طباعة هذه الصفحة

الحراك الشعبي والحلول الدستورية

صياغة نموذج جزائري في الانتقال الديمقراطي

بقلم: الأستاذ خالد شبلي، باحث جامعي في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية عضو بمخبر القانون، العمران والمحيط (كلية الحقوق-جامعة عنابة)

تفعيل المواد المعيارية 7، 8 و 12 من الدستور



«  تستمدّ الدّولة مشروعيّتها وسبب وجودها من إرادة الشّعب.
شعارها : «بالشّعب وللشّعب».
وهي في خدمته وحده.»
المادة 12 من الدستور.

تمهيد

تواترت الأنباء، يوم الثلاثاء 02 أفريل 2019، عن تقديم رئيس الجمهورية استقالته للمجلس الدستوري، وبذلك ينهي عقدين من حكم نظام ومناصريه، هذا القرار المهم يؤرخ لانتهاء فصل من فصول المشهد على ساحة الحراك الشعبي، والخطوة أو الخطوات القادمة ستكون أكثر حساسية من سابقاتها إذا لم يتم وضع ضمانات فعلية لإجراء الانتخابات الرئاسية القادمة، وبذلك المرور السلس إلى تغيير النظام وللحفاظ على مكاسب الحراك الشعبي وتثمينه، ذلك أن القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت معظم الشعب يخرج إلى الشارع هي ترشيح رئيس الجمهورية المنتهية عهدته.
إن وضعية شغور منصب رئيس الجمهورية يؤدي بنا إلى تفعيل الإجراءات الدستورية المنصوص عليها في المادة 102 من الدستور، فبعد إجتماع البرلمان المنعقد بغرفتيه معًا لإثبات حالة الشغور يتم تكليف رئيس مجلس الأمة برئاسة المرحلة الانتقالية إلى غاية انتخاب رئيس جمهورية جديد، ومع وجود الموانع أو الكوابح الدستورية المنصوص عليها ضمن مقتضيات المادة 104 من الدستور، ومنها: عدم تغيير الحكومة الحالية، فإنه لا بد من البحث على مخارج قانونية ودستورية لهاته الحالة، سيما مع مطالب الحراك الشعبي بضرورة ذهاب جميع رموز النظام الحالي (رؤساء المؤسسات الدستورية المناط بها قيادة المرحلة الانتقالية وفقا للإجراءات الدستورية الحالية).
إن تغليب لغة العقل والحكمة تستوجب علينا دراسة جميع الخيارات المحتملة وتدارسها بنوع من التمعن والجدية، إن مقترح الحل الدستوري يجنبنا كما يؤكده جانب كبير من أساتذة القانون الدستوري، حلول المراحل الانتقالية والمؤسسات المؤقتة، ولكي « لا نعود إلى دولة اللامؤسسات « ، و في هذا الصدد نطرح مقترح حول صياغة مخرج حقيقي للانتقال السلمي والسلس للسلطة، تأسيس حقيقي للسلطة نحو بناء أسس حقيقية لدولة القانون والمؤسسات باللجوء إلى الإنتخابات بضمانات فعلية، وهذا بإجراء مكمل لروح وجوهر الدستور الجزائري.
تكمن هذه المبادرة في «الإعلان الدستوري المؤقت» المؤسس على المواد المعيارية القيمية في الدستور، سيما المواد: 07 ، 08، 12 ، أي حلاً دستوريًا في شكل مراحل كلها تصّب في إطار الشرعية الدستورية، نستعرض البعض منها في النقاط الآتية :

أولا: المنطلقات والمفاهيم

إن تفعيل المادة 102 من الدستور، يؤدي بالضرورة إلى إعمال أحكام المادة 104 من الدستور، لذلك يجب الخروج الجزئي من الأحكام والكوابح التي تعيق تطبيق الخيارات الشعبية في الذهاب إلى تأسيس نظام جديد، لذلك قد يكون « الإعلان الدستوري المؤقت» ، من المخارج والحلول الدستورية التي تساهم في تكريس مكاسب الحراك الشعبي ومطالب الشعب في التغيير الجدري.
 
1-  المقصود بالإعلان الدستوري المؤقت:

- الإعلان الدستوري: هو عبارة عن مجموعة من المواد القانونية، تنظم الدولة في حالة استحالة إعمال أحكام دستورية تخالف الإرادة الشعبية مصدر كل السلطات،
- كما يعرف على أنه نوع من الدساتير المختصرة المؤقتة: يكون مؤقت لأنه محدد الفترة الزمنية.
-  طبيعته القانونية : عبارة عن آلية قانونية متعارف عليها في الفقه الدستوري، لا يحتاج للمصادقة أو الاستفتاء المباشر بل من قبل القوى الفاعلة المعبرة عنه، وبالتوافق مع السلطة الفعلية، لذلك يوصف بـــ» الإعلان» ، وفي الغالب يستعمل كأسلوب لمرافقة التغييرات الجدرية في إطار قانوني واضح ، كما يمكن أن يكون مخرج للتداول السلس والسلمي للسلطة.

2-  الضوابط القانونية:

- تكريس الحقوق الدستورية: الإعلان الدستوري له ضوابطه من أهمها أنه مكمل للدستور ويجمد الأحكام المخالفة له لفترة زمنية محددة، وأن يعزز الحقوق الدستورية ولا يتنافى أو يمس بها.

- الإقرار والمصادقة: الإعلان الدستوري يكون بإرادة وتوافق مختلف الفاعلين على الساحة الوطنية، وبمرافقة المؤسسة الدستورية التي لها الشرعية الشعبية حاليا وهي مؤسسة
«الجيش الوطني الشعبي»،
استنادًا للفقرتين 1و2 من المادة (08) الثامنة من الدستور، والتي تنص على: «  السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب.
يمارس الشّعب سيادته بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها.» والمادة 28 من الدستور، والتي تحدد المهام الدستورية لمؤسسة « الجيش الوطني الشعبي»،
وليس انقلاب عسكري لأنه لن يكون للعسكر دور إلا مرافقة المرحلة الانتقالية ...، وهذا الإعلان يكون ضامن لعدم تدخل الجيش في تسيير هاته المرحلة الحساسة لاسيما في ظل عدم الاستجابة لمقترح تغيير رؤساء المؤسسات الدستورية قبل تقديم رئيس الجمهورية لاستقالته .

ثانيًا : الأسس الدستورية لبلورة «الحلول السياسية التوافقية»

1-  إن اقتراح اللجوء إلى « الإعلان الدستوري المؤقت «، ضمن المخارج الدستورية الممكنة حاليًا لإصباغ الصفة القانونية على الحلول السياسية التوافقية، لاسيما دعوات المعارضة ومبادراتهم في هذا المجال، وذلك استنادًا إلى مقتضيات المواد الدّستوريّة سيما المادة السابعة(07) والمادة الثامنة(08) والمادة الثانية عشر (12) من الدستور، إن الذهاب إلى «الإعلان الدستوري المؤقت»، والذي يؤسس لمرحلة الانتقال الديمقراطي، أي بمعنى صياغة المخارج التوافقية وفقًا للشرعية الدستورية لأنها تمثل الشرعية الشعبية في قالب قانوني مؤسساتي، ولتفادي تدخل القوى الأجنبية في الخيارات الشعبية تحت ذريعة وجود «أزمة شرعية مؤسساتية» أو لـــــ «مواجهة مخططات تعفين أو تأزيم المخارج الآمنة للحراك الشعبي» و»خطابات التخويف والتشكيك من طرف أبواق الدولة العميقة».
2-  في ظل هذه الظروف والمعطيات، نأمل أن تكون ردة فعل الشارع واضحة وقوية، بإلتفاف حول المبادرات الطيبة التي يتم تداولها حاليا للخروج، بمطالبه في التغيير إلى أرض الواقع بدل سياسة الأمر الواقع، ووضع خريطة طريق دقيقة وشفافة وفقًا للمقترحات والترتيبات التي تم تقديمها سلفًا ضمن السيناريو الدستوري (الحل الدستوري)، لأنه أحسن مخرج وحل دستوري من وجهة نظر قانونية بحثة، سيما في ظل تطمينات قيادة المؤسسة الدستورية العسكرية (الجيش الشعبي الوطني)، استنادا لمهامه الدستورية المنصوص عليها في المادة 28 من الدستور، ومبادراته القيمة التي تتمحور حول الذهاب إلى تحقيق المطالب الشعبية عن طريق اللجوء إلى المادتين السابعة والثامنة بالتزامن مع تفعيل المادة 102 من الدستور، والتي طالب بها العديد من المواطنين في الحراك الشعبي.
لاسيما عن طريق: تعيين حكومة جديدة «حكومة انتقالية توافقية « بدل «حكومة صرف أعمال»، فمن الناحية الدستورية لايوجد مانع في تقديم استقالتها ومن ثم يمكن وضع حكومة جديدة توافقية استنادًا لإعلان دستوري خاصة في ظل وجود ثغرة قانونية في هذا المجال.

ثانيًا: المبادرات الحقوقية:

المبادرات النخبوية: بصفته مواطن كأحد المواطنين المهتمين بالشأن العام بادر الدكتور عبد الحميد كيفاجي، أستاذ القانون ، بجامعة سكيكدة، ببعض الأفكار والإقتراحات، وتشمل هذه المبادرة،
ما يلي :
« عملا بأحكام الدستور لاسيما المواد 7 و 8 و 12 يتم إعلان دستوري مؤقت يتضمن ما يلي :
1-  تشكيل هيئة قيادية لتسيير المرحلة الانتقالية من شخصيات وطنية تتمتع بالمصداقية وتتعهد بأن لا تترشح إلى أي منصب سياسي مستقبلا، إلا بعد انقضاء المرحلة التي تلي المرحلة الانتقالية؛
2- تشكيل حكومة كفاءات وطنية لتسيير الشأن العادي للدولة؛
3-  تشكيل لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية؛
4- مراجعة قانون الإنتخابات ؛
5- تنظيم انتخابات رئاسية في ظرف ستة أشهر؛
6- إصدار عفو عام على جميع المساجين السياسيين وسجناء الرأي والتعبير؛
7-  فتح المجال لحرية التعبير والإعلام وتأسيس الأحزاب السياسية؛
8- حلّ المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وكذا المجالس المحلية، ويكلف الأمناء العامون للبلديات بتسييرها على أن تحدد صلاحياتهم في إدارة الأمور العادية فلا يتصرفوا في العقار ولا النفقات المالية ما عدا ما تعلق منها بأجور العمال والموظفين؛
9- تجميد الأحكام الدستورية والقانونية المخالفة لهذا الإعلان؛
10- ينتهي العمل بهذا الإعلان فور انتخاب الرئيس الجديد وتسلمه مهامه من الهيئة القيادية.»
المبادرات المؤسساتية : مبادرة الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين
كما بادر الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين بتاريخ 29 مارس 2019 ، بمساهمة لإيجاد حلول للأزمة التي تعصف بالبلاد فإنه، اقترح، تأسيس مرحلة انتقالية قصيرة المدى. وتتضمن :
1-  تعليق العمل بالدستور الحالي نظرا للمعوقات التي يتضمنها و تحول دون إجراء انتخابات رئاسية ذات مصداقية و العمل على إصدار إعلان دستوري مؤقت لتسيير المرحلة الانتقالية.
2- تعيين مجلس رئاسي من شخصيات وطنية مقبولة شعبيا للإشراف على المرحلة الانتقالية.
3- تعيين حكومة توافقية من ذوي الكفاءات من أجل تصريف الشأن العام و تنظيم انتخابات رئاسية شفافة و نزيهة.
4- إنشاء هيئة مستقلة للإشراف و تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.

خاتمة

بناءً على ذلك، نناشد مجددًا الفاعلين في دائرة صنع القرار الإنصات بوعي وحكمة إلى خطاب الضمير الوطني، والقيام بالترتيبات القانونية الحقيقية واللازمة والتضحية، وعدم الانسياق إلى الحلول الارتجالية أو المراوغة على حساب تطلعات وآمال الملايين من الجزائريين، والنظر في المقترحات والمبادرات الإيجابية للتداول السلمي على السلطة والتحول نحو بناء أسس دولة القانون والعدالة.
كما ندعو الزملاء والخبراء في القانون الدستوري الجزائريين إلى ضرورة المساهمة في بلورة رؤية موضوعية لمخارج آمنة عن طريق الانتقال السلس والسلمي والحقيقي للسلطة، وفقًا للضمانات السالفة الذكر، وآخر ما نخلص إليه دائما أن : « من يريد بناء دولة القانون والمؤسسات يجب أن يحترم الدستور أولاً «.لأننا أمام تحول جوهري حقيقي نحو شرعية شعبية جديدة « الشرعية الدستورية»..