كشفت مديرية المصالح الفلاحية بولاية تيبازة عن اقتطاع ما يعادل 200 هكتار سنويا من الأراضي الفلاحية لغرض تجسيد المشاريع العمومية المتعلقة بالتجهيزات العمومية والسكن، فيما أشار والي الولاية محمد بوشمة في أكثر من مناسبة على أنّ ما يعادل 70 بالمائة من الأراضي بالولاية ترتبط بالقطاع الفلاحي أو هي تابعة لمناطق التوسع السياحي، ممّا أسفر عن تسجيل صعوبات جمّة لاختيار عقارات تنجز عليها المشاريع العمومية.
فقطاع الفلاحة لوحده يتربّع على مساحة 70 ألف هكتار من بينها 62 ألف هكتار مستغلّة فعليا من طرف 6 آلاف فلاح خاص، وفلاحين مستغلين لـ 1300 مستثمرة فلاحية جماعية و700مستثمرة فردية، بحيث لوحظ اهتمام متميّز على أرض الواقع في مختلف الأنشطة الفلاحية من حيث استغلال المزيد من الأراضي لترقية العديد من الشعب التي تعتبرها المصالح الفلاحية استراتيجية، وقد يرجع ذلك الى تقلّص الأراضي الفلاحية الواقعة بمحيط المناطق العمرانية، والتي يتم الاستحواذ عليها بصفة ممنهجة ومتواصلة على مرّ السنين، بحيث كشفت مصادرنا عن اقتطاع مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية لفائدة المشاريع ذات المنفعة العامة بشكل ينذر بخطر زوال النشاط الفلاحي مستقبلا بالرغم من أنّ الولاية تعتبر فلاحية بالدرجة الأولى، وتحتلّ مراتب جدّ متقدمة في العديد من الشعب بالرغم من محدودية أراضيها المنتجة.وقدّرت مصادرنا متوسط الاقتطاع السنوي بـ 200 هكتار عبر مختلف بلديات الولاية، ومن المرتقب بأن يحدث مشروع الميناء المتوسطي المزمع انجازه بشرق مدينة شرشال زلزالا في اوساط الفلاحين بالمنطقة بالنظر الى كونه سيستنزف قرابة 2000 هكتار من الأراضي تجمع بين مناطق النشاط والطريق السريع الرابط بين الميناء والطريق شرق غرب، وكذا مشروع السكة الحديدية الموصل الى منطقة العفرون، وهو المشروع الذي لم يشرع في تجسيده بعد الا أنّ المصالح الولائية شرعت في تنفيذ إجراءات نزع الملكية وفقا للقوانين المعمول بها لغرض تحرير الوعاء العقاري الذي يعتبر فلاحيا بالدرجة الأولى، إلا أنّه بالرغم من حصول الفلاحين على التعويض المناسب وفقا للسلم المعتمد من طرف مصالح أملاك الدولة، فإنّ الفلاحين يطالبون بأوجه أخرى للاستثمار في اطار تخصصهم، مما يؤكّد على أنّ النشاط الفلاحي أضحى مستهدفا وفقا لقاعدة الضرورة تبيح المحظورة في ظلّ عدم قدرة الفلاحين عن الدفاع عن أراضيهم التي أضحت تستنزف باسم المنفعة العامة.
ومن بين النماذج الحيّة لاقتطاع الأراضي الفلاحية الخصبة لفائدة المشاريع العمومية، ما حصل بمزرعة بلحسن بغرب مدينة شرشال مؤخرا حين قاوم الفلاحون بقوة عملية إقدام مؤسسة صينية على تجسيد مشروع 1300 مسكن من نمط عدل معتبرين أراضيهم مصدرا لإعالة عائلاتهم، بحيث أنّهم لم يتلقوا حينها أيّ تعويض يذكر ومن ثمّ فقد شرعت المؤسسة في تجسيد المشروع في جزء من المزرعة، فيما لا يزال الفلاحون متشبثين بجزء آخر الى إشعار آخر مع طرح العديد من علامات الاستفهام حول عمليات إختيار الأراضي لانجاز المشاريع العمومية، بحيث أكّد هؤلاء على أنّ الجهات المعنية تتعمّد انتقاء الأراضي الفلاحية المستوية والخصبة لتحديد سقف تكاليف المشاريع مع تجنب الأراضي المنحدرة أو تلك التي لا يمكن استغلالها فلاحيا لكونها تقتضي صرف أموال باهضة، وتبقى هذه النقطة الهامة مؤشرا هاما على كون الأراضي الفلاحية ستبقى مستقبلا مستهدفة بشكل لافت ومثير من طرف القائمين على تجسيد المشاريع ذا تالمنفعة العامة.
وبالنظر إلى قدسية الأراضي الفلاحية ومحدوديتها بالولاية، فقد أعدّت مصالح الديوان الوطني للأراضي الفلاحية بالولاية خطة عملية لمحاربة المباني الفوضوية التي تشيّد بها عن طريق إعذار المستفيدين من عقود الامتياز أولا وحرمانهم من عقودهم في مرحلة لاحقة مع مباشرة إجراءات المتابعة القضائية، فيما يستغلّ والي الولاية كلّ الفرص السانحة لتحميل رؤساء البلديات مسئولية السهر على هدم البناءات الفوضوية، والحد من انتشارها لاسيما على الاراضي الفلاحية، مؤكدا على أنّه من بين أهم عوامل تقييم «الأميار» حرصهم على محاربة البناء الفوضوي، إلا أنّه بالرغم من هذا الجهد المتشعّب الذي تبذله المصالح العمومية، فإنّ الأراضي الفلاحية شهدت خلال السنوات الأخيرة إعتداءات بالجملة لم تتمكن مجمل الاجراءات المتخذة من مقاومتها لاسيما بحواف المدن الكبرى، وذلك بتواطؤ أصحاب عقود الامتياز الذين يلجأون عادة للبزنسة بالعقار نهارا جهارا بعيدا عن روح المسؤولية الملقاة على عاتقهم باعتبارهم حصلوا على عقود الامتياز بشروط وظيفية تعنى أهمها بعدم استغلال الأراضي لأغراض غير فلاحية، ومن ثمّ فقد أحصت مصالح ديوان الأراضي الفلاحية حصول 7871 فلاح على عقودهم الى غاية نهاية السنة المنصرمة 2018، بما يعادل 98 بالمائة من مجموع الفلاحين المنحدرين من المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية، لتبقى الحالات الأخرى متعلقة بوجود النزاعات العائلية أو السكنات الفوضوية المشيّدة على الأراضي ذاتها.