عرض أمتــع جمهــور بنايـة محيـي الديـن بشتـارزي
كان جمهور المسرح على موعد مع مسرحية «آرلوكان خادم السيدين»، التي عُرضت، مساء الأربعاء، على ركح المسرح الوطني الجزائري، محيي الدين باشتارزي. المسرحية، التي أخرجها زياني شريف عياد، هي ثمرة إنتاج مشترك بين المسرح الوطني ومسرح وهران الجهوي، وتعتبر آخر ما أخرجه عبد القادر علولة بعد أن قام بترجمتها، وذلك بضعة أشهر قبل اغتياله في مارس 1994.
مسرحية «آرلوكان» لـ»كارلو غولدوني» الملقب بموليير الإيطالي، ويعتبر مؤسس مسرح الملهاة الإيطالية الحديثة، هي مسرحية كلاسيكية تعود إلى سنة 1745، ترجمها عبد القادر علولة وكانت آخر عمل يقوم بإخراجه (1993)، قبل أن يقدّمها زياني شريف عياد في حلة جديدة.
تنطلق أحداث المسرحية في بيت بانتالون، أحد تجار البندقية الأثرياء، الذي يناقش حيثيات زواج ابنته الوحيدة كلاريس من سيلفيو ابن الطبيب لومباردي، قبل أن يدخل عليهم الخادم آرلوكان، ليعلن زيارة غير مرتقبة لسيده فيديريغو راسبوني، خطيب كلاريس السابق، الذي قُتل في تورينو.
جاء توزيع المسرحية كالآتي: محمد حيمور (بانتالون)، وهو نفس الدور الذي كان حيمور قد أدّاه في النسخة التي أخرجها علولة، محفوظ الهاني (لومباردي)، محمد إسلام عباس (بريغللا)، مصطفى مراتية (آرلكان)، نسرين بلحاج (سميرالدين)، يوسف قواسمي (فلوريندو)، فاطمة بلحميسي (بياتريس)، محمد الأمين رارة (سيلفيو)، أمينة بلحسين (كلاريس)، وسنسبيل بغدادي (الموسيقي). وإلى جانب المخرج، نجد محمد بورحلة في الجانب الدراماتورجي، وأرزقي العربي في السينوغرافيا.
رسالة حبّ وسلام
في تصريح له، قال المخرج زياني شريف عياد إن هذا العمل هو آخر إخراج لعبد القادر علولة، وفي خضمّ العنف الذي تميزت به تلك الفترة، اختار علولة أن يتحدث عن الحب، سائرا بذلك في اتجاه معاكس للأحداث: «الحب هو الذي يصنع من الإنسان إنسانا»، يقول زياني شريف عياد، مضيفا أنه حاول تقديم العمل برؤية إخراجية جديدة، وهو يأتي في ظروف لا عنف فيها، بل هي ظروف تمتاز بالتلاحم والحب.. ويضيف: «يمكن القول إن رسالة علولة من خلال عمل كارلو غولدوني قد تحققت اليوم». كما اعتبر زياني أنه عمل على لقاء «كوميديا دي لارتي» التي جاءت في إطارها المسرحية الأصلية، مع المسرح الشعبي (كتقريب شخصية آرلوكان من القوال)، والاشتغال على هذا المزيج «هو لب أفكار عبد القادر علولة وأمثاله من الفنانين».
كان مراد سنوسي قد ذكر خلال الندوة الصحفية في جوان الماضي، أن علولة برّر ترجمة وإخراج هذه المسرحية بحوافز ثلاثة: الأول هو الاحتفال حينها بالذكرى المئوية الثانية لكاتب المسرحية كارلو غولدوني. الثاني كان الفترة التي أنتجت فيها المسرحية في عز العشرية السوداء، ورأى علولة حاجة ملحة إلى الحب، كما أن الشباب لا يجدون أعمالا موجهة إليهم، وهو ما سيدفع إلى عرض هذا العمل المشترك مع المسرح الوطني في ثانويات وهران. أما الحافز الثالث فكان اطلاع الجميع على القصة لذلك سيأتون من أجل الاستمتاع بالعرض.
كلمات لا بد منها
بغضّ النظر عن القيمة الفنية لفريق هذا العمل المسرحي، فإن مجموعة من الملاحظات تفرض نفسها على المهتمّ بالمشهد المسرحي الجزائري، من بينها مسألة تكريم ذكرى عملاق الفن الرابع عبد القادر علولة، بتقديم نص مسرحي لمحمد بورحلة، اشتغل فيه على نصّ آخر هو ترجمة علولة، لنصّ ثالث هو النص الأصلي لكارلو غولدوني، والسؤال المطروح هنا: أين هو علولة في هذه المسرحية؟ وإن نحن أردنا تكريم علولة، فلماذا لا نشتغل مباشرة على نص من نصوصه؟
بالإضافة إلى بعض الهفوات التي يمكن تبريرها بكون العرض هو الثاني (بعد عرض وهران)، على غرار تأتأة فلوريندو آريتوزي (يوسف قواسمي) في بعض المشاهد وحديثه بطلاقة في أخرى، فإن بعض النقاط الأخرى عكّرت على أريحية التلقي والاستمتاع بالعرض، على غرار استعمال الميكروفون في بعض الأثناء والتخلي عنه في أخرى. أما المقطع الغنائي الذي اختتم به العرض، والذي جاء محاولة لتقديم كوميديا موسيقية، فقد عكّر صفوه أداء بعض الممثلين الذين كان للأسف نشازا. كما أن الاعتماد على «ممثلين متفرجين» (مسرحية داخل مسرحية) قطع في أحيان كثيرة حبل الأفكار وتركيز المتلقي ومتابعته للأحداث المتسلسلة.
لعلّ ما رفع من سقف توقعات المتلقي مجموعة من المعطيات، أولاها اسم ومكانة مخرج العمل، وهو زياني شريف عياد، وثانيها القول بأن هذا العمل هو تكريم لمسرح عبد القادر علولة الذي لا غبار على مكانته، وثالثها اجتماع مسرحيين اثنين في هذا العمل وتوحيد إمكانياتهما ومجهوداتهما، وهما المسرح الوطني الجزائري ومسرح وهران الجهوي، ورابعها الإمكانات البشرية المسخرة لإنجاح العمل على غرار فريق تمثيل نجد فيه ممثلين بارعين موهوبين من مختلف الأجيال، وكذلك مشرفا على السينوغرافيا كان عضو لجنة تحكيم الطبعة الأخيرة من مهرجان المسرح المحترف، وخامسها تصريحات مراد سنوسي مدير مسرح وهران، خلال الندوة الصحفية للإعلان عن المشروع، الذي قال حينها إن المخرجين ذوي المستوى العالي يحسبون على أصابع اليد وقد أوكل هذا العمل إلى واحد منهم.
كل هذه المعطيات جعلت المتلقي يتوقع الكثير، ورفعت من مستوى تطلعاته، لذلك فكل هفوة تبدو مضاعفة، وكل عثرة تبدو مكبّرة، وصار نجاح المسرحية على أنها «مقبولة»، مغلّفا ببعض من خيبة الأمل لمن توقّع أكثر من هذا العمل. أما المقارنة التي تفرض نفسها، فهي تلك التي نقوم بها بين مسرحية علولة وهذه النسخة، خاصة وأن نسخة 1993 جاءت كلاسيكية، بسينوغرافيا مبدعة، وأداء متميز دون السقوط في المبالغة، مع «جزأرة» للنص جعلته صالحا لأن يعرض حتى في أيامنا هذه. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى رأي الجمهور هو السيّد، وتبقى الآراء والقراءات الفنية نسبية إلى حدّ بعيد.