«في الأسواق لا أريد أن أرى لا قبعات المسيحيين ولا عمامات المسلمين، ولكن المعروضات».. أمين معلوف (ليون الإفريقي).
هذه المقولة لأمين معلوف، تفي بالغرض خير من ألف خطاب حول التسامح الذي يتداول في تركيا، رغم أن الأخيرة أصبحت منبوذة أكثر من أي وقت مضى في أوروبا، وهذا بسبب ديانتها.
إن زيارة رئيس الدولة الفرنسي إلى تركيا، نجد فيه الفرصة لنسرد المسيرة الشاقة لهذا البلد من أجل وضع كل الأمور على المكشوف، هولاند أراد أن يطمئن الفرنسيين بالقول: «هم من سيقررون إنضمام تركيا إلى أوروبا»، علما أن سبرا للآراء أجري مؤخرا كشف أن الفرنسيين ضدّ الانضمام بنسبة ٨٣٪، وهذا المكشوف والواضح، إن الحملة الإعلامية من أجل شيطنة تركيا وذنبها الوحيد أنها مسلمة ليست وليدة اليوم. وفرنسا سواء تعلق الأمر باليمين أم باليسار، لا ترغب في تركيا التي لا تزال منبهرة وبطريقة غير مفهومة بالإتحاد الأوروبي الذي يعرف حالة من التقهقر وعلى أكثر من صعيد.
المسيرة الكبرى غير المجدية لتركيا نحو أوروبا التي تغلق الأبواب في وجهها
نقرأ في الموسوعة الحرة ويكبيديا «أودعت تركيا ملف إنضمامها إلى الإتحاد الأوربي في ١٤ أفريل ١٩٨٧ وهي عضو مشارك في الاتحاد الأوروبي والمجموعات التي سبقته منذ سنة ١٩٦٣. كما أمضت إتفاقا للإتحاد الجمركي مع الاتحاد سنة ١٩٩٥ وتم الإعتراف بها كعضو في هذا الأخير في ١٢ ديسمبر ١٩٩٩ خلال القمة الأوروبية بهيلنسكي بعد المفاوضات التي بدأت في ٣ أكتوبر ٢٠٠٥»(١).
في حقيقة الأمر، كل شيء بدأ العام ١٩٥٩ عندما كانت أوروبا تراوح مكانها مع (المجموعة الاقتصادية الأوروبية) يوم ٣١ جويلية ١٩٥٩ ثمانية عشر شهرا فقط، بعد دخول إتفاقية رما حيز التنفيذ وتقدمت تركيا بطلب الانضمام إلى (المجموعة الأوربية الاقتصادية)، منذ سنة ١٩٦٠، ومنذ ذلك إنضمت ٢٠ دولة إلى الإتحاد الأوروبي، كانت آخرهم كرواتيا التي أنجزت ذلك في وقت قياسي بأقل من ثلاثة سنوات بفضل ألمانيا.
إن المدافعين عن انضمام تركيا يبررون ذلك بكونها قوة جهوية مهمة، باقتصادها وعضويتها في الحلف الأطلسي، وحسبهم فإن تركيا ستعزّز موقع أوربا كفاعل جيواستراتيجي شامل من خلال موقعها الجغرافي، والروابط الاقتصادية، السياسية، الثقافية والتاريخية لتركيا مع المناطق الغنية بثرواتها الطبيعية في محيط مناطق النفوذ السياسي للإتحاد الأوروبي على غرار شرق المتوسط وسواحل البحر الأسود، الشرق الأوسط، وحوض بحر قزوين وآسيا الوسطى، وفي حال تواصل التوجيهات الديمغرافية فسيفوق التعداد السكاني لتركيا تعداد ألمانيا العام ٢٠١٩، بـ٨١ مليون نسمة وبهذا تصبح الدولة الأكثر كثافة سكانية في الاتحاد الأوربي» (١).
المأخذ على تركيا
يتذكر الجميع أن نيكولا ساركوزي، مناهض شرس لانضمام تركيا، وأن السيد هولاند صادق سنة ٢٠٠٤ على القرار الذي اتخذه سابقه جاك شيراك بمباشرة مفاوضات في هذا الشأن، ولكنه أكد أنه لم يتم تحديد (أي موعد) لاتمام هذا المسار.
بعيدا عن الرفض القاطع لليمين المتطرف واليمين في عهدتي جيسكار وساركوزي، كانت هناك فترة أبدى فيها الحزب الإشتراكي الفرنسي الموافقة في عهد الرئيس شيراك، لكن هناك عقبتان ذات طابع تقني وهما المسألة الكردية ووضع المرأة، وقد تم مؤخرا الاعتراف باللغة الكردية من طرف السلطات التركية، إعتبارا من الفاتح جانفي ٢٠٠٩، وقد دشن الوزير الأول التركي، رجب الطيب أردوغان قناة عمومية (تي آر تي ٦)، ناطقة باللغة الكردية بالاضافة إلى أن عقوبة الإعدام في الزعيم الكردي أوجلان تم تخفيفها إلى السجن المؤبّد، ولكن مع ذلك يبقى مشكل الأكراد قائما.
فيما يخص المرأة، السلطات التركية أعطت حق التصويت للمرأة العام ١٩٣٠ (فرنسا لم تمنحها هذا الحق إلا سنة ١٩٤٦)، كما تحصلت المرأة في الوقت نفسه على حقها في أن تصبح نائب في البرلمان التركي، كما يمكن أن تتقلد منصب وزير.
علي صعيد آخر، وفي العديد من المرات، دعمت الولايات المتحدة إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لأنها ترى في ذلك دفعا جيواستراتيجيا للعالم الغربي، الرئيس باراك أوباما في خطاب له يوم ٦ أفريل ٢٠٠٩ في أنقرة، اعتبر أن تركيا همزة وصل بين العالم الإسلامي والغرب، في حين صرّح العديد من السياسيين أنه من غير المقبول السماح للولايات المتحدة التدخل في السياسة الداخلية للإتحاد الأوروبي بهذه الطريقة. فقد صرّح برند بوسلت في صحيفة شبيغل أن «الاتحاد الأوربي ليس لعبة في يد أوباما». وعلى حدّ تعبيره، فإن الرئيس الأمريكي يحاول مكافأة الأتراك على حساب الأوروبيين في الوقت نفسه، وإضعاف وتفخيخ الإندماج الأوروبي». وذهب إلى طرح إقتراح على أوباما لاعتبار «تركيا الدولة رقم ٥١» (٢).
في الواقع ولكي تنضمّ تركيا، يجب على أعضاء الاتحاد الموافقة بالإجماع من أجل حصول ذلك، بعض الدول يمكنها الاعتراض على غرار النمسا، التي قد تشكل حصنا لأوروبا المسيحية في وجه الامبراطورية العثمانية التي حاصرت جيوشها في فيينا لمرتين ١٥٢٩ و١٦٨٣، وفرنسا لابد من الانتباه إلا أن واجب الانتخاب لا يلجأ إليه إلا في الحالة التركية، ومن بين ٣٥ فصلا خاصا بالانضمام لم يتم التطرق إلا إلى ١٤ فقط منذ سنة ٢٠٠٤، ولم يتم الفصل إلا في واحدة فقط خلال عشرة سنوات وبهذه الوتيرة تحتاج العملية إلى ٣٥٠ عاما.
الحجة الواهية للمذبحة الأرمينية
خلال زيارته إلى تركيا، بدا فيها كمن يحاول إعطاء الدروس للآخرين، حثّ فرانسوا هولاند تركيا على آداء «واجبها تجاه الذاكرة» في إشارة إلى إبادة مئات الآلاف من الأرمن على يد الامبراطورية العثمانية سنة ١٩١٥، وخلال اليوم الأول من زيارة الدولة إلى تركيا «العلاقات الفرنسية ـ التركية تأثرت بالأزمات المتكررة، وهذا منذ مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون يعترف بمذبحة الأرمن سنة ٢٠٠١، متبوعا بمحاولة تشريعية أجهضت كانت تهدف إلى قمع الإنكار.
إن فرنسا التي تعطي الدروس يجب أن تنظف أولا على عتبة بابها ـ على حدّ تعبير النواب الأتراك ـ الذين ذكّروا الفرنسيين بالمجازر الضخمة خلال الحقبة الاستعمارية، حيث قضى ٢ مليون جزائري خلال الثلاثين سنة الأولى فقط من الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومجازر سطيف وفي الأخير المليون قتيل الذين سقطوا خلال الثورة التحريرية، الأكيد أن فرنسا في موقع سيء لا يخوّلها للحكم لإصدار الأحكام على الإبادة التي اعتبرها الكثير من المؤرخين ـ من أبرزهم ـ بارنار لويس، رغم مواقفه المثيرة للجدل تجاه المسلمين، نفوا أن يتعلق الأمر بإبادة جماعية، ولكن مجزرة بشعة حصلت خلال فترة مذابح الحرب العالمية الأولى، كما هو الشأن بالنسبة لهجومات الجنرال الفرنسي نيفال و»القوة السوداء»، التابعة له، وفي الحقيقة فإن المستعمرين في الدول السمراء كانوا يعيشون الأمرّين.
هولاند في جولة تجارية
على الصعيد الاقتصادي خلال الثلاثين سنة الأخيرة، كبح التضخم المفرط حاجزا كبيرا في ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، اليوم تغيّرت الأمور تماما فالاقتصاد التركي يعرف نموا معتبرا، وبالمقابل سجلت المشاكل المتعلقة بالتضخم تراجعا، حيث انخفض التضخم بنسبة ٦٪ السنوات الأخيرة، والجانب التجاري واضح وبديهي «حضورنا عرف ارتفاعا لفرنسا ولـ(…) يجب الوصول إلى ٢٠ مليون أورو من المبادلات التجارية»، في تصريح للرئيس الفرنسي الذي يلتقي الثلاثاء في اسطنبول رجال أعمال فرنسيين وأتراك، فالتجارة بين البلدين بصحة جيدة والأمور تسير على ما يرام.
الوعود الكاذبة للرئيس الفرنسي
في محاولة لإعطاء ضمانات ليس لوجهة نظره فقط، ولكن لتركيا كذلك، وهذا بدوافع مادية خالصة، قام فرانسوا هولاند بحركات بهلوانية، ويصرّح بدون قناعة «هذا المسار يجب أن يستمر»، لكن «لم يتم أي موعد لذلك»، وأضاف في تصريح موجه إلى الرأي العام الفرنسي المناهض لتطلعات تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي.
من ناحيته قال الرئيس التركي عبد الله غول «نحن لسنا مستعجلين» في الوقت الذي تمر بلاده بأزمة سياسية قد تؤثر على تعاطي بلاده مع المسار الأوروبي (التقني أساسا) (…)، منذ انتخابه العام ٢٠١٢، فرانسوا هولاند تأكد أن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لا تطرح خلال عهدته الخماسية، لأن الأوربيين استبعدوا مناقشتها قبل آفاق سنة ٢٠٢٠(٣).
ما يكن اعتباره بلدا أوروبيا؟
من بين الحجج المقدمة ضد انضمام تركيا، هي مسألة الجغرافية، فتعريف ما يعتبر «أوروبيا»، لم يتم التطرق إليه في النصوص، وهو غير واضح، وإذا كان هذا يعتمد على الجغرافيا أو اعتبارات أخرى، الوصفات المبهمة التي تؤدي إلى تفسيرات مختلفة كثيرة وعدم الدقة تختفي وراءها نيّة مبيّتة، من أجل تكييف النصوص وفق القوى السوسيو ـ سياسية المهيمنة على حساب الديمقراطية وعدالة القوانين.
هذا يعني «دولة أوروبية» خارج الإطار الجغرافي، الثقافي، الإثني، وكذا هذه المعايير يمكنها أن تعطي لقادة الاتحاد الأوربي المبرر لانضمام قبرص، في حين أن فرنسا، بريطانيا، إسبانيا وهولاندا، تقع أجزاء من أقاليمها في قارات أخرى، وهل يمكن اعتبارهم بهذا، دولا أمريكية أو آسياوية، وهل أقاليمهم في المناطق الأخرى، أن تعلن نفسها أوروبية؟.
الأحداث التاريخية التي تعني تركيا في مواجهة أوروبا، العامل الديني
هوجمت تركيا في البداية في القرن الحادي عشر على مستوى الأقاليم البيزنطية في إفريقيا الصغرى، وفي نهاية القرن الثالث عشر احتل الأتراك الجزء الأوروبي من الامبراطورية البيزنطية، إلى غاية القسطنطينية سنة ١٤٥٣، وسقوط المدينة في أيدي الأتراك سجلت الدخول الفعلي للإسلام إلى أوروبا الغربية، ويجب معرفة أن الغرب في الوقت نفسه هاجم الإسلام في غرب المتوسط في حملة قادها فرديناند آرغون وإيزابيل دوكاستي، لتسقط غرناطة العام ١٤٩٢، ثم جاء الدور على وهران، الجزائر ثم بجاية وجيجل، وكل هذه المدن بإستثناء وهران تم إسترجاعها من طرف عروج وخير الدين برباروس، ووقعت بعد ذلك العديد من المعارك إلى غاية الوصول إلى فيننا وهنا توقفت.
إن أصول الأتراك من مناطق آسيا الوسطى وتحديدا منطقة جبال التاي، ولما ظهر الأتراك في أوروبا، وكانت حينها مسيحية، لعبوا دور المنافس، في حين عملت شعوبا أخرى أقل كثافة على غرار البلغاريين في القرن الثالث عشر على الإندماج مع الأوربيين واعتنقوا الديانة المسيحية، بينما لم يسع الأتراك بتاتا إلى الإندماج، بل حاولوا قبل كل شيء السطيرة على أوربا المسلمة، الإمراطورية العثمانية لا تتدخل في الديانات.
ولم يحصل ذلك إلا في بداية القرن العشرين بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، مع مصطفى كمال، الذي أنهى الخلافة العام ١٩٢٣، وأعلن الجمهورية وحاول بكل الوسائل تقليد أوروبا وتأسيسه لما سمي (التنظيمات).
خاتمة:
كل الخلافات هي في حقيقة الأمر مشاكل في العمق، والمشاورات الهامشية ماهي إلا نفاق، من الخطأ عدم التمييز بين تركيا وأردوغان الذي سوف لن يكون موجودا عندما تدخل تركيا إلى أوروبا، فتركيا بحيويتها وشعبها الشاب وموقعها، تشكل أملا لأوروبا السياسية، ليست فن الوضع الراهن، ولكن فن التنبؤ والإستباقية، والتحضير للمستقبل، اليوم الغالبية من الفرنسيين يرفضون تركيا وفي الغد قد يغيّر الكثير رأيه من أجل شيء بسيط.
شئنا أم أبينا، ولدت الحضارة الأوروبية على ضفاف تركيا التي لا تعرف هيروديت، المؤرخ سترابون، وعالم الجغرافيا طاليس دوسيلي، بول دوتارس الذي لا يعرف السيّدة العذراء.
وكما كتب فوليتر الأتراك هم الذين أنقذوا البروتيستانية.
الوزير الأول التركي أردوغان، ذاع صيته لوجهة نظره المتداولة في تركيا، والتي مفادها أن أوروبا هي «نادي مسيحي» يفتقد إلى أسس مشروعة، ويعتقد أن السبب الرئيسي في رفض قبول إنضمام دولة مسلمة إلى الاتحاد الأوربي، وبهذا نظن أنه لخص كل شيء، تركيا يتواجد جزء منها في أوروبا، ولكن رغم تاريخها وجغرافيتها نقول بأنها ليست أوربية! ويطالبون بأن تكون عاصمتها في أوروبا ووفق هذا المنطق، فإن الفيدرالية الروسية هي دولة أوربية، إن الإستثناء الأكثر وضوحا هي حالة قبرض، فهي متواجدة جغرافيا في أوربا إلا أن الاتحاد الأوربي قرّر أن القبارصة اليونان أوروبيون، ومع ظهور جديدة سنكتشف أننا نتواجد على طريق يفصل بين أوروبا وآسيا.
وكتب إغناسيو راموني، هل يمكننا أن نتنكر أن السواحل التركية في بحر إيجا هي الجناح الشرقي لليونان القديمة مهد الحضارة الأوربية؟. نتساءل عن المبررات «التقنية» التي ستقدم غدا لتعطيل انضمام دولتين بأغلبية مسلمة ـ البوسنة وألبانيا (...). وذهب المحافظ الأوروبي السيد فريتس بولكوستين إلى حد التصريح بأنه في حال قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي «تحرير فيينا التي حاصرها الأتراك العام ١٩٨٣ غير مجدية»، وقد صنع سكان فيينا خلال هذا الحصار فطائر تشبه الموجودة في الرايات العثمانية، الهلال…» (٤).
إن الحقد الأوروبي لايزال ظاهرا للعيان، ولا تزال المعايير الإثنية الثقافية والدينية تحدّد في أدّق تفاصيل الانضمام إلى أوروبا من عدمه، وتركيا تظهر بمظهر المتسوّل الذي يبحث عن مكان، لكنه يواجه بالرفض، ولماذا تواصل فعل ذلك؟ من وجهة نظرنا، تركيا يجب أن تحيك ثوبها بمفردها، والنظر إلى الدول الناشئة، يمكنها التطوّر خارج القارة العجوز التي تئنّ، المشبعة بالرّوح الإنتقامية والتي أعادت لعب دور الحملات الصليبية من جديد.
بورتــري
^ البروفيسور شمس الدين شيتور أستاذ بامتياز، مهندس المدرسة المتعددة التقنيات بالجزائر العاصمة والمعهد الجزائري للبترول، يحمل شهادة دكتوراه دولة بجامعة الجزائر، دكتوراه في العلوم الاقتصادية بجامعة جون موني بفرنسا.
^ شغل منصب أستاذ محاضر بجامعة تولوز، وأشرف على مناقشة عشرات الرسائل الجامعية.
^ نشر مقالات تحليلية كثيرة، وأصدر مؤلفات في مجالات الطاقة، البترول، الجيواستراتيجيا والتغيرات المناخية.
^ كما ألّف كتب عديدة حول تاريخ الجزائر، الاسلام والعولمة آخره «فلسطين قضية كل المثقّفين».