أجمع، أمس، أساتذة جامعيون ومختصون في علم النفس والاجتماع على أن الجزائر تمر بمرحلة تاريخية حاسمة في مسيرتها، ومقبلة على رهانات مصيرية، تستوجب اجتماع كل الطاقات الوطنية على وحدة كلمة الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ مدة، والمضي بها إلى مستقبل أفضل للجزائريين.
أكد المتدخلون في اليوم الدراسي «سوسيولوجيا الحراك الشعبي الجزائري...تحليلات حول الفرص والمخاطر»، الذي نظمه مخبر الديناميات الاجتماعية في الأوراس التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة باتنة 01 الحاج لخضر، بأن الحراك الشعبي غير «فعلا وبقوة» الصورة النمطية عن الشعب الجزائري لدى دول العالم، كونه جاء عفويا وصادقا ومن أبرز خصوصياته تأثيره أفقيا وليس عموديا، أي لا يملك قيادة.
وفي هذا الصدد أشارت البروفيسور مزوز يركو أستاذة علم النفس بذات الجامعة، في مداخلتها حول «سيكولوجية الحراك»، إلى أنها من خلال متابعتها للحراك سجلت اختفاء الشخصية الفردية مقابل بروز لافت وقوي للشخصية الجماعية التي ساهمت في تعزيز قيم المسؤولية الاجتماعية وكذا تبني التفكير والسلوك الجماعي ورغبة المتظاهرين في المشاركة بفاعلية في المسؤولية.
وأوضحت المتدخلة أن الحراك تميز ببدايته صغيرا لينتهي إلى فضاءات أكبر في إطار ما يعرف في علم النفس بـ»العدوى الاجتماعية»، محذرة من مآلات التسيير العاطفي للمسيرات، حيث دعت مزوز الجزائريين إلى مواصلة النضال بالطرق السلمية واستغلال الحراك جيدا وإيجابيا لمنع احتوائه واستغلاله من طرف النظام للالتفاف حول المطالب الشعبية المشروعة.
وخلال تحليلها السيكولوجي للحراك أكدت مزوز أنه بمثابة إنذار قوي موجه من القاعدة الشعبية للطبقة الحاكمة حول تأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الجزائري إلى السلطة، التي دعتها المتدخلة إلى التجاوب الفعلي مع المطالب واستغلال الحراك إيجابيا في تحقيق الانتقال الديمقراطي.
بدوره البروفيسور راقدي عبد الله من كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة باتنة 01، أشار في مداخلته الموسومة «الحراك الشعبي في الجزائر في ظل اللاشعور السياسي الجمعي»، إلى أمنيته في أن يكون الحراك فرصة ثمينة للجزائريين للتأسيس لقيم الذكاء الاجتماعي بالجزائر، متطرقا في حديثه الى البنيات السياسية للسلوك والتي لا تتعرض للتعديل الجوهري بحلول اسلوب من أساليب الإنتاج مؤكدا أن البنيات تظل قائمة ومؤثرة مستدلا بالأنظمة الاشتراكية.
كما اعتبر راقدي ان الحراك رد فعلي صحي وعودة طبيعية لقيم المجتمع الجزائري الرافض للحقرة والتهميش والخنوع والخضوع، لأي نظام وهي خاصية ايجابية للجزائريين مكنتهم دائما من التحرر والانعتاق من الظلم والاستبداد.
واستدل المتحدث بتاريخ المنطقة المعروف بثوريته ومقاومته وما حراك 22 فيفري إلا دليل على مجابهة فترة 20 سنة من الحكم التي يرفض تسويدها بالكامل والتركيز على الخطاب التأييسي في إطار إكراهات العولمة التي خلقت حسبه جزائريا ليبراليا رقميا يرفض تأجيل الحصول على الحقوق والمكاسب عكس الأجيال السابقة، مستفيدا بذلك من الطفرة التكنولوجية القوية التي حصلت وترجمتها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي تقدير المتدخل فالانتقال الديمقراطي بالجزائر لن يتحقق قريبا بل الامر يحتاج الى وقت وعمل وجهد مضني يساهم فيه الجميع، محذرا في نفس الوقت من بروز خطاب إقصائي خطير للأخر ونفيه.
كما أشار الدكتور عبد الحكيم أعراب أستاذ علم الاجتماع إلى أن الحراك الشعبي أبرز أكثر خصوصيات المجتمع الجزائري للآخر على غرار قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، ما جعل العالم يكتشف حقيقة الجزائري المتحرر والثائر والعاشق لوطنه وهي الصور التي ترسخت لدى العالم من خلال ثورة نوفمبر المجيدة، ليتم تسويد هذه الصورة خلال فترة العشرية السوداء المتميزة بالدموية والمآسي، حسب أعراب ما جعل وسائل الإعلام العالمية تنفر من الجزائر وتتهمه بانه إرهابي ودموي، ليأتي بعدها حسب أعراب حراك 2019 الذي اصبح محل دراسات وتحاليل اكاديمية وسياسية عالمية، بل أصبح مصدرا للفخر عربيا ومحل اشادة دوليا، كونه رتب الأولويات للجزائريين وجعلهم يتفقون على مبدأ واحد وهوالتغيير الإيجابي.
الحراك قوي جدا لكنه هش من حيث القدرة على التأطير
وأشار بدوره الدكتور مولود سعادة إلى ضرورة تخلص الحراك الشعبي من الانفعالية إلى الفاعلية لتجاوز خطط الالتفاف عليه داخليا وخارجيا، إلى غاية تحقق الأهداف عبر المسيرات السلمية، وعدم منح النظام فرصة جره إلى العنف، كون الحراك الشعبي الحالي قوي جدا، ولكنه هش من حيث القدرة على التأطير بشكل يجعله أقرب إلى رد الفعل العاطفي العاكس لحجم الاستياء، بسبب غياب النخب، وأن الفراغ الحالي وترك الشارع للتأطير الذاتي.
وبنظرة المتفائل، ثمن عميد الكلية الدكتور بن بعطوش أحمد عبد الحكيم في تصريح لجريدة «الشعب»، حسن استغلال المتظاهرين للفضاء الأزرق والفضاء المفتوح «فيسبوك»، بدرجة متقدمة من الإدراك والوعي بالذات والموضوع، معتبرا الأمر ظاهرة طبيعية وصحية إيجابية، تعبر عن رغبة الشعب الجزائري خاصة فئة الشباب في بناء مستقبلها بأفكارها وقناعاتها وتطلعاتها، مشيدا بسلمية المسيرات المعبرة عن التحضر، وحب الحياة، والتصالح بشكل مفاجئ مع الفضاء العمومي.