عرف قطاع الإعلام والاتصال في الجزائر نهضة كبيرة في العشرية الأخيرة سواء من حيث التشريعات أو من حيث الممارسة، حتى وإن كان الجانب الكمي قد طغى على المكاسب (145 يومية و48 إذاعة محلية - إذاعة القرآن الكريم، الإذاعة الثقافية، جيل “أف أم”، إذاعة البهجة) وقنوات عمومية وحوالي 10 قنوات خاصة) في انتظار الاحترافية، إلاّ أنّ المستقبل يفرض الكثير من التحضيرات لمواكبة التحولات وضمان مكانة إقليمية ودولية. التحولات خلقت جوا جديدا كانت سمته الاحترام المتبادل وتعزيز الحرية من خلال تشريعات جديدة،وتحفيزات هامة فتحت الباب لآفاق الاحترافية. وقرر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وبمقتضى السلطات التي تخولها له المادة 77-7 من الدستور، إجراءات عفو لصالح الصحفيين المحكوم عليهم نهائيا. وتضمنت إجراءات العفو هذه تخفيضا كليا للعقوبات الصادرة في حق الصحفيين المحكوم عليهم في قضايا القذف والشتم والمساس بمسئولين والهيئات النظامية، واعتبر الإجراء خطوة من الرئيس بوتفليقة للحفاظ وتعزيز حرية الصحافة ودعما إضافيا لحماية الحقوق والحريات في بلادنا والذي تساهم في تحقيقه الصحافة الوطنية بشكل كبير. أكد الرئيس بوتفليقة أن هذا الإجراء يعتبر التزاما لا رجعة فيه للجزائر في طريق الديمقراطية والتعددية السياسية.وجدد الرئيس في رسالة بعث بها في سنة 2007 للأسرة الإعلامية حرص الدولة على تعزيز حرية التعبير والصحافة مؤكدا” لقد سجلنا من بيـن أولى أولوياتنا اتخاذ كل التدابير الكفيلة بضمان الحماية للصحافي التي من دونها لا يـمكنه مـمارسة مهنته في كنف الاطمئنان والثقة، إضافة إلى ذلك، عقدنا العزم على تكريس حق الصحافي في التكوين الـمتواصل وفي تـحسيـن قدراته وأدائه. ولهذا الغرض بالذات، يتعيـن العمل على إنشاء مركز للتكوين الـمتواصل و تـحسيـن القدرات في مهن الصحافة و الاتصال.و الـمركز هذا سوف يضطلع بإمداد فئة الصحفييـن بسائر الـمعارف والـخبرات التي تقتضيها التحوّلات العميقة التي يشهدها قطاع الإعلام والاتصال، ذلك أن هذا القطاع مطالب بأن يرفع التحديات الـجسام التي تفرضها الثورة الإعلامية في عالـم اليوم، وما يكون لها من انعكاساتها على واقع الاتصال في بلادنا. وهذا يفرض علينا أن نعمد إلى إعادة تنظيم أدوات دعم النشاط الصحافي وتعزيزها، هذه الأدوات التي تقع في صلب الإستراتيجية الـمعتمدة لتحريك قطاع الاتصال .” وقال رئيس الجمهورية ايضا: “من أجل ذلك، تـم إعداد برنامج يتوخى تكييف هياكل الدعـم الحالية وتـحديثها، وإنشاء هياكل إضافية، مع الـحرص على تكييف الـمنظومة الـمؤسساتية الـحالية”. إن ما نتوخاه من مسعانا هو تعزيز قدرات الأجهزة الإعلامية العمومية للنهوض بالـخدمة العمومــية، قناعة منا بضرورة توفير خدمة عمومية تتمتع بالمصداقية والمهنية في محلها من الفضاء الإعلامي الذي أضحى اليوم فضاءا مفتوحا. يحق لنا، وبكل جدارة، أن نعترف بأن بلادنا تـملك صحافة حرّة و تعددية، علـما أنه لا غنى عن حرية الصحافة في تعزيز حقوق الإنسان و الديـمقراطية.” وبرؤية بعيدة التطلع اضاف رئيس الجمهورية:« إننا نَعُدُّ حرية الصحافة مكسبا نفيسا لا مندوحة لنا عن الـحفاظ عليه و توظيفه في خدمة بناء الديـمقراطية والـمصلـحة الوطنية. ومن البديهي أن تقترن هذه الـحرية لدى جميع الصحافييـن بحس الـمسؤولية التام نظرا لـما لهم من دور في تكوين الرأي العام. ولعل هذا اليوم العالـمي للصحافة فرصة للإلـحاح على وجوب العمل، في بلادنا، على ترقية صحافة تكون صحافة مهنية، حرّة، مستقلة، صحافة واعيّة متشبعة بــما هو منوط بها من مسؤوليات.و إنه لتحدٍ تقع مسؤولية رفعه على السلطات العمومية وكافة مهنيي الإعلام، على حد سواء.” مرسوم تنظيم علاقات العمل في المؤسسات الإعلامية وعرفت سنة 2008 اصدار المرسوم التنفيذي المؤرخ في 10 ماي 2008 على القانون 90-11 المتعلق بعلاقات العمل أي أنه واحد من النصوص التطبيقية اللاحقة لصدور هذا القانون وكان نتيجة للمشاكل الكبيرة التي باتت تؤثر على عمل الصحفيين. وتضمن المرسوم الذي أمضاه رئيس الحكومة آنذاك عبد العزيز بلخادم في ماي 2008 العديد من المعطيات الايجابية، ونصت المادة الأولى من هذا المرسوم على التأكيد بأن هذا النظام ماهو إلا نص تنظيمي لما جاءت به المادة الأولى من قانون العمل. 1- نطاق التطبيق: وفقا لما أقرته المادة الثانية وأخذ بمبدأ شخصية القانون فالأحكام التي جاء بها هذا المرسوم تنظم مايلي: أ - العلاقات المهنية المتعلقة بالصحفيين الذين يعملون بشكل دائم ومتعاقدين مع أجهزة الصحافة العمومية، الخاصة أو المنشأة من قبل الأحزاب وهي بهذا المعنى الصحف والإذاعات والتلفزيون ووكالة الأنباء الجزائرية. ب - العلاقات المهنية المتعلقة بمراسلي الصحافة. ج - العلاقات المهنية المتعلقة بمعاوني الصحافة والذين يخضعون للقائمة المحددة صمن الإتفاقية الجماعية التي تربط الهيئة المستخدمة بالنقابة. وعرفت المادة الرابعة من نفس النظام جهاز الصحافة بأنه كل نشرية أو وسيلة إعلامية سمعية أوسمعية بصرية أو إلكترونية وظيفتها الأساسية جمع الخبر ونشره. كما حصرت النشاط الصحفي المعني بهذا التنظيم في إطار كل عمل يهدف إلى البحث عن الأخبار اليومية أو الدورية ثم جمعها وإنتقائها واستغلالها وتقديمها بحيث تكون موجهة للتوزيع والبث العمومي بغض النظر عن الدعامة الإعلامية المستعملة بشرط أن تكون داخل التراب الوطني أو بالخارج في حالتي المراسل أو المبعوث الخاص. وتضمنت نفس المادة تعريف معاون الصحافة بأنه كل عون يشغل منصبا يتمثل في القيام بأعمال لا تنفصل عن الأنشطة الصحفية والتي ترتبط مباشرة بالتحرير.كما عرفت الصحفي المستقل وهو مفهوم جديد بأنه كل صحفي يتصرف بصفته عاملا مستقلا يعمل لحسابه الخاص ويقدم خدماته لفائدة الأجهزة الصحفية حسب الشروط التي تحددها الإتفاقيات. و جاءت المادة الخامسة لتوضح حقوق الصحفي بدقة ومنها الحق في بطاقة تعريف مهنية: وهي بطاقة خاصة بالصحفي الدائم يحدد شكلها وشروط تسليمها حسب التنظيم. الحق في حرية الرأي وفي الإنتماء السياسي: ويشترط لممارسة هذا الحق أن لا يمس التصريح العلني به بالمصالح المعنوية لجهاز الصحافة المستخدم. الحق في التوقيع على الكتابات ورفض التوقيع عليها في حالة تعرضها لتعديلات جوهرية ومهما كانت صفة القائم بهذه التعديلات. الحق في الملكية الأدبية والفنية والعلمية على المؤلفات والحق في نشرها حسب الشروط المحددة في عقد العمل وطبقا للتشريع والتنظيم. الحق في عقد تأميني تكميلي: ويغطي هذا العقد مجمل المخاطر الإستثنائية التي قد يتعرض لها الصحفي في إطار ممارسة الأنشطة المهنية، ويشمل هذا العقد أيضا حالة وجود الصحفي بمناطق النزاعات والتوترات والمخاطر الكبرى. كما أن هذا العقد التأميني لا يعفي بأي حال من الأحوال جهاز الصحافة المستخدم من أي إلتزام من الإلتزامات المنصوص عليها في التشريع و التنظيم المتعلقين بحوادث العمل والأمراض المهنية. الحق في التكوين المتواصل: لا سيما بغرض التخصص في شكل من أشكال الصحافة الحديثة، التنظيم يحيل تحديد كيفيات تطبيق هذا الحق إلى الإتفاقية الجماعية. الحق في الحماية من كل أشكال العنف التعدي التخويف أو الضغط للحصول على دعم أو تسهيلات السلطات العمومية لتمكينه من مصادر الخبر أثناء القيام بمهامه.الحق في رفض كل تعليمة تحريرية من أي مصدر كانت غير تلك الصادرة عن المسؤول في جهاز الصحافة المستخدم. الحق في الترقية: في حدود الشروط المحددة في الإتفاقيات الجماعية، وهذا الحق متعلق فقط بالصحفي الدائم. وأشارت المادة السادسة من التنظيم الى التزامات الصحفي وأولها الالتزام بعدم نشر أي خبر من شأنه الإضرار بجهاز الصحافة المستخدم أو بمصداقيته. والإلتزام بالحصول على موافقة من الجهاز المستخدم قبل كل إلتزام بالتعاون بأي شكل من الأشكال مع أي جهاز صحفي أخر. وأشارت المادة التاسعة الى عقود العمل وهو الشكل القانوني لإلتحاق الصحفي بالجهاز المستخدم وهو العقد الكتابي. حيث يوظف كل صحفي أو معاون للصحافة عن طريق عقد عمل كتابي مهما كانت علاقة العمل التي تجمع الطرفين. وتطبيقا للأحكام العامة لعلاقات العمل في التشريع الجزائري أوضحت المادة 14 من النص التطبيقي محل الدراسة أن التوظيف لأول مرة بالنسبة لأجهزة الصحافة يخضع لفترة تجريبية تحدد مدتها في عقد العمل.ويستفيد الصحفي الذي تم توظيفه لفترة تجريبية من نفس الحقوق التي يستفيد منها الصحفي المثبت أو الدائم. يتعين على الصحفي أثناء الفترة التجريبية أن يحترم الإلتزامات التعاقدية والنظام الداخلي للجهاز المستخدم فضلا عن أخلاقيات المهنة. بعد إنقضاء مدة التجريب وفي حالة ما إذا كان هذا التجريب مجديا يثبت الصحفي في منصبه ويسلم له جهاز الصحافة المستخدم شهادة بغرض إيداع الملف القانوني للحصول على بطاقة التعريف المهنية. ونظمت المادة 18 وما بعدها من المرسوم التنفيذي الخاص بعلاقات العمل في المجال الصحفي مدة العمل والغيابات مع مراعاة النقاط التالية: النقطة الأولى: يأخذ توزيع مدة العمل بعين الإعتبار خصوصيات كل جهاز للصحافة. الصحافة جهازا مهما لمكافحة الفساد جدد رئيس الجمهورية في حفل أداء اليمين الدستورية في أفريل 2009 بمناسبة تجديد الثقة في شخصه لعهدة ثالثة دعوته للسلطة الرابعة بالانخراط بقوة في مكافحة الفساد موضحا بان السلطات لن تتراجع عن تعزيز هذا النوع من الحريات قائلا في حفل أداء اليمين الدستورية “...إن لأجهزة الإعلام دورا هاما تضطلع به في هذه المحاربة – الفساد-. وستحظى حرية الصحافة، التي هي جزء أساسي من مشروعنا الديمقراطي، بالاحترام التام بحيث تبقى الدولة حريصة على تسهيل ممارسة و تطور المهنة، أكثر فأكثر، و على كافة الأصعدة.” الإصلاحات المتعلقة بالإعلام في خطاب أفريل 2011 تتجسد كشف خطاب رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في أفريل 2011 الإصلاحات الواجب اعتمادها في قطاع الإعلام . جاء فيه بشان حرية التعبير والصحافة ما يلي “... منذ أكثر من عقدين من الزمن باشرت الجزائر نظام التعددية السياسية كان لها ثمن باهظ سدد ضريبتها شعبنا بلا دعم ولا مساعدة من أي كان في العالم . وتتمثل التعددية السياسية في بلادنا عبر وجود ما يقارب الثلاثين حزبا سياسيا وبرلمان تعددي في أغلبيته وأقليته .كما تنعكس التعددية كذلك في حرية التعبير التي هي واقع يشهد عليه تنوع وسائلنا الإعلامية وجرأة نبرتها.وإنه لجدير بنا أن نعتز بانتمائنا إلى بلد تشكل فيه حرية الصحافة واقعا ملموسا بلد خال من أي سجين رأي أو معتقل سياسي . إن هذا لمكسب لافت ينبغي دعمه دوما لكي يظل مكسبا دائما” . وبعد 5 أشهر تم في مجلس وزراء ترأسه رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، يومي 11 و12 سبتمبر 2011 أعلن فيه عن إلغاء عقوبة حبس الصحفي والكثير من التشريعات للرقي بحرية التعبير والصحافة وتوسيع مجال الحريات وورد في البيان. «باشر مجلس الوزراء أعماله متناولا بالدراسة والموافقة مشروعا لقانون عضوي متعلق بالإعلام.يندرج النص هذا في إطار الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الدولة يوم 15 أفريل 2011 وقد أخذ بما أدلى به من اقترحات وعروض، كل من الشخصيات الوطنية، والأحزاب والجمعيات، وممثلو الصحافة الوطنية الذين شاركوا في المشاورات التي جرت قبل بضعة أسابيع. من ثمة إنه جاء بسياسة وطنية لحرية ممارسة النشاط الإعلامي في كنف احترام القوانين والقيم الوطنية. من هذا الباب، إنه يدعم حرية الصحافة المكتوبة، وذلك على الخصوص باقتراحه أن يكون الاعتماد وكذا أية مسألة ذات الصلة بالنشريات الصحفية مستقبلا من مسؤولية سلطة ضابطة للصحافة المكتوبة يعين نصف عدد أعضائها من قبل رئيس الدولة وغرفتي البرلمان، في حين يعين النصف الباقي من قبل الأسرة الصحفية.” ويأتي مشروع القانون العضوي بتكفل صريح بقضية الوسائط الإعلامية السمعية البصرية والوسائط الإعلامية العاملة على شبكة الأنترنت. وأما المجال السمعي البصري، فإنه تم اقتراح إحداث سلطة ضابطة تتولى التكفل به. كما تم اقتراح فتح النشاط السمعي البصري على أساس اتفاقية تبرم بين الشركة الجزائرية التابعة للقانون الخاص المعنية، والسلطة الضابطة للمجال السمعي البصري، يصدقها ترخيص يعطى من قبل السلطات العمومية. سيتم لاحقا إصدار قانون خاص يتعلق بالمجال السمعي البصري لاستكمال ضبطه. ينطق هذا النص بمبادئ منبثقة من القواعد القانونية العالمية ومن قيمنا الوطنية، ويقترح هيئة وطنية لأدبيات الصحافة وأخلاقياتها. والهيئة هذه التي ينتخب أعضاؤها من قبل محترفي الصحافة ستسهر على امتثال الوسائط الإعلامية للقواعد الأخلاقية. فضلا عن ذلك، يقترح مشروع القانون المسوغ القانوني لمساعدة الدولة للصحافة ويعزز جانب الصحافيين من حيث صون حقوقهم الاجتماعية والمهنية.أخيرا، يقصر النص أحكامه الجزائرية على المخالفات المرتبطة مباشرة بنشاط الصحافة لا غير، ولا ينص على أي عقاب بالحبس.