ها قد أتى الصّيف وانتهت السّنة الدّراسية وحلّ موسم الرّاحة، فمن الطّلاب والتّلاميذ من جدّ ونجح ومنهم من كسُل ورسب، لكن في هذه الشّهور الثّلاث سيشعر جميعهم ببطالة كبيرة لأنّ جلّ الأولياء يجهلون أنّ فراغ أبنائهم وانصرافهم عن كلّ نشاط فكريّ واشتغال بالعلم والدّراسة طيلة العطلة من أعظم أسباب رسوب الأبناء في دراستهم. ذلك أنّ ثمّة أنشطة يصعب، وفي كثير من الأحيان، لا يمكن مزاولتها إلاّ في فترة العطلة، لكن دعمها للتّلميذ وتأثيرها على مردوده هامّ وأكيد.
الحفظ: كثيرة هي المحفوظات التي تُعين التّلميذ بشكل كبير في دراسته لا يكاد يجد لها وقتا خلال عامه الدّراسي، وأولها القرآن وأحاديث النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ممّا يُمكّنه من سردها في امتحانات التّربيّة الدّينيّة للإيضاح والاستدلال والتّبرير. كما أنّ حفظ الشّعر ممّا يُنمّي ملكات التّلميذ الأدبيّة ويزيد من قدراته في التّحكّم في فنون اللّغة وآدابها الرّائعة ويُثري رصيده اللّغوي ما يجعله يُحرز العلامات العالية في اختبارات اللّغة.
الصّلة بالمسجد: المحافظة على الصّلوات والنّوافل والرّواتب، كثير ما يتهاون فيها الطّلاب أثناء الدّراسة طوال السّنة، ولا يتسنّ لهم الوقت لارتياد بيوت الله، وفرصة الصّيف لا ينبغي تضييعها لحضور الصّلوات الخمس وحلقات الذّكر والدّروس والمواعظ، فهي ذخر وزاد يوم القيامة. فبالإمكان الذّهاب عشر دقائق قبل الأذان لقراءة ورد من القرآن أو مدارسة شيء منه ممّا يُكسب الطّالب ثروة لغويّة وبلاغة وراحة نفسية ويشرح خاطره ويقرّبه من ربّه.
المطالعة: يُعاني جلّ طلبتنا وتلاميذنا من صعوبات جمّة في اللّغات ونادرا ما تجد تلميذا أو طالبا يتحكّم في لغة كتابة أو حديثًا بها، والسّبب نفورهم من قراءة الكتب وتصفّح المجلاّت مُتحجّجين بضيق الوقت وكثافة البرامج الدّراسيّة. فالعطلة أحسن وقت وأنسب فترة لاكتشاف مزايا المطالعة وروعة القراءة ولو علم أبنائنا ما ستجلب لهم المُطالعة من الُثّقة في النّفس وقوة في الحجّة والإقناع وجمال في التّعبير والأسلوب عند الكتابة أو الحديث ما تركوها ساعة واحدة.
وكنت أجد متعة كبيرة في مناقشة كثير من المواضيع مع عدد من التّلميذات وكأنّي أحدّث راشدات حتّى قالت لي إحداهن يوما أتعلم يا أستاذ.. «كلّما أتممت قراءة كتاب شعرت بالحزن وكأني فقدت شيئًا ما فأعاود البحث عن آخر حتى أعود إلى تلك المُتعة الفريدة».
المناقشة: التّحاور مع الأبناء ومناقشة الأفكار والرّؤى معهم وتبادل الآراء مجلبة للرّاحة النّفسيّة وزيادة للثّقة بأنفسهم وفرص مواتية للتّعلّم واكتساب المهارات المختلفة والخبرة في الحياة. وكلّ ذلك يحسُن بهم استغلاله بعد ذلك في دراستهم ومعاملاتهم اليوميّة خلال العام الدّراسي مع أساتذتهم وزملائهم.
النّشاط البدني: مهمٌّ جدّا أن يُقبل التّلميذ على دراسته وهو موفور الصّحة قويّ البُنية سليم الجسم حتّى يجمع كلّ أسباب النّجاح ويجعلها إلى صفّه خلال العام الدّراسي.
وفترة العطلة وقت سانح لمزاولة الرّياضة والأنشطة البدنيّة لاسيما عند التّواجد على شاطئ البحر أو في أعالي الجبال في الرّيف حيث الطّبيعة والهواء النّقيّ.
في الأخير أقول: لا ينبغي للأولياء أن يُضيّعوا على أبنائهم وسائل التّفوّق وأسباب النّجاح والتّميُّز هذه وذلك بإرشادهم إليها ومُرافقتهم فيها حتّى يتعوّدوا ويُداوموا عليها ابتغاء أسمى الصّفات وأعلى المراتب واجتنابًا لكلّ رسوب وفشل في الحياة.