سوف تتعرى الوجوه البائسة من خلال شفافية الصندوق، إذا صدقت الإرادة ودخلنا في طريق ديمقراطي ومساره الطبيعي انتخاب رئيس كل الجزائريين بطريقة متحضرة وسلمية ستصل بالحراك مداه هو القضاء على صفحة مؤسفة في تاريخ الجزائر المعاصرة، هذا ما أكده المؤرخ محمد الأمين بلغيث في حوار لـ«الشعب»، والحلول معلومة وكثيرة ـ حسبه ـ «لكن علينا أن نسارع في طريق حوار جاد بين من يرضى عنهم الشعب بشخصيات نظيفة وأياد غير ملوثة بالتآمر على البلد واقتصاده وهويته».
الشعب: ما هي قراءتكم لخلفيات الحراك الشعبي الذي انطلق يوم 22 فيفري؟ وكيف تتصورون تطوره في قادم الأيام؟
المؤرخ محمد الأمين بلغيث: خلفيات هذا الحراك أو الثورة البيضاء ، هي:تراكمات مظالم وتعسف وغياب الشرعية الحقيقية التي ينادي بها الشعب الجزائري منذ القديم.
وهذه التراكمات تمثلت في انقلابات على إرادة الشعب تحت مسميات مختلفة لكنها في نهاية الأمر لم تصل إلى ما كان يصبو إليه الشهداء وأبناء هذا الوطن.
الحراك أو مظاهرات واحتجاجات ما قبل 22 فبراير 2019 كانت تعبيرا عن رمي التحفظ والخوف الذي صنعته »البروبغندا« طيلة أكثر من أربعة عقود أو أكثر/ هو تخويف الناس من الفتنة تارة باسم التدخل الأجنبي في شؤون الجزائر، حامية الحمى، وتارة باسم المؤامرة في الداخل والخوف من تقسيم البلد من طرف أطراف محلية تشجعها دول إقليمية وغربية تحت مسميات وأهداف مختلفة.
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هو قدوم القوى غير الدستورية وباسم رئيس متعب ومريض منذ نهاية 2013 وتحت أنظار العالم وتحت ركوع أزلام النظام إلى صورة كبيرة تقدم حتى للشخصيات الدولية من طرف أعلى هيئة حكومية، مما جعلنا أضحوكة عالمية، القشة هي قدوم فلول النظام بتقديم بوتفليقة ورشحوه لعهدة خامسة أضحكت العالم المتحضر من نفاق وفساد هؤلاء اللصوص وخونة الأمانة وخونة الشهداء.
لكن الثابت ولا يجهل علينا الناس أن الأمر بدأ بالذباب الالكتروني التي تسيطر عليه القوى غير الدستورية ومن ورائهم الجنرال توفيق وزبانيته، »عائلة الرئيس المخلوع، بوتفليقة، ورجال المال الفاسد وسُرَّاق البلد وأحلام الصغار والكبار.
لكن انقلب السحر على الساحر وتحولت المؤامرة إلى ثورة رائعة لم تعرف لها البشرية نموذجا خاصة جمعة 8 مارس2019م التي قدر الملاحظون أعداد الجزائريين الذين خرجوا عبر الوطن بـ22 مليون من مختلف الأعمار والحساسيات والتقوا في ساحات المدن والقرى وعبروا برأي واحد وشعار واحد لا «لبيع الوطن» «لا لبوتفليقة والسعيد».
وكانت الشعارات متعددة وواضحة ووضع الشعب كل الفاسدين في سله المهملات بل وفي مزبلة التاريخ.
- بين الأسبوع الأول المتزامن و22 فيفري إلى الأسبوع الثالث عشر الذي تزامن و17 ماي الجاري ماذا تغير؟ وتم رفع عديد الشعارات المطالبة بالتغيير الجذري للنظام، وكذا الموجهة إلى المؤسسة العسكرية، ما هي قراءتكم؟
الحراك في أسبوعه السادس كان متناسقا في شعاراته هي ذهاب كل رموز بوتفليقة ومشتقاته بدأت بالبــــاءات الثلاثـــــة «بن صالح، بلعيز ، بوشارب» ثم صعدت المطالب من: «تتنحاو قاع» إلى المحاسبة، وشعار الحراك السلمي أو ثورة الابتسامة «كليتوا البلاد يا السراقين»، يرددها الصغير قبل الكبير، ومن مختلف أطياف الحراك، ولم تظهر أي إشارة سوء نظرا لمصاحبة الجيش للحراك وتفهم مطالبه لأنه هو المؤسسة الدستورية الوحيدة التي بقيت محافظة على الاحترام والتحفظ مما فعل السياسيون من تخريب للضمائر ونهب للمال العام، بل وشبهة العمالة للخارج وفرنسا تحديدا، والشباب والشيوخ الذين خرجوا طوال هذا الحراك يعرفون رموز الشر في هذا البلد أو كما سمتهم قيادة الأركان«العصابة»والعصابة أو القوى غير الدستورية أصبحت معلومة وكثرت التحاليل والانطباعات والناس في حراكهم صامدون وللعصابة كارهون، والذي زاد الحراك زخما وتطورا دخول الطلبة الجامعيين تقريبا كل يوم في حراك يومي مع شعارات هادفة وواضحة.
أما بالنسبة للشعارات الموجهة إلى قيادة الأركان وعلى رأسها القايد صالح فهي مرحلة كبيرة، لأن الناس ينتظرون أن يكمل مساره ووقوفه وتعهده بتطهير البلد من اللصوص والمجرمين واسترداد المال المنهوب، لكن الذي لم تدركه أعين الناس أنهم ما كانوا يحلمون يوما أن يشاهدوا رموز بيع البلد ونهب ماله، وقائمة مجرمي المرحلة طيلة ثلاثة عقود مضت.
من قام بتشجيع العدالة؟ وهل يتصور عاقل أن يقضي واحد من هؤلاء الذين دخلوا السجن يوما قيلولة من ربع ساعة في سجن الحراش، لولا تدخل الجيش الذي يملك أدلة تآمر هؤلاء لا على المال العام فحسب بل على أمن البلد وحريته ومقوماته.
- الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 4 جويلية، ليست محل ترحيب من قبل الطبقة السياسية التي رفضت المشاركة في الحوار الذي دعا له رئيس الدولة، ما مدى أهمية هذه المحطة؟ وهل إرجاؤها في ظل هذه المعطيات خيار حكيم؟
أعتقد أن انتخابات 4 جويلية ضحك على الذقون وتمسك غريق بقشة في محيط عميق، لكن قيادة الجيش تسعى إلى ان تؤدي مهمتها الدستورية وعدم اتهامها بانقلاب عسكري أو ما شابه هذا، ويبدو أن مؤشرات قبول فريق أو شخصية توافقية غير مستبعدة مع تنحية بن صالح ، وحكومة بدوي، لهذا جاءت رسالة طالب الإبراهيمي مبشرة بأمل جديد منتظر وتوافق بين تقديرات الجيش وعواطف ومطالب الشعب الذي يملك الشرعية كاملة في اختيار حكامه.
إن الشعارات المنادية والمجرحة للجيش خطر محدق بالبلد لأن هذا الجيش هو الذي رافق الحراك إلى مداه، لهذا الصبر كفيل بوصول الحراك إلى مطالبه والجيش يعلم قبل غيره من يريد استفزاز الجيش بالجماهير التي ملت الانتظار.
- أصدر أحمد طالب الإبراهيمي وبن يلس وعلي يحيى بيانا دعوا من خلاله إلى الحوار؟ ما رأيكم في مثل هذه المبادرات؟ وما هي الحلول التي تجنب الانسداد؟
أحمد طالب الإبراهيمي رجل حكيم من الزمن الجميل، ولا يعترض عليه إلا «الخلاطين»، بلغة شعبية جزائرية ، فالرجل تجاوز التسعين ولا يسعى إلا للمساهمة في الجمع بين الجيش وسمعته كمؤسسة حامية للدستور وسيادة البلد وبين مطالب شعبية هي مصدر كل السلطات، لهذا الجيش يملك مفاتيح العملية السلمية، ويعرف من يتلاعب بالجماهير الغاضبة، من أصحاب الكولسة والذين يعرفون أن أصحابهم الآن في السجون، وسوف تتعرى الوجوه البائسة من خلال شفافية الصندوق إذا صدقت الإرادة ودخلنا في طريق ديمقراطي ومساره الطبيعي انتخاب رئيس كل الجزائريين بطريقة متحضرة وسلمية ستصل بالحراك مداه هو القضاء على صفحة مؤسفة في تاريخ الجزائر المعاصرة.
ولا يتأتى هذا إلا بإتباع طريق العدل، والعلم والعقل والموصل إلى نجاة شعبنا ودولتنا من المغامرين وعملاء الداخل قبل الخارج.
الحلول معلومة وكثيرة لكن علينا أن نسارع في طريق حوار جاد بين من يرضى عنهم الشعب بشخصيات نظيفة وأياد غير ملوثة بالتآمر على البلد واقتصاده وهويته.
- كلمة أخيرة
أحلى سمفونية رفعها الحراك ستبقى خالدة خلود شعبنا الحر«فرنسا عدو الماضي والحاضر والمستقبل» وهي تترجم مقولة الشهيد العربي التبسي رحمه الله/ من عاش منا فليحمل كراهيته وحقده على فرنسا ومن مات منا فليحمل هذا الحقد والكراهية إلى قبره».