غرداية الأصل والكنز الدفين داخل روحها
هي الساكن والمسكن، سكنت غرداية المدينة الجوهرة روحها، وسكنت هي قصورها العتيقة، فكانت أزقتها التي نشأت وسطها كتابا مفتوحا على التاريخ تعلمت منها الشموخ، التحدي، الإصرار الثبات وإثبات الذات، فكما غرداية وجدت لنفسها مكانا في التاريخ الإنساني، تصرّ حنان رزقي على تحقيق الذات بطموحها الذي لا ينضب وتفاؤلها الذي لا ينقطع.
رغم أنها في العقد الثاني من العمر إلا أنها لم تترك فرصة للزمن ليلومها على شيء، تتقن فن استغلال فرص الحياة، حنان رزقي قصة امرأة غيرت صورة السيدة الغرداوية المنغلقة إلى أخرى متفتحة على نفسها وعلى غيرها لتتمكّن في سنّ صغيرة تحقيق معادلة التطور دون انسلاخ أو انحلال في الآخر، وتبث بنجاحها أن صحراءنا اكبر من ان نختصرها في رمال او «سروال مدور» أو «حايك».
بوادر النجاح.. تسطع في الأفق
لن نعرف هذه الشابة الفتية دون المرور من نقطة البداية المراحل الأولى من حياتها أين تتبلور شخصية الإنسان وتتضحّ معالمها، حنان الطفلة حملت داخلها حلما كبيرا بالنجاح، أملا دفينا في صناعة غد أفضل، لذلك كانت دائما من المتفوقين في دراستها، خاصة وأنها تعلّمت منذ نعومة أظافرها أن النجاح يحتاج إلى سلاح قوي لذلك جعلت من العلم والتعلم سلاحها السري لمستقبل زاهر.
لن تكون حنان الصغيرة مجرّد طفلة عادية بل كانت أناملها ترسم تفاصيل يومياتها باللونين الأبيض والأسود رغم أنهما اثنين فقط، إلا أن أصابعها الصغيرة جعلت من الوجوه التي كانت ترسمها لوحات فنية زادتها البيئة التي ترعرعت فيها وسط أزقة مدينة غرداية العتيقة لمسات سحرية تحمل تفاصيلها الدقيقة عبق الماضي وتاريخ إنسان، ولأنها تميزت بالنشاط
وتعدّد المواهب كان على والدتها أن تدخلها نادي لرياضة «الكراتي» أين تحصلت على الحزام الأسود، قالت حنان إنها لم تعرف وقت فراغ في طفولتها فإما رياضة أو مطالعة في النادي الخاص بهذه الهواية أو الرسم أو الدراسة، أظنها كانت ممن يجدون الـ24 ساعة غير كافية لتحقيق طموحاتها.
ولأن الرسم كان دائما هوايتها اللصيقة التي لا ترى غيرها يعبر عن أعماق حنان رزقي أثارت اهتمام أساتذتها في الثانوية، بل اقترح عليها أحدهم المشاركة في إحدى مسابقات الرسم التي نظمتها اليونيسكو، فما كان عليها سوى الإمساك بريشتها لترسم المدينة المتجذرة في الوجود الإنساني، غرداية التي كانت بالنسبة لها أكثر من مجرد بنايات وأزقة فهي كتاب مفتوح على التاريخ تروي جدرانها العتيقة قصة إنسان، وبالفعل تحصلت على الجائزة الأولى سنة 2008، عن لوحة جسدت ضريح الولي الصالح «سيدي المستجاب» الذي يرقد بهذه الولاية، كان عليها الانتقال إلى فرنسا للمشاركة في مسابقة أخرى لكنها فضلت البقاء لأنها بدأت التحضير لشهادة البكالوريا شعبة لغات، التركيز على الدراسة كان أولوية بالنسبة لها لأن حلمها في أن تكون مترجمة كان أكبر. بالفعل تحصّلت على شهادة البكالوريا لكن طموحها تحوّل من الترجمة إلى أستاذة تساهم في تربية الأجيال وتعليمهم.
حنان.. الدراسة، القيتارة والسياح
حملت داخلها هذا الحلم لتلتحق بالجامعة بغية التعمّق في دراسة اللغة الانجليزية ولم يكن مشوارها الدراسي في التعليم العالي أقل شأنا، مما سبقه بل كانت تدرس وتعمل مرشدة سياحية في أوقات فراغها بمدينة غرداية، ترافق السياح رفقة الدليل السياحي تشرح لهم تاريخ المنطقة بالانجليزية، تحكي لهم كيف استطاع الجزائري منذ القدم أن يثبت وجوده ويعيش في السلام مع الطبيعة..، تخرجت في 2013، لتبدأ مسيرتها المهنية كأستاذة لغة فرنسية لشهر واحد فقط في اكمالية وأستاذة لغة انجليزية لسنة كاملة، عملت خلالها في مختلف الأطوار التعليمية مع مواصلة تعليمها العالي بتحضير شهادة ماستر عن بعد التي تحصّلت عليها سنة 2016، طوال كل تلك المراحل لم تنسى حنان الرسم ولا تعلّقها بكل ما هو تقليدي، لأنه الجوهر الذي لا يمكن اقتلاعه منها والثابت الذي لا يمكن تغييره، طبعا لن تمرّ المرحلة دون أثر لهواية أخرى استهوتها، ففي الجامعة تعلمت العزف على القيتارة لتجتمع عندها الفنون التشكيلية، القتالية، العزف والخياطة والطرز لاحقا.
شغفها بالتعليم تحوّل إلى التجارة وممارستها دون الابتعاد عن هوايتها التي سكنت روحها وكانت منذ طفولتها شغفها الأول، لتفتح محلا لكراء مستلزمات العروس في 2015، أين وجدت أمامها عالما آخر لم تعرفه من قبل، ما سمح لها بالتعرّف وعيش الكثير من التجارب من خلال تعاملها اليومي مع الزبائن، ما أكسبها مع مرور الوقت ثقة بالنفس جعلتها تدخل مجال التصميم والإبداع بخطى ثابتة وواثقة، ما فتح أمامها مجال الإبداع في صناعة الاكسيسوارات وتصميم الأزياء تقليدية كانت أم عصرية لتضع في ما تصنعه أناملها روحها وحبها بلمسة أنثوية رقيقة أعطتها مع مرور الوقت بصمة خاصة بها، بالإضافة إلى عملها في بيع منتجات أدوات التجميل والمكملات الغذائية لشركات عالمية تعلّمت من خلالها طريقة التعامل مع الزبون وكسب ثقته أو بصفة عامة التسويق.
وسفيرة سلام في 2019
الإبداع والتميز كانا وراء إطلاق عرضها الخاص بالأزياء والاكسيسورات فكان الأول في 2018، بصالون العروس بـ»أرديس» والثاني في رمضان الماضي بفندق الجزائر الكبير مع المصممة بريكي حفيظة أين لاقى إعجابا كبيرا من المهتمين بهذا المجال، الطلبات الكثيرة من الزبائن استدعى فتح ورشة خاصة بها للخياطة والطرز ليكون فضاءها الحر في الإبداع ورسم كل أفكارها الملهمة لتجعلها في وقت وجيز حقيقة تلبسه العروس أو المرأة لتكون أنيقة ومتميزة فتكون حاضرة في كل مكان لوحة تنطق جمالا وحبا إلى جانب ديكورات قاعة الحفلات لمختلف المناسبات.
كما أسدت منظمة حركة السلام في القارة الإفريقية والأمانة العامة لاتحاد قبائل العرب وجمعية مفتاح وحلول للتنمية الاقتصادية وتنمية الدخل حنان رزقي وسام سفيرة السلام في 2019، نظير ما قامت به من عمل خيري
وتطوّعي لصالح الفئات الهشّة من المجتمع، وعن هذا اللقب ـ قالت قوتناالناعمة حنان ـ إن العمل الخيري الذي تقوم به يكون دائما في الخفاء لأن المحتاج يرفض التشهير به وحتى تحفظ كرامته رغم عوزه، فحتى ديننا الحنيف يوصي بمساعدتهم دون المن عليهم.
أما الخلطة السحرية التي حولتها إلى نموذج يحتذى به قالت حنان أن تشجيع الأب والأم كان له الدور الكبير والأساسي في بناء شخصيتها المتحمسة التي لا تنظر إلى الوراء أما المحفز الأول لتطوير الذات كان دائما حب الاطلاع على كل ما هو جديد.
وعن غرداية قالت انها منطقة متفتحة على الآخر مفتوحة الأفق سكانها حقيقة محافظون ومتمسكون بالعادات والتقاليد، لكنهم في المقابل يطبّقون المعنى الحقيقي للتطوّر فكانت المعرفة والفكر قاعدتا التطور في هذه المنطقة دون الاهتمام بالقشور كاللباس والانسلاخ عن الهوية، فهم يتقدمون لكن مع الحفاظ على خصوصيتهم
ومميزاتهم، لذلك لا ترى حنان أن التقاليد عامل مثبط في التطوّر بل العكس تعطي صاحبها ثقة وقوّة لأنه متميز عن الآخر. كما تحدثت حنان عن عامل آخر في صناعة الذات السفر وأهميته في حياة الإنسان لأنه سبب في تجديد الذات والانفتاح على الآخر، لأن الاحتكاك مع الثقافات الأخرى يعطينا نظرة مغايرة لذاتنا بمنحنا الأفق المفتوح، ما ينعكس إيجابا على شخصية المرأة بالتطوير الدائم لنفسها.
قريبا قناة على اليوتيوب لإبراز الثقافة الجزائرية
في ذات السياق ستطلق حنان رزقي قريبا قناة خاصة بالتقاليد الجزائرية على اليوتيوب ناطقة باللغة الانجليزية، تعمل من خلالها على إبراز كل ما هو جزائري بلغة يفهمها كل العالم. دافعها في ذلك غيرتها على كل ما هو جزائري التي تتميز بتنوع وثراء كبيرين فالتراث كنز دفين لا بد من إخراجه إلى العالم على عكس الدول المجاورة التي عرفت كيف تسوّق نفسها، لذلك في كل ما تقوم به حنان رزقي تبحث عن إظهار الوسم الجزائري لأننا كبلد نملك مقومات العالمية لم نتعلم بعد كيف ننقله إلى الآخر.