نظّم أمسية أول أمس نادي “بيت الكلمة” للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور بقسنطينة، ندوة ثقافية حول “الشعر الشعبي في السينما الجزائرية” من خلال تجربة المخرج محمد حازورلي، نشطها الدكتور عبد الله حمادي وحضرتها نخبة من المثقفين، الإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي.
في تقديمه، قال الدكتور عبد الله حمادي إن “نادي بيت الكلمة” الذي أصبح سنة حميدة للتلاقي والحوار، أردناه ومن خلال هذه الندوة، أن يكون هذه المرة منبرا متنوعا وليس حكرا على الأدباء والشعراء فقط بل نافذة على الثقافة بصفة عامة، وهذا حتى يلبي الأذواق المختلفة. وعاد الدكتور عبد الله حمادي في تقديمه للندوة، إلى بدايات المخرج محمد حازورلي، وبروز موهبته في الفن واهتمامه بعالم المسرح والتمثيل سنة 1961 عندما كانا يدرسان معا (رفقة الدكتور عبد الله حمادي) في ثانوية حيحي المكي بقسنطينة، ثم انطلاقته الفنية الحقيقية سنة 1975 عندما اخترق - كما قال - حاجز السينما الجزائرية التي كانت تتغنى بالأفلام الثورية الى عالم القصة الغرامية المبنية على الموروث الشعبي، هذه الثقافة الفنية المخفية التي أبرزها حازورلي إلى الوجود وجعل المشاهد يهتم بهذا الرصيد الثقافي الشعبي بعيدا عن الثقافة الرسمية.
في مداخلته تحدّث المخرج محمد حازورلي عن بداية تجربته في عالم المسرح والسينما، منذ كان طالبا في ثانوية حيحي المكي بقسنطينة في بداية ستينيات القرن الماضي، ثم ولوجه هذا العالم من خلال بعض الأفلام التي سهر على إخراجها بلمسة بعيدة عن التقليد الملتزم الذي كان طاغيا في الأفلام الثورية التي تطرقت للثورة الجزائرية بعد الاستقلال، حيث أكد المخرج أنه أراد ومن خلال أفلام “السخاب” الذي خرج الى الوجود سنة 1975 وأيضا فيلم “حيزية” للشاعر بن قيطون، إعادة القصيد الشعبي والشعر الملحون كموضوع لسيناريو أفلام تتغنى بالحب باعتباره أحد أنبل المشاعر الإنسانية، وهو الأمر الذي قال عنه حازورلي لم يتم تقبله بسهولة ويسر؟ حيث لم يعرض فيلم “السخاب” مثلا حتى مرور سنتين من إنتاجه؟
وأضاف محمد حازورلي أنه ومن خلال هذه الأفلام التي أخرجها، وكسرت التقليد القائم، تم إبراز تراثنا الثقافي وتثمينه وإعطاء القصيدة الشعبية المكانة التي تستحقها باعتبارها حاملة لقصة إنسانية تتحدث بلغة عالمية يفهمها الجميع، وهو ما ساعد على نجاح هذا الفيلم في مهرجان “براغ “ في ذلك الوقت، وحتى في مهرجان موسكو سنة 1975.
واعتبر حازورلي تصوير أفلام جديدة حول التراث، تعرف تقصيرا كبيرا في الوقت الراهن، فالجزائر ـ كما قال ـ غنية بتراثها الشعبي وأن الإنسان لا يخاف من الإبداع بل الخوف فقط من الرداءة، مؤكدا على أنه لايمكن التغلب على الحقد الا بالحب فقط؟
وللإشارة فإن مداخلة المخرج القدير محمد حازورلي تخلّلها عرض مشاهد من فيلميه “السخاب” و«حيرزية”، كان في كل مرة يتدخل المخرج ليعلق على هذه المشاهد التي تم استخدام الشعر الشعبي بين الممثلين كلغة راقية للتواصل تعبر عن أكثر من معنى وتحمل رسائل غاية في الحكمة وفي الإيجاز؟
وفي النقاش الذي ثار حول موضوع هذه الندوة، عقب الدكتور عبد الله حمادي، عن الظرف التاريخي الاستثنائي الذي ظهرت فيه أفلام محمد حازورلي والتي تتناول “قصص الحب”، حيث قال بانه يجب الربط بين الأوضاع الاجتماعية والسياسية آنذاك، لأنه في سبعينيات القرن الماضي، كانت السياسة الاشتراكية المنتهجة تفرض تعبيرا ملتزما يدخل في إطار مشروع المجتمع، فالسياسة ترفض الحديث عن “الحب” لان الأدب كان هو أيضا يعبر عن مرحلة معينة، فالخروج بقصة كهذه يعني خروج عما يتطلبه المجتمع آنذاك؟
وأضاف الدكتور عبد الله حمادي أن محمد حازورلي استطاع رغم هذه السياسة المنتهجة أن يفرض أفلامه، وفتح بابا جديدا في السينما بني على الحالة الدرامية التي تعتمد في خلفياتها على اللغة أو “مجاز اللغة”، لان العمل الفني الإبداعي في حقيقة الأمر يتحدث أصلا بلغة المجازية.
جدير بالذكر، أن نادي “بيت الكلمة” الذي أنشئ منذ 7 أشهر تقريبا وتسهر على احتضانه المكتبة الرئيسية للمطلعة العمومية للولاية، كان قد شهد منذ تأسيسه عدة نشاطات فكرية وأدبية نشطها أدباء وشعراء، وهو اليوم يجعل من هذا المنبر أفقا ثقافيا متنوعا ومتفتحا على كل مناحي الحياة الثقافية.