قـــراءة تحليـليــة في البنى السيكولوجية والاجتمـاعيـة
ارتأيت وجوبا مني أن أبدأ مقالي بقول المفكر السياسي «كارن روس» في كتابه «الثورة بلا قيادات، أفكار تطهيرية نابعة من خيبة الأمل»: ان الشعب هم أفضل من يقفون على واقع ظروفهم ويجب أن يكون القرار بشأن مستقبلهم لهم ويستحيل على أي نظام معزول عن دائرة الشعب ان يفهم المعاش النفسي والاجتماعي لامته.
وهذا ما يقودني الى طرح وابل من الإشكاليات النفسية والاجتماعية حول الحراك السلمي الجزائري والتي حتما سوق تقض مضجع المنظرين في علم النفس الاجتماعي السياسي من خلال ضرورة اعادة مراجعة الادبيات السيكولوجية والسيوسولوجية الكلاسيكية للحراك الجماهيري والتأسيس لمقاربة جديدة لسيكولوجية الحراك وفق نموذج الثورة الناعمة «الجزائر نموذجا»، أم انها مجرد طفرة حضارية طغت سطحيا وظرفيا على شباب الجيل الرابع والخامس للجمهورية الجزائرية المستقلة الذي لم يعاصر العهد البومديني ولا العهود التي جاءت بعده.
هذا الجيل الذي كان مخاضه عسيرا بعد احداث اكتوبر 1988 والذي تكهن له أغلب السيسيولوجين انه سوف يولد ميتا أو على أقل تقدير مشلول الارادة في ظل المأساة الوطنية التي عاشتها البلاد، هذا الجيل الذي مورست عليه اصلاحات المنظومة التربوية التي هندست عام 2003 والتي جعلت من هذه التركيبة المجتمعية الخصبة غير مؤهلة من الناحية العلمية والبيداغوجية وحتى في سوق العمل للأسف الشديد هذه الشريحة المتشبعة بالقيم التربوية «المغبرطة» اصابته باضطراب هوياتي حاد على مستوى وعيه الاخلاقي والوطني بفعل ثقافة « way way» والتي أوقد نارها الاعلام الموجه من قطاع الطرق وأشباه الاعلاميين والذين يمارسون الصيد في البرك العكرة والمتوليين بألوان هذا النظام في اقصاء هذه الفئة النشيطة في ممارسة حقهم في المشاركة في بناء الدولة على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى استقر وعيهم ان ممارسة السياسة دربا من المستحيلات عندما يستبيحون عرضهم وضمائرهم إرضاء للإملاءات الدنيئة في حق الشعب والوطن باسم البغاء السياسي.
هل البواعث التي جعلت المجتمع الجزائري بكل اطيافه ينقلب عقبا على رأس بين لحظه وأخرى من شخصية اجتماعية خاضعة إلى شخصية ثائرة ومن شعب مفعول فيه إلى فاعل في تغير وطنه البائس ، هل يعقل لشاب ان يركن «الـB وطي» جانبا وأن يدفن احلام «الاندرادو الأوربي» في الضفة الاخرى من البحر المتوسط ويلتحق بركب سفن الامل وقيادتها الى مرافئ التغير الجذري، لماذا تحولت شعارات لافتات البطالين من مطلب « التوظيف والتشغيل» الى مطلب «النظام ديgاج» كيف لمجتمع في دولة ينعتها الاقتصادين على انها بين الدول تعبت من السير في طريق النموحتى تخلفت عن السير بعد 60 من الاستقلال واختار القطيعة مع الماضي نتيجة الخبرات والتجارب المؤلمة التي مر بها ليدق اخر مسمار في نعش الفساد؟
هل هي صحوة سلوكية ايجابية سوف يصطلح لها اسم «المعجزة الحضارية» في قاموس علم النفس الاجتماعي السياسي تظهر اعراضها في تفريغ الكبت النفسي من خلال ممارسات لاشعورية في اطار سلمي في نوع من اللاوعي الجماعي يمكن وصفه على أنّه استعداد مشترك للتأثّر بالعاطفة أكثر من التأثر بالعقل والمنطق؟
إنها العدوى الاجتماعية التي تخلق حالة من الهيجان والاستعداد لتغيير الواقع بشكل سلمي، فنصبح أمام وحدة نفسية تساعد على تصريف النزعات النفسية الفردية الكامنة، وقد أثبت علم النفس الاجتماعي أن سلوك الشخص حين يكون بمفرده يختلف عمّا يكون عليه حين يكون في تظاهرة، حيث يهيمن الإيحاء والرغبة بالتماثل على معتقدات الفرد ويعزّز هذا العامل، تشارك المسؤولية مع كل من يشارك فيه، ما يجعله أكثر انتشارًا ونجاحًا واتفاقا على مطلب واحد وهو» نرجوكم ان ترحلوا «، بطالين، أطفال، نساء، رجال، معاقين بل حتى «مجانين» كلهم تجردوا من كل العباءات ومن كل الألقاب التنظيمية والحزبية والجمعوية ووقفوا سلميا على صعيد واحد باسم «الشعب» حاملين عبارة «رحيل النظام»، الشيء الذي شد انتباه وسائل الاعلام المحلية والعالمية جعل الدوائر السياسية الإقليمية والغربية اما ذهول رهيب اتجاه هذا النموذج الجزائري في الحراك السلمي من اجل التغبير مقارنة مع الدول العربية والافريقية والاوربية كحراك السترات الصفراء Mouvement des gilets jaunes فرنسا التي كانت بالأمس القريب القبلة الحضارية والثقافية واللغوية لسياسيونا البائسين المساكين والذين استصغروا الشعب عندما اعتقدوا انه سوف تنطلي عليه حكاية دولة العزة والكرام القانون والحريات والمعارضة الشياتة الزائفة والتخويف من جحيم الوقوع في نموذج ما يعرف ب»الربيع العربي».
وأملنا كبير في وعي الشعب الجزائري في احباط ممارسات النظام الذي يسعى بمخططاته إلى عملية تنويم سيكولوجية ووتخدير عقلي، وصناعة مخيال شعبوي لدي أطياف المجتمع والذي سوف تميعه بعض الاطراف التي تقاوم هذا التغير باصطلاح إسم شعبوي «الغاشي» سوف يؤسس من خلاله توجها سياسيا في إدارة الدولة، ونظام حكمها، يمكن تسميته بالغاشيوقراطية.