طباعة هذه الصفحة

الأستاذ حسام سلمان لـ«الشعب»:

اتفاق السراج وحفتر على تنظيم انتخابات رئاسية فرصة تاريخية للتسوية السياسية

حاورته: إيمان كافي

يعتبر السيد حسام سلمان، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن الأطراف الليبية أمام فرصة تاريخية لإنجاز تسوية نهائية وسلمية للأزمة، لأن الاتفاق الموقّع مؤخرا بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج، وقائد الجيش اللواء خليفة حفتر في أبوظبي والذي نصّ على اجراء انتخابات رئاسية بحلول نهاية السنة، مهم جدّا، وتجسيده في موعده سينهي الوضع الأمني والسياسي الخطير الذي تتخبّط فيه ليبيا منذ نحو ثمانية أعوام،  كما سيشكل فرصة لعودة الدولة الليبية التي أدى انهيار مؤسساتها الى خلق فراغ استغلته التنظيمات الدموية والاجرامية لضرب استقرار المنطقة ككل.

« الشعب»: قبل أيام اجتمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج وقائد الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر في أبوظبي واتفقا على اجراء انتخابات رئاسية بحلول نهاية السنة، هل تتوّقعون الالتزام بهذا الموعد ؟ أم أنه سيؤجل كما وقع للمواعيد التي تمخضت عن  مؤتمري باريس وباليرمو؟
 الأستاذ حسام سلمان: أعتقد أن تنفيذ هذا الاتفاق غير مضمون، بداية لأنه كان شفهيا ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق مكتوب (فهو مجرد حوار وتفاهم أولي شفهي) بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر بشأن إنهاء مرحلة الانتقال السياسي والنزاع الذي تعيشه ليبيا منذ نحوثماني سنوات، ومن ثمة فهو لا يمكن أن يعبر عن التزام فعلي لكلا الطرفين بإجراء الانتخابات خلال هذه السنة، وبالنظر أيضا إلى المساعي السابقة خلال مؤتمري باريس وبالريمو يبدو أن هذا الاتفاق يحتاج لأكثر من اتفاق السراج وحفتر، فهو في حاجة لضغط دولي وإقليمي يدفع نحو تجسيد هذا المسار، بيد أن التنافس بين القوى الخارجية على كسب النفوذ في ليبيا من خلال دعم أحد الأطراف الداخلية بما يخدم مصالحها يجعل هذا الاتفاق وتنفيذه مرهونا بقيود التوازنات الخارجية والقدرة على إيجاد طرف داعم للاتفاق.
تقسيم ليبيا مشروع تم إفشاله
ألا تعتقدون بأن تقاطع موقف السراج وحفتر حول خطة جديدة للتسوية تبعث فعلا على التفاؤل، لأن الرجلين لم يسبق وأن أبديا مثل هذا التوافق والتفاهم؟
بالفعل هناك تقاطع، لكن ما هو؟ هوحول إنهاء الأزمة الليبية وعودة الاستقرار الأمني وبناء هياكل ومؤسسات الدولة الليبية وتقويتها، وإجراء الانتخابات، لكن يبقى هناك اختلاف أساسي في طبيعة المسار وأدواته، وحتى هذا التفاهم يخفي وراءه تنازلات وشروط.
ومن ثمة تبدو الحاجة إلى مجلس تأسيسي يضم الطرفين، لوضع الدستور والتفاهم خاصة حول وضع المؤسسة العسكرية، هوأهم من الدخول إلى انتخابات، قد تفرز نتائجها أزمة أخرى، وتدفع نحو مسار آخر من رفض النتائج، لكن ما يمكن التفاؤل بخصوصه أنه أمام عودة الدور القوي للجيش الليبي وسيطرته على غالبية الحدود الليبية، بات الحديث عن تقسيم ليبيا مشروعا تم إفشاله.
اجتماع أبوظبي انتهى بالاتفاق على ثلاث نقاط رئيسية لحلحلة الأزمة الليبية، وهي عدم إطالة الفترة الانتقالية، توحيد المؤسسات وتوفير المناخ المناسب لتنظيم الانتخابات قبل نهاية 2019، هل يمكنكم التعليق على هذه النقاط وإمكانية تجسيدها بالنظر إلى الخلافات القائمة بين الفرقاء والتوتر السائد على الأرض؟
هذه النقاط هي التي دعمتها الأمم المتحدة باستمرار ودفعت نحوها، كخطة وحل سياسي لإخراج ليبيا من الأزمة، والدفع نحو التركيز على فرض الاستقرار والأمن بما يعني إعادة بناء هياكل الدولة وتقويتها، واستكمال الحرب على الإرهاب وإيقاف نزيف الجريمة والهجرة غير الشرعية وغيرها، لكن حينما نقول عدم إطالة الفترة الانتقالية فالواقع أن ليبيا ظلت ثماني سنوات، وهي تتخبط في صراعات وتحديات العملية الانتقالية، كما أنه ليس من الملائم الذهاب نحو انتخابات متسرعة، وهندسة مختلة للانتقال السياسي قد لا تكف لإنهاء الأزمة، وحينما يركز المجتمعون في أبوظبي على توحيد المؤسسات، فإن الأمر مرتبط بشكل أساسي بتوحيد المؤسسة العسكرية والذي هوعلى قدر كبير من الأهمية، بالنظر إلى أن الميليشيات المسلحة المنتشرة في ليبيا وانتشار السلاح خارج سيطرة الدولة يمثل عقبة تجاه المسار السياسي، أما عن توفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات، فهناك تحدٍ يتعلق بالعلاقات المدنية العسكرية، وإمكانية تجاوز سنوات من الخلاف والصراعات والتسليم بالمصالحة والوحدة الوطنية بالنظر إلى أن الخلاف ليس شخصي ولا حتى مؤسساتي فقط، بل هوإيديولوجي.
دول الجوار حريصة

على دعم الحوار بين الفرقاء

بالتزامن مع اجتماع السراج وحفتر عقد وزراء خارجية دول جوار ليبيا (الجزائر، مصر، تونس) في القاهرة لقاء في إطار تنسيق الجهود للمساعدة على حل الأزمة الليبية، فما قراءتكم للتوصيات الختامية ؟
بطبيعة الحال هذه الاجتماعات الوزارية الثلاثية بين مصر وتونس والجزائر صارت دورية، لمتابعة تطورات الشأن الليبي ودعم كل سبل حلحلة الأزمة بين الفرقاء، فبعد اجتماع الجزائر في ماي الماضي، جاء هذا الاجتماع الأخير في القاهرة يوم 05 مارس 2019 لبحث الاتفاق الذي تم بين السراج وحفتر، ولعل أهم ما أكده هذا الاجتماع هوأنه لمس استعداد الأطراف الليبية المدنية والعسكرية وقبولها لفكرة الحوار، وأكدت دول الجوار على ضرورة تنفيذ المسار السياسي والدفع نحوإجراء الاستحقاقات السياسية وأبدت تطلعها لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية والالتزام بتنفيذ خطة الترتيبات الأمنية لتأمين طرابلس، وفق الخطة المتفق عليها بين البعثة الأممية وحكومة الوفاق الوطني، بما من شأنه أن يعزز من فرص حل الأزمة سياسيا، ويحول أمام التدخلات الخارجية، كما أن اجتماع دول الجوار أكد على أولوية الحفاظ على كيان ووحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، وهوما يعكس أهمية ومحورية دول الجوار، التي هي الأكثر حرصا على استعادة أمن واستقرار ليبيا، باعتبارها الدول الأقرب والأكثر تأثراً بتداعياتها.

القوى الغربية تعمل على  فرض مسارات وفق حساباتها الاستراتيجية

ما الدور الذي يمكن لهذه الدول أن تلعبه لتسوية الأزمة الليبية التي لها تأثير سلبي على الجوار؟
دول الجوار الليبي لا يمكنها إلا دعم طاولة الحوار وتذليل عوائق المفاوضات من أجل بناء أرضية التفاهم بين الفرقاء الليبيين، ويبدو دورها في هذه المرحلة أكثر أهمية من أجل ضمان تأسيس سلطة مدنية منتخبة وتحييد القوى الخارجية الباحثة عن توسيع نفوذها في الداخل الليبي، من خلال التركيز على لعب أدوار متقدمة وأكثر فاعلية، وحل الأزمة الليبية في ظل البيت الليبي والدعم الإقليمي العربي والافريقي، وبما يحقق مصالح الليبيين، ويضمن الاستقرار والأمن لدول الجوار، بعيدا عن القوى الغربية الرامية إلى إدامة الأزمة، وفرض مسارات وفق حساباتها الاستراتيجية.
أمن ليبيا من أمن الجزائر، كيف يمكن لهذه الأخيرة أن تلعب دورا في استقرار الجارة الشرقية، وهل من تنسيق أمني بين البلدين؟
هذه المعادلة هي صحيحة إلى أبعد الحدود، ولهذا دافعت الجزائر دوما على استقرار ليبيا منذ بدايات الأزمة، فهي كانت ترقب بعين بصيرة لترى أن الدولة الليبية تواجه خطر الانزلاق نحوالفوضى، ولهذا ساندت دوما الأطراف الداخلية في مساعي الحوار والحلول السياسية، كما نددت وحذرت من محاولات القوى الغربية عسكرة الأزمة الليبية وتدويلها، ورفضت الحل العسكري وتدخل الناتو لأنها تعرف تبعاته، ودعمت مساعي إعادة بناء مؤسسات الدولة وتقوية مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وخاصة في ظل التهديدات التي باتت تنخر الجسد الليبي من الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب البشر والهجرة غير الشرعية، ولعل التنسيق الأمني يكون أحد أبرز أدوات السياسة الجزائرية في مساعدة ليبيا على الخروج من هذا المأزق الأمني، بيد أنه في ظل الانقسام الداخلي الليبي وتأخر فرض السيطرة الليبية على الحدود كان العبء الأمني كبيرا على الجزائر، ومع تمكن الجيش الليبي مؤخرا من التحكم في الشريط الحدودي مع الجزائر، سيتم تفعيل الاتفاق الأمني بين الطرفين.
قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة اقترحت تنظيم مؤتمر للمصالحة في ليبيا مطلع جوان للاستعداد لانتخابات عامة في أكتوبر، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد القاري لحلحلة الأزمة الليبية التي تلقي بظلالها الداكنة على الجوار والإقليم؟
الاتحاد الافريقي تأخر كثيرا في لعب دوره في الأزمة الليبية، ورغم مساعي دول الجوار أو دول جوار الجنوب الليبي إلا أن الاتحاد الافريقي يملك أن يوفر الغطاء السياسي والضامن للانتقال السياسي في ليبيا، ومن جهة أخرى يعتبر ترأس مصر للاتحاد الإفريقي فرصة لتعزيز الجهود الإفريقية لتسوية الأزمة وإعادة الاستقرار والأمن إلى ليبيا.
اتفاق السراج وحفتر في أبوظبي لم يتطرق إلى المؤتمر الجامع الذي كثر عنه الحديث دون أن نرى له أثرا في الواقع، فما مستقبل هذا المؤتمر؟
أعتقد أن المؤتمر الجامع الذي تحدث عنه مبعوث الأمم المتحدة، وأشار مجلس الأمن إليه في نشرته الأخيرة كما أبدى السراج ترحيبه به في كلمة ألقاها أمام القمة العربية-الأوروبية التي تمت مؤخرا بمدينة شرم الشيخ المصرية، والتي أبرز فيها أهمية المؤتمر الوطني الجامع الذي سيسمح لكافة التوجهات والمكونات والمناطق من مناقشة سبل الخروج من الانسداد السياسي الحالي، وفق مبادرة المبعوث الأممي غسان سلامة، هومرهون بهذا الاتفاق بين السراج وحفتر، فتطورات الأحداث في طرابلس ومدى التزام الجيش بخطة تأمين طرابلس دون الانزلاق نحومسعى عنيف لإبعاد حكومة السراج، هوما من شأنه تجهيز المناخ المناسب لعقد هذا المؤتمر الذي يعكس المسعى الأممي من أجل تسوية الأزمة.

تقوية الجبهة الداخلية  خير رادع للأطماع الخارجية

لاشك أن عوامل داخلية وخارجية كثيرة تطيل أمد المعضلة الليبية وإذا كان الأمل كبيرا بجعل الأطراف الداخلية تحقق وفاقا فيما بينها، فكيف يمكن جعل الأطراف الخارجية ترفع أيديها عن ليبيا وتترك أبناءها يقررون مصيرهم بأنفسهم؟
الحديث عن وجود تحديات داخلية وخارجية تشكل عائقا أمام إنهاء الأزمة الليبية سلميا، أمر مؤكد بالنظر إلى مختلف التهديدات التي ترتبط بخصوصية الأوضاع الليبية، وطول الأزمة وتمددها، بيد أن أذرع القوى الخارجية تبقى هي العائق الأكبر، لأنها تنفخ في الخلافات الداخلية وتؤجج دوائر الصراع، والليبيين يملكون مفاتيح تحييد القوى الخارجية في أيديهم، من خلال إعلاء المصلحة الوطنية (مصلحة ليبيا ووحدتها وأمنها واستقرارها) على الحسابات الشخصية (المتعلقة بالسلطة والمكاسب المادية)، لأن تقوية الجبهة الداخلية هوما سيحول أمام المطامح والتدخلات الخارجية.
الصراع في ليبيا، ألا تصنعه دول خارجية مثل فرنسا وإيطاليا؟
في تقديري أن الصراع الداخلي في ليبيا يرتبط بتأثير دول خارجية، تعمل على التحكم فيه وإدارته وفق أجنداتها وتعكس المبادرات المتعددة لهذه القوى بخصوص الشأن الليبي حدة التنافس الخارجي، فتحرك فرنسا وإيطاليا تدفعه الأطماع الاستراتيجية خاصة في النفط الليبي، ومن ثمة تبدو حلحلة الأزمة الليبية مرهونة بالتوازنات الخارجية، بين القوى الفاعلة في الدائرة الليبية.