المنطقة الرطبة بسكيكدة، المعروفة باسم «صنهاجة – قرباز»، الواقعة ببلدية ابن عزوز من أهم المناطق الطبيعية الخلابة التي تزخر بها الولاية، والتي تعدّ من بين أجمل المناطق الرطبة على المستوى العالمي، ورغم الجهود التي بُذلت خلال السنوات الأخيرة من أجل إعادة الإعتبار إلى هذه المنطقة، إلاّ أنّ غياب الاستثمار الفعلي بهذه المنطقة، سواء كان خاصا أو عموميا، قد أثّر على تلك الجهود، كما أنّ إقامة حظيرة للحيوانات بهذه المنطقة سينعش حتما السياحة بمفهومها الحقيقي، ممّا يساهم في ترقية المنطقة وتطويرها وتحريك آليات التنمية بها.
تتربّع المنطقة الرطبة «صنهاجة» على مساحة إجمالية تقدر بـ 42100 هكتار، وهي مصنّفة ضمن المناطق العالمية المحمية طبقا للمادة 21 من اتفاقية «رمسار» تحت رقم 1056المؤرخ في02 / 02 / 2001، وتمتد عبر بلديات ابن عزوز والمرسى وجندل إلى غاية بلدية برحال بولاية عنابة، وتحتوي على 09 بحيرات في غاية الجمال الأخّاذ، تتربّع على مساحة تقدّر بـ 2580 هكتارا، تمتاز بطابعها البيئي الخاص سواء تعلق الأمر بطبيعة غاباتها المحيطة بها أو بنوعية النباتات الممتدة على طول هذه البحيرات من الجانبين، ممّا أكسبها جمالا وسحرا، خصوصا تلك المستنقعات المائية الطبيعية الممتدة على طول هذه المحمية، والمتناثرة هنا وهناك، ممّا جعلها على مدار الفصول الأربعة مقصدا لمختلف أصناف الطيور المهاجرة والنادرة في العالم بما فيها مختلف الطيور المائية.
42 صنفا من الطيور النّادرة وغطاء نباتي أخّاذ
ويعيش بمنطقة صنهاجة - قرباز ما يقارب الـ 230 صنفا من الطيور، منها أكثر من 140 صنفا تعيش في المناطق الرطبة فقط من بينها 42 صنفا هي في الأصل طيور جد نادرة للغاية، كالنعام الوردي، الكركي، أبو الساق الأبيض، البلشون الأرجواني، الهدهد، شهرمان والنورس، كما تزخر هذه الأخيرة بأصناف نباتية أخرى متنوعة، وكذا بمخزون هائل من المياه النقية التي تعيش بها ثروة سمكية معتبرة، والرمال الناعمة الممتدة إلى غاية الشاطئ البحري، وأشجار البلوط الفلّيني الكثيفة التي زادتها بهاءً وتميّزا.
وتطالب العديد من الجمعيات الناشطة بسكيكدة، بإقامة بهذه المنطقة التي تعدّ من أجمل المناطق على المستوى الوطني، حظيرة ولائية للحيوانات، على غرار حظيرة تازة للحيوانات المتواجدة بولاية جيجل والمسيّرة من قبل محافظة الغابات، وهذا على الرغم من امتلاكها لكل المؤهلات لتحقيق ذلك، خاصة وأنّ ولاية سكيكدة تفتقر إلى حظائر كفيلة باستقطاب العائلات ، وخلق مجال للاستثمار السياحي بالولاية.
وقصد حماية الطيور المهاجرة المتواجدة بالمنطقة الرطبة بن عزوز، تسعى مصالح الغابات لبلدية عزابة رفقة الجمعيات النشطة في الميدان عبر بلديتي عزابة وبن عزوز إلى تكثيف الجهود المبذولة في هدا الإطار، ويأتي هذا المسعى نتيجة تعرّض هذه المنطقة خلال السنوات الأخيرة إلى اعتداءات مختلفة عرضت غطاءها النباتي إلى التعرية ممّا تسبّب في هجرة عدد كبير من الطيور بسبب نفاذ المخزون المائي السطحي والجوفي، وكذا نقص مساحات الأراضي الزراعية الفلاحية الموجودة بها والتي أضحت مهدّدة بزحف الرمال عليها جراء النقص المتزايد للغطاء النباتي الناجم أساسا عن الاستغلال الفاحش وغير الشرعي للمرامل المتواجدة بها، إضافة إلى تعدي العديد من الفلاحين بقيامهم باستغلال الأراضي في الاستصلاح الفلاحي، إضافة للرعي المكثّف وغير المراقب، وقد أجبر ذلك الوضع الخطير المسؤولين، حينها إلى اتخاذ جملة من الإجراءات الإستعجالية، منها تجميد نشاط المرامل السّت التابعة لمؤسسات عمومية، والتي تنشط جلّها على مستوى دائرة ابن عزوز، وبالضبط في المنطقة الرطبة صنهاجة - قرباز ومنع الرعي المكثف وغير المراقب، مع القيام بعملية تشجير لمساحات شاسعة منها بأشجار الصنوبر والبلوط الفليني وببعض النباتات بغرض تثبيت الكثبان الرملية، مع إنجاز حاجز أخضر داخل الحيز العمراني، ناهيك عن تكثيف من المراقبة الجوارية على كامل المنطقة بمساهمة الجهات المختصة.
كما تعرف المنطقة نهبا منظّما للرمال من قبل عصابات امتهنت سرقة الرمال، كالعصابة التي تمكّنت مصالح الدرك الوطني ببن عزوز من شلّ نشاطها، حيث أمر قاضي التحقيق لدى محكمة عزابة بوضع 6 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 28 و43 سنة الحبس المؤقت بتهمة سرقة ونهب الرمال، كما قامت مصالح الدرك بحجز جرافة وشاحنة كان أفراد العصابة يستعملونها في عملية سرقة الرمال من المحمية الطبيعية.
أيام تحسيسية وتوعوية لحماية المنطقة من الزوال
وفي سياق التحسيس بأهمية المناطق الرطبة، نظّمت الجمعية الوطنية لحماية البيئة ومكافحة التلوث ندوة وطنية حول المناطق الرطية، بأواخر شهر ديسمبر الماضي، تنفيذا لمشاريعها التحسيسية المتعلقة بحماية البيئة ومكافحة جميع مظاهر التلوث، وذلك ببومعيزة ببلدية بن عزوز بولاية سكيكدة أين ألقيت محاضرات ومداخلات حول موضوع الندوة من قبلمختصين. كما نظّمت خرجات ميدانية في كل من بحيرة قرباز صنهاجة،
وهذا للتعريف بمزايا ومقومات المناطق الرطبة، وتوعية وتحسيس جميع شرائح المجتمع بأهمية الحفاظ على المنظومة البيئية للمناطق الرطبة من أجل تفعيل السياحة البيئية لما تزخر به هاته المناطق من تنوع نباتي وحيواني، الذي يمثل ثروة ايكولوجية اقتصادية وسياحية ذات أهمية في التوازن البيئي.
كما وجّه قطب الجمعيات بسكيكدة مؤخرا دعوة من أجل «إنقاذ» المنطقة الرطبة قرباز صنهاجة المصنفة ضمن قائمة «رامسار» من التعرية من الغطاء النباتي، حسبما أوضحه رئيس هذا القطب، ويرى رئيس الجمعية ضرورة التدخل بسرعة لا سيما وأن حرائق الغابات، كما قال «ليست دائما وليدة الصدفة، فضلا عن الاستغلال غير الشرعي للخشب والتوسع الفلاحي» التي تلحق كلها أضرارا «جسيمة وتشكل مصدرا لتعرية الغطاء النباتي بهذه المنطقة الرطبة»، مؤكدا على أن العديد من فلاحي منطقة قرباز صنهاجة يساهمون كذلك في تعرية الغطاء النباتي وحرق أجزاء أخرى قصد الاستحواذ على أراض لزراعة منتجاتهم.
ولهذا الغرض جنّدت محافظة الغابات لولاية سكيكدة بالتنسيق مع الجمعيات المحلية النشطة في حماية البيئة أربع فرق متنقلة بالمنطقة الرطبة قرباز صنهاجة للحد من نهب ثرواتها، وهذه الفرق مزودة بسيارات تقوم بدوريات مستمرة بكامل المنطقة للحفاظ على الغطاء النباتي من الانتهاكات المستمرة لبعض الفلاحين والمهربين، كما أن هذه الفرق ستعمل على الحد من الاستغلال غير الشرعي للخشب والتوسع الفلاحي «التي تلحق أضرارا جسيمة وتكون وراء تعرية الغطاء النباتي بهذه المنطقة الرطبة»