العقيد عميروش كان له الفضل في تكوين الإطارات للجزائر المستقلة
كان أحد جنود الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في تونس، الكويت والولايات المتحدة الأمريكية رفقة زملائه الطلبة الذين إختارتهم جبهة التحرير الوطني لمواصلة دراستهم بالخارج، ليكونوا إطارات الدولة الجزائرية المستقلة.. إنه المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 03 الدكتور عمار بوحوش، الذي يبرز لنا في هذا الحوار الدور الذي لعبه الطلبة في خدمة الثورة والتعريف بأهدافها بأمريكا.
- الشعب: بداية من هو الطالب عمار بوحوش وكيف التحق بالثورة والدراسة في الكويت ثم الولايات المتحدة الأمريكية؟
الدكتور عمار بوحوش: كنت طالبا في معهد عبد الحميد بن باديس منذ سنة 1952 إلى غاية 1956، كان الطلبة ينظمون المؤتمرات والندوات ولقاءات في دار الطلبة بقسنطينة لأنها هي التي كانت تأوي جميع الطلبة الذين يدرسون بالمعهد. عند اندلاع الثورة التحريرية، بدأ العديد منا في السعي للإلتحاق بها بأية طريقة. كانت الخلية الأولى التي نسميها خلية عبد الحميد بن باديس تتكون من زملاء محترمين منخرطين في هذه المنظمة مثل علي بوداود، بوسة عبد الرحمان، الهاشمي هجريس وآخرين.
في البداية كان دورنا توزيع المنشورات، ونظرا لصغر سني حوالي 16 سنة عام 1956، لم يسمح لي بالمشاركة في هذه المهمة، كان الطلبة يقومون بهذا العمل تحت إشراف أستاذ بمعهد بن باديس يدعى إبراهيم مزهودي كان مشرفا على خلية الطلبة وبالموازاة كان أساتذة آخرين ينشطون لصالح الثورة منهم محمد الميلي الذي كان وزيرا للتربية والتعليم، إبراهيم بوغابة، محمود حمروش، طاهر حراف، وأشير هنا إلى وجود عدة أنواع من الطلبة هناك من يجمع التبرعات لفائدة جبهة التحرير، وهناك من يرغب في التدريب وآخرون يريدون العمل في المدينة لتبليغ المناشير.
في 1957، قررت الجبهة إرسال فرقة من الطلبة للإلتحاق بجيش التحرير مثل محمد الصالح يحياوي، علي مجيد، بوداود، عمار بن جامع وعبد المجيد تريكت، عشرات الطلبة أرسلوهم بالضبط إلى قالمة حيث انطلقنا إلى تونس، لأن السلطات الفرنسية تعرفت على العديد منا. وسبب إلتحاقي بجيش التحرير في تونس هو أنني قمت بحرق مكتب القايد الطاهر بومالي بقريتي دوار تمنجر بالميلية في جيجل وكانت بالنسبة لي بداية للتخلص من الإدارة الاستعمارية، فأصبحت متابعا ولم يتم قبولي في الفرقة لأنني كنت صغيرا فالتحقت بتونس.
الدكتور نقاش محمد الصغير دربنا على الجراحة الطبية
- ماذا حدث بعدها، هل من تفاصيل مهمة للتاريخ الوطني، لإطلاع الأجيال عليها ؟
في تونس كان يشرف على مكتب جيش التحرير الأستاذ أرزقي بوزيدة ويسجل أسماء الطلبة الذين يلتحقون بالجيش في باب البحر بتونس حيث التحقنا بالثورة هناك، و قرروا إرسالي للتمريض نظرا للنقص في هذه المهنة وكان عدد كبير من المتطوعين بالجيش الذين كانوا يتدربون في مدينة باجة وغيرها من المدن التونسية، حوالي 24 جنديا أرسلونا للتدريب في الزاوية البكرية بمدينة تونس بناحية الحلفاوين. تدربنا من جويلية 1956 إلى غاية ديسمبر 1956 على مهنة التمريض وكان الطبيب الذي يكوننا على عمليات الجراحة هو الدكتور محمد الصغير نقاش، وكان يشرف على المدرسة الطيب بوحوش من سوق أهراس، الذي كان يدربنا على الإبر والإشارات.
آنذاك جاءت بعثة من مدينة «توزر» بجنوب تونس، لإقامة مستشفى عسكري للجنود الذين يأتون من الجزائر لأن العاصمة التونسية كانت ممتلئة. فقررت قيادة جيش التحرير إنشاء مركز لهم بجنوب تونس، فرقتنا كانت تتكون من الشهيد علي بوسحابة مدير المستشفى والمتحدث عمار بوحوش نائب مدير والشهيد عمار الباز من تاكسنة والشهيد عتيق محمد الصالح من الميلية. اشتغلنا هناك لمدة وجيزة، وفي ربيع 1957 وقع سوء تفاهم بين الطالب العربي الذي كان يشرف على حوالي 300 جندي بمنطقتنا والقيادة الجديدة بقيادة عبان رمضان، فقررت هذه الأخيرة ضم جنود الطالب العربي لها، افترقنا في هذه السنة حيث ذهبت أنا إلى تونس العاصمة لجلب الأدوية، ورفقائي الثلاثة إلتحقوا بالثورة داخل الجزائر واستشهدوا في معركة بخنشلة عام 1957.
- لماذا تقرر إعادتكم إلى الدراسة من جديد؟
عندما تعذر عليَّ الرجوع إلى مستشفى توزر، قررت القيادة عام 1957 انتهاج سياسة جديدة للطلبة الذين تجندوا ولم يصلوا إلى سن العشرين، فوقع علينا الإختيار للعودة للدراسة تحت إشراف جبهة التحرير بإعطائنا المنح وجميع المساعدات لمواصلة الدراسة في جميع فروع إتحاد الطلبة. وكان السباق لهذا العقيد الشهيد عميروش، الذي وفر للطلبة الذين ينتمون للولاية الثالثة الغذاء والمصروف.
في 1957 عاد جميع الطلبة للدراسة خاصة الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في أوروبا بفرنسا، وسويسرا وتم البحث لهم عن منح من طرف المنظمات الدولية، فأنا درست في تونس إلى غاية أكتوبر 1958 انذاك قررت جبهة التحرير إعطاءنا منح في الخارج. فوقع علي الإختيار لأكون في ثانوية الشويخ بالكويت، وهناك قمت بإنشاء فرع لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين برئاسة محمد شعبان وعبد العزيز مشري وأنا كنت أمين المال.
واصلنا الدراسة إلى غاية 1960 عندما تخرجنا من ثانوية الشويخ، كان من المفروض إرسالنا للحدود التونسية والمغربية لتعليم أبناء اللاجئين الجزائريين لكن الخطة تغيرت وقررت الجبهة إرسالنا إلى الخارج، أنذاك استخرجوا لنا جواز سفر تونسي وأرسلونا إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنا حوالي 17 طالبا، لكي نتكون ونعود كإطارات للدولة الجزائرية المستقلة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية من سنة 1960 فما فوق كنا مجندين لخدمة الثورة الجزائرية والتعريف بعدالتها لدى الراي العام وكسر الدعاية الفرنسية وتضليلاتها.
أيام لها تاريخ بواشنطن مع شندرلي، بوجقجي، محمد يزيد وأيت الحسين
- أي نشاط لكم في فرع الولايات المتحدة الأمريكية؟
كنا ننفذ ونطبق سياسة جبهة التحرير والحكومة المؤقتة، بحيث نتلقى التعليمات ويشرف علينا رئيس بعثة جبهة التحرير الوطني بمدينة نيويورك عبد القادر شندرلي، والسكرتير العام رؤوف بوجقجي وكان محمد يزيد ومحمد أيت الحسين، دورنا في الجامعات الأمريكية لم يقتصر على الدراسة فقط وإنما نقوم بتبليغ رسالة الثورة الجزائرية إلى الأمريكيين، كنا ننظم ندوات، لقاءات، محاضرات ومؤتمرات سنوية، أول مرة رفعنا العلم الجزائري وعقدنا المؤتمر الثاني لإتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين الذي دام أسبوعا في مدينة «ريجفيليد كونكتيكد» في نيو انقلند بشمال الولايات المتحدة ، شكلنا لجنة جديدة لفرع إتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين وفيها تم إنتخاب المرحوم رشيد بن أعمر رئيسا، محمد أبركان نائب الرئيس، ونور الدين أيت الحسين أمين عام وعمار بوحوش أمين المال.
ومن هناك بدأنا نشتغل على برنامج تطبيق سياسات جبهة التحرير الوطني في الجامعات الأمريكية، كنا دائما بالتعاون مع الطلبة الأمريكيين الذين أعطونا المنح وبالتنسيق مع وزارة الخارجية الأمريكية نحاول مع السيناتور من ولاية ماسشوست «جون إيف كينيدي» إعطاءه معلومات عن الثورة وتمكينه من التعرف على ثورات التحرير في إفريقيا والجزائر واحدة منها، وكيف أن حركات التحرير ضرورية لتحرير العالم من العبودية.
في البداية كان كينيدي في مجلس الشيوخ ومعه «وليام فور برايت» وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، هنا الطلبة الجزائريين لعبوا دورا كبيرا من سنة 1958 إلى 1962 مع هاتين الشخصيتين الأمريكتين كينيدي إنتخب سنة 1960 كرئيس وأصبح يدعم الثورة الجزائرية بحرية ووضوح، وفور برايت كنا نتابع معه العلاقات الخارجية وخاصة حروب التحرير، كنا ندفعه لمساعدة هذه الحركات من ضمنها الجزائر.
- كيف نجحت جبهة التحرير في هذه السياسة وتغيير الموقف الأمريكي من خلال شخصيات لها وزنها ككينيدي مثلا؟
كانت سياسة جبهة التحرير الوطني، تقوم على عدة محاور أولا وهو الأساس القيام بإستدعاء أساتذة وشخصيات عربية ودولية لإلقاء محاضرات عن الثورة الجزائرية في الجامعات الأمريكية، والتعريف بقضيتنا وثانيا الضغط على الحكومة الفرنسية لكي تخفف المساعدات المالية والعسكرية للجيش الفرنسي في إطار الحلف الأطلسي، كان دورنا الأساس هو تبيان أن المساعدات الأمريكية تذهب لتقتيل الجزائريين ونجحنا في هذا، لأنه بفضل هذه السياسة وتوضيحها للرأي العام الأمريكي والحكومة الأمريكية كانوا يخففون من المساعدة العسكرية والمالية وصارت فرنسا مترددة في دعم الحكومة الفرنسية، وبالتالي حينما انخفضت هذه المساعدات اضطرت فرنسا للتفاوض مع الجزائريين، وهي حقيقة يغفل عنها الكثيرين.
والمحور الثالث لجبهة التحرير هي محاولة إزالة مخاوف الأمريكيين بأن الثورة الجزائرية ثورة شيوعية أو تساندها الشيوعية العالمية، قلنا لهم أننا حركة تحرير وطنية هدفنا تحرير الجزائر من الإحتلال الأجنبي ولسنا حركة شيوعية، فإقترح علينا المرحوم عبد الحميد مهري الذي كان وزيرا للثقافة والشؤون الإجتماعية بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، تبنى الفكرة والتفاهم مع الأمريكيين بشأنها وهي أننا بدل أن تظل هذه التهمة ملتصقة بنا على أننا شيوعيين، أن ننشئ وحدة فيدرالية شمال إفريقية، ولهذا تم عقد مؤتمر طنجة في 1958 برئاسة عبد الحميد مهري وأصبحنا نعمل في إطار وحدة شمال إفريقية إلى غاية الإستقلال وبذلك أصبح الأمريكيون يثقون بنا وتبددت مخاوفهم.
والمحور الرابع يتعلق بإعطاء إنطباع للشركات البترولية الأمريكية بأنه حين تتحرر الجزائر، سيكون لهذه الشركات نصيبا وقدما في الصحراء الجزائرية وتستفيد من عمليات التنقيب عن البترول، شجعناها ونجحنا وكان الأمريكيون يأخذون الطلبة الجزائريين الذين يدرسون الهندسة البترولية ويدربونهم في شركاتهم البترولية منهم نور الدين أيت الحسين الذي أصبح مديرا لسوناطراك، رشيد بستاني كان مسؤولا عن مصفاة البترول في العاصمة، بشير قسيس كان مهندسا ويسير شركة سوناطراك في سكيكدة، عبد اللطيف نعاس، عبد الله شكيري، وعشرات المهندسين الذين تدربوا في الشركات الأمريكية واستفادت منهم الجزائر بعد الإستقلال في تسيير الشركات الوطنية بعد مغادرة الفرنسيين.
علما أن الكثير من المستشفيات الأمريكية سمحوا للجرحى الجزائريين للذهاب للمعالجة في أمريكا بمستشفيات نيويورك وعندما أطلق سراح الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي من السجن جاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1961 ومكث هناك بسفارة الجزائر.
80 طالبا فرع الولايات المتحدة غيروا مجرى التاريخ
- كيف تم تغيير اسم الاتحاد العام للطلبة ومتى؟
أشير هنا إلى أنه حين قرر الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بصفة عامة في عام 1964، عقد مؤتمره الرابع في الجزائر العاصمة كنت أحد الممثلين للطلبة الجزائريين في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمت إلى الجزائر وعقدت هذا المؤتمر وتم انتخابي عضو اللجنة المديرة للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، كنا ثلاثين طالبا.
وفي تلك السنة (1964) تم تغيير اسم إتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين إلى الاتحاد العام للطلبة الجزائريين نزعنا حرف»الميم» لأن الجزائر أصبحت مستقلة، الطلبة شاركوا في الثورة وقاموا بواجباتهم كما ينبغي بدليل حوالي عشرين إطارا من الدولة الجزائرية غداة الاستقلال كانوا من الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين مثل الأخضر الإبراهيمي، محمد خميستي، محمد الصديق بن يحيي، صالح بلقبي، الدكتور محمد أمير الذي كان أمين عام الرئاسة،(عمار بوحوش) المتحدث، لمين خان، بلعيد عبد السلام، بلاوان الذي كان رئيس الهلال الأحمر الجزائري، وعشرات الطلبة مثلما خططت الجبهة أنهم يذهبون للدراسة في الخارج ويعودون لتطوير الدولة الجزائرية فكان ذلك بحصولهم على مناصب عليا في الدولة، ومنهم من عوض فراغ ذهاب الأجانب من الشركات البترولية في الصحراء مثل عبد الرحمان ميقاتلي الذي كان مدير البحث العملياتي في مؤسسة سوناطراك بالصحراء، شريف فايضي الذين درسوا بالولايات المتحدة الأمريكية.
19 ماي 1956 رمزية الوحدة الطلابية
- يقول عبد القادر نور في كتابه عن الطلبة أن 19 ماي 1956 يعبر عن رمزية الوحدة الطلابية لا عن أول إلتحاق للطلاب الجزائريين بالثورة، وقد أسيء فهمه وتم إقصاء جميع الشرائح الأخرى بقصد أو غير قصد، ما قولكم؟
هذا فيه شيئ من الصواب والحقيقة، فكرة إنشاء اتحاد الطلبة الجزائريين منبعها الطلبة الذين كانوا يدرسون بالجامعات الفرنسية مثل بلعيد عبد السلام، رضا مالك، الفكرة تم تداولها لإلتحاق الطلبة بالثورة التحريرية، وبجامعة الجزائر تم انشاء هذا الاتحاد بمبادرة من الطلبة وليست جبهة التحرير، المشاركين في الخلية الاولى لإنشاء هذا الاتحاد هم الذين درسوا في الجامعات الفرنسية وجامعة الجزائر ومعروفين وبارزين وهم لمين خان، صالح بلقبي، محمد الصديق بن يحيي، الأخضر الإبراهيمي.
نحن في معهد ابن باديس كان لنا خلية لكننا لم نكن بارزين، عدد كبير من طلبتنا إلتحقوا بالثورة، توحدنا بهدف الاندماج في جبهة التحرير ونقوم بالحركة الطلابية للتغلب على قوات الاحتلال الفرنسي، وكانت هي الخلية الأولى، نشط الاتحاد في فرنسا لأنه لا يستطيع القيام بذلك في الجزائر بسبب مضايقة الادارة الاستعمارية وقد تبعتهم إلى فرنسا، فإنتقلوا إلى سويسرا مقرهم بمدينة لوزان ثم الى تونس وبقي أعضاء الإتحاد ينشطون الى غاية الاستقلال.
الثورة وظفت هؤلاء الطلبة البارزين في جبهة أو جيش التحرير، فروع الاتحاد بالدول العربية والأجنبية لعبت دورا كبيرا، منها فرع الولايات المتحدة الامريكية في مدينة فيلادلفيا بجامعة بنسلفانيا وكان محمد أبركان الذي أصدر نشرية لتنظيم مظاهرات كل يوم الأحد نندد فيها بالاستعمار الفرنسي، قمنا بالمؤتمر الثاني في 1961 ومؤتمر اخر بمدينة كولورادو تحت إشراف شريف قلال سفير الجزائر بواشنطن، نجحنا وصارت الولايات المتحدة تنحاز للثورة الجزائرية تدريجيا لغاية انتخاب جون كينيدي. وأشير إلى أن منظمة الطلبة العرب بأمريكا كانت تضم 41 فرعا كنا نشارك معها في تبليغ رسالة جبهة التحرير للأمريكيين.
- لماذا تغييب لدور طلبة الزوايا ومعاهد ابن باديس في الكتابات؟
لابد من فهم نقطة أساسية عن حركة الطلبة، هؤلاء كانوا يمثلون الشباب بالجامعات الغربية وينشطون هناك، وكانوا بارزين في حين الباقي منهم لم يكونوا بارزين، عملهم تطوعي فقط، لكن كل الشباب شاركوا في الثورة لا أحد ينكر دورهم.
- هل كان لكم احتكاك بالتنظيمات الطلابية الاخرى كرابطة الطلاب بالمشرق وأوروبا؟
في القاهرة كانوا يسمون أنفسهم رابطة طلاب شمال افريقيا كان معهم المغاربة والتونسيين، كانوا يتدربون مثل الذين كانوا يشتغلون في صوت العرب مثل عبد القادر نور، لمين بشيشي، محمد خمار، زيدان، سعد الله، حمانة، محمد بورغام كان بارز في القاهرة، بومدين، الهادي حمدادو، بشير قسيس لعبوا دورا كبيرا، عثمان سعدي كان يشتغل مع مكتب جبهة التحرير بالقاهرة مع تيجاني هدام، وبسوريا كان علي بن محمد، عمار بن سلطان، وغيرهم.
في المشرق كانوا ينشطون مستقلين نسبيا عن الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، هم من رفعوا اسم الجزائر في الدول العربية وصوت العرب كان يتغذى منهم، كانوا دعامة كبيرة لجبهة التحرير، في أول نوفمبر 1958 دربنا على نشيد قسما محمد فوزي لكي نقوم بإنشاده أمام الرئيس المصري جمال عبد الناصر في جامعة القاهرة بحضور توفيق المدني وممثل الحكومة المؤقتة في مصر، الفضل يعود لمحمد فوزي في تدريبنا على نشيد الثورة الجزائرية في صوت العرب لمدة أسبوعين ونحن نتدرب.
- كيف هي ظروف الطلاب الجزائريين بالمشرق وأوروبا ؟
بكل صراحة نحن الذين ارسلتنا جبهة التحرير الوطني للدراسة في الخارج، كان لدينا منح في الولايات المتحدة الامريكية كان كل طالب مجبرا على دفع خمسة دولارات من منحته لجبهة التحرير الوطني وترسل إلى رئيس الهلال الأحمر الجزائري في تونس بن با أحمد، عن طريق بنك أمريكي اسمه «مورقن تروس كومباني» إلى لوزان ثم تونس ولدي كل الوثائق التي تثبت ذلك، والذي لا يدفع يطرد وبفرنسا كانوا يدفعون ثلاثة آلاف سنتيم، كانت عملية منظمة، الطلبة العرب كانوا يتبرعون لنا بأموال وملابس للثورة الجزائرية، ترسل للهلال الأحمر الجزائري في تونس ليوزعها على اللاجئين الجزائريين وكنت على اتصال مع منظمة امريكية التي تزودنا بملابس لإرسالها إلى تونس.
- كان هناك صراع بين الجناح الطلابي الجزائري الفرنكفوني من أجل حرف «الميم» التي تعني مسلمين، بحيث كان الرفض قاطعا من طرف الإتحاد الوطني للطلبة الجزائريين لظهور هذا الحرف في الشعار المحدد لهوية الطلبة، لماذا؟
رضا مالك صاحب فكرة إقحام حرف «الميم» لتمييز أنفسنا بين أبناء المستوطنين والفرنسيين، بلعيد عبد السلام، لمين خان، بلقبي حاصروا الطلبة الجزائريين الذين رفضوا إدخال حرف «الميم» لأنها حسبهم تقصي الأوروبيين، وكان من المعارضين لإدخال فكرة «ميم في الاتحاد محمد حربي وجماعة كبيرة وتم عزلهم والقضاء عليهم، لأنها تغضب اليسار والأوروبيين والشيوعيين، فكرتهم لا يسمحون لقوة غير مسلمة لاختراق الاتحاد والتشويش عليه.
- ما مصير زملائكم الطلبة بعد الاستقلال؟
الكثير منهم تقلد مناصب عليا في الدولة، لكن أغلبية كبيرة من المهندسين اشتغلت في شركة سوناطراك وقد أوردت أسماؤهم في كتابي»شاهد عيان على مشاركة الطلبة في ثورة التحرير الجزائرية»، منهم جمال حوحو، بغلي، بلاوان، بوربيع، حسين بن معلم، عبد الرحمان بوراوي، عبد الله شكيري، رابح تركي، عميار لخضر، عميروش حمو، حسان كحلوش، بكير باباهم، بن ميلود، بن درسوا، بن يوسف، بوشلخة محمد بروفسور رياضيات مشهور، بوقرة سليمان، بوطالب جيلالي، شعبان محمد، شكيب خليل، حاج سليمان، حرشاوي، قسيس بشير، كاتي أحسن، قورصو أحمد، نجار إبراهيم، رابحي محمد، بوزار، صايجي، وآخرون مثل محمد أمير، محمد الصديق بن يحيي، محمد خميستي، أبو القاسم سعد الله.
توجد قائمة كبيرة كنا 80 طالبا في الولايات المتحدة الأمريكية، في فرقتي استشهد ثلاثة الذين التحقوا بالثورة في الداخل وهم عمار الباز، علي بوسحابة، عبد الحميد بن عتيقة وأنا بقيت حيا، فكرة عميروش في تكوين الإطارات نجحت 100 بالمائة.
- معظم الكتب تقول ان الالتحاق الفعلي للطلبة كان بعد إضراب 19 ماي 1956، هل كان هناك التحاق منذ اندلاع الثورة سريا؟
مئات الطلبة التحقوا قبل هذا التاريخ، مثل قتال الوردي كانوا طلبة بمعهد ابن باديس حتى من المشرق أتوا عن طريق تونس والمغرب، لم يكونوا في اتحاد الطلبة، الفرق بيننا نحن دخلنا بطريقة منظمة كان فيه تأطير وتوفير الإمكانيات واستخراج جواز السفر، لمواصلة الدراسة لأن الجنود كثر وقلة الأسلحة، واستشهد الكثير من الطلبة خدمنا الجبهة بإخلاص وهي خدمتنا وأوصلتنا لما نحن عليه، النظام هو الأب الذي يحمينا من مطاردة الاستعمار حققنا الهدف المشترك وهو الاستقلال.
إصدار عصارة جهد 5 سنوات
- كتاب «شاهد عيان على مشاركة الطلبة في ثورة التحرير الجزائرية 1954-1962»، يعد بمثابة مصدر مهم للباحثين والطلبة لتغطية النقص في هذا المجال بالمكتبات، حدثنا عنه ؟
استنادا للآية القرآنية من سورة البقرة «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم» صدق الله العظيم، في البداية لم أفكر في كتابة تجربتي وتجربة الطلبة الجزائريين في المساهمة في تحرير الوطن لأن الشيء المهم أننا تحررنا، غير أن تهافت بعض الطلبة السابقين في الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وخاصة الذين كانوا يدرسون في الجامعات الفرنسية أو جامعة الجزائر والذين أعطوا انطباعا للرأي العام بأن المثقفين باللغة الفرنسية هم وحدهم الذين انفردوا بالانتماء إلى الثورة وانخرطوا في جبهة وجيش التحرير الوطني، وأهملوا دور الطلبة المعربين في الجزائر أو الخارج في تحرير الوطن وكانوا المادة الخام للثورة هو من دفعني للكتابة لإنصاف الحقيقة.
ميزة هذا الكتاب الذي تطلب إنجازه خمس سنوات، أن من دونه مؤرخ وأستاذ له منهجية في الكتابة ومشارك في الثورة، واستطعت إعطاء فكرة عن نشاط الطلبة بالولايات المتحدة الأمريكية وأظهرت دورهم، وتركت للشباب القادم معلومات عن جيل أول نوفمبر 1954 كطلبة، اعتبره انجاز كبير وإضافة للمكتبة الوطنية، اعتمدت فيه على وثائق.
كتابي جاء لسد الفراغ في هذا المجال وبينت الوجه المشرف للطلبة في الثورة، لا يستهان بمشاركتهم في تحرير الوطن وعلى الاجيال القادمة ان تتذكرهم وتعرف قيمة مساهمتهم، والكثير منهم استشهد.
- اليوم نحن نعيش تحديات إقليمية ودولية، ما موقع طلبة اليوم ؟
الأمور الآن تغيرت اصبح الطلبة مشتتين مقسمين فكريا وميدانيا، صاروا عندهم اهتمامات أخرى غير العمل الوطني، نحن كان لنا هدف واضح وهو تحرير البلاد اجتمعنا حوله، اليوم الجزائر مستقلة ما يشغلهم الحصول على منح وشهادات ومواصلة الدراسة والبحث عن الوظائف.
للأسف المشكل عدم استغلال الطاقات الجزائرية وتوظيفها بفعالية، ولهذا الطالب الآن صار محبطا كثيرا لان العدد غزير والمناصب قليلة، فصاروا مبعثرين ولا يجدون ما يحفزهم على خدمة مجتمعهم المعاصر، فيه تشتيت للطاقات ما دفع أدمغتنا للهجرة، لدينا الفلسفة خاطئة نهتم بالأفراد كأفراد ولا نهتم بالجمعيات المدنية التي تقوم بخدمة الاختصاصات والمواهب والحرف والمجتمع بمختلف شرائحه.
لا نركز على هذه الجمعيات ولا نمكنها من تقديم الخدمات ورفع المعنويات وصار الفرد يصارع بمفرده المشاكل بينما الدول الأخرى المنظمات، هي التي تفسح المجال للطالب وتحفزه وتمنح له الجوائز لكي ينجح وتبحث له عن مهنة في إطار تخصصها، هي التي تساعده على التدرب اذا كان نقص لكي يحصل على مهنة ويصبح له دور اساسي للمساهمة في النهضة لأن التدريب هو أساس الحصول على الوظائف، حتى في التدريب يدربون بطريقة سيئة.