إلى مراقبة أبنائهم بصورة مستمرة لاكتشاف إصابتهم بمرض التوحد في وقت مبكرة
وقد دعت جمعيات أخرى على غرار جمعية وفاء، الأنا، وغيرها من الجمعيات الناشطة الى تفعيل الحوار بين الجمعيات والدولة حول مرض التوحد الذي يصيب عددا من الأطفال في الجزائر وإعلامهم بمعاناة أولياء الأطفال الذين يعانون من هذا المشكل الصحي، ذلك بتبادل المعلومات وطرح الانشغالات عبر منابر وملتقيات مفتوحة والتي من شأنها أن تساهم في تحسين التكفل بالأطفال المصابين بالتوحد هذا من خلال مناقشة بعض الاضطرابات التي تعاني منها هذه الشريحة والطرق السليمة لعلاجها، وكذا التقرب من الخبرات الأجنبية.
و من خلال التحسيس والإعلام الذي يلعبه المجتمع المدني حول الانطواء والاضطرابات المنسوبة إليه والى إحصاء الحاجيات والسعي لإنشاء هياكل مختصة في ترقية التربية الخاصة بالأشخاص المنطوين من خلال إعلام الأولياء بهذا المرض وأعراضه والعمل على الإدماج الاجتماعي للأشخاص الانطوائيين ودعم أسرهم والسعي لكشف المرض والتكفل المبكر بالمرض، مع ترسيخ التبادلات مع مختلف الجمعيات المهتمة بهذا المجال من اجل ضمان التكفل اللازم والشامل بالأشخاص الانطوائيين عبر كافة مناطق الوطن وتوفير كل ما هو ضروري من علاج لهذه الشريحة المنسية من برامج التكفل والتشخيص.