إنّ عبقرية الثورة التحريرية وعظمتها كانت تتجسد جليا يوما بعد يوم للعدو قبل الصديق، ففي الوقت الذي كانت فرنسا توجه إعلامها ورسائلها للعالم - وبخاصة حلفائها- بأن ما يقع في الجزائر هو مجرد عمل عصابات لا علاقة له بالشعب الجزائري كانت جبهة التحرير تعمل في صمت وبخطى ثابتة نحو فضح أكاذيب وخداع هذا النظام الاستدماري على أرض الواقع، لذلك كان الرهان على الشعب الجزائري بمختلف أطيافه لإنجاح مسيرة الكفاح و إقناع العالم بعدالة القضية الجزائرية وحق الشعب الجزائري في حريته واستقلاله. ومن هذا المنطلق عملت جبهة التحرير على تنظيم وهيكلة كل فئات الشعب داخل الثورة استعدادا للمعركة الحاسمة، ومن المنظمات التي لعبت دورا حاسما في الثورة وكان لها نشاط نقابي وسياسي وحتى عسكري نذكر الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي نحتفل بذكرى تأسيسه ٦٣ هاته الأيام، حيث ان هذا التنظيم لعب دورا محوريا خاصة ضمن النقابات الدولية في الدفاع عن القضية الجزائرية، إضافة إلى دعم الثورة بالأموال التي تعتبر عصب الثورة.
فكيف كان تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين؟ وبماذا تميز نشاطه خلال الثورة داخليا وخارجيا؟ لماذا تأخر تأسيسه إلى غاية فيفري 1956؟
قبل الحديث عن التأسيس ربما يتساءل البعض، إذا كان هذا التنظيم يكتسي كل هذه الأهمية، فلماذا تأخر تأسيسه بأكثر من 17 شهرا عن اندلاع الثورة؟ وهل هذه العوامل لها علاقة بالأشخاص أم بالظروف؟
رغم أن مطلب تأسيس نقابة عمالية خاصة بالعمال الجزائريين كان مطلبا رئيسيا ومن الأهداف العاجلة والمسطرة على المدى القريب في برنامج حركة انتصار الحريات الديمقراطية منذ سنة 1947، إلا أن الأحداث والمشاكل التي شهدتها هذه الحركة أجلت تحقيق هذا المطلب، ومع بداية الثورة كانت الساحة العمالية لا تعترف إلا بالنقابات فرنسية الانتماء مثل الكونفدرالية العامة للشغلC.G.T والقوة العاملة F.O والتي لم تكن تلبي مطالب الجزائريين وانشغالاتهم.
الصراع بين الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني حول تشكيل مركزية نقابية خاصة بالجزائريين:
لم يقتصر الصراع بين الحركة الوطنية و جبهة التحرير على الجانب العسكري فقط بل انتقل الى الجانب النقابي اين حاولت الحركة الوطنية الانفراد بتأسيس نقابة عمالية تستغلها في تثبيت دعائمها ضد جبهة التحرير الوطني، هذا الأمر تفطنت له قيادة الجبهة التي اطلقت في أول الأمر الحرية لأعضائها في الاتصال بنقابيي الحركة الوطنية، مقترحين عليهم تأسيس مركزية نقابية واحدة، حيث لم يكن الأمر اكثر من جس للنبض كما يقول السيد بوعلام بوروبية أحد مؤسسي الـ UGTA
لمعرفة نوايا المصاليين، فكانت اللقاءات تتم بين كل من السادة عطا الله عيسى، بوعلام بورويبة، رابح جرمان عن جبهة التحرير الوطني. والسادة رمضاني محمد، العيد خفاش، عبد القادر تفاحة عن الحركة الوطنية الجزائرية، كانت هاته اللقاءات تهدف لتأسيس مركزية نقابية موحدة تدافع عن المطالب الاجتماعية للعمال الجزائريين فقط، حيث يذكر روني غاليسو في كتابه الجزائر المستعمرة أن اتصالات النقابيين المنضوين تحت لواء جبهة التحرير مع نقابيي الحركة المصالية تم بإذن من عبان وبن خدة، لكن هدفه الرئيس لم يكن تأسيس نقابة كما جاء في الظاهر، إنما إبقاء نقابيي الحركة الوطنية تحت المراقبة المستمرة ومعرفة كل تحركاتهم والسعي لإفشال فكرتهم وهي تأسيس نقابة لأطول فترة ممكنة، وهو نفس الطرح الذي يذكره محمد حربي في كتابه أرشيف الثورة، حيث قال بان بوعلام بورويبة التقى بن يوسف بن خدة في جويلية 1955 وطلب منه وتعطيل المصاليين أكبر وقت ممكن بعد أن أخبره بمشروعهم النقابي.
عود على بدء
ويوضح هذه الفكرة النقابي بوعلام بورويبة أحد أعضاء اللجنة المشتركة، في كتابه:
Les Syndicaliste Algérien,Leur combat de l’evéil a libération national
بالقول أن مهمتهم كانت استغلال هذه الهدنة النقابية من أجل الاتصال بأكبر شريحة من العمال والنقابيين لأجل الاستفادة من خبرتهم وتكوينهم النضالي، بالإضافة إلى التواصل مع النقابات العمالية العالمية ومسئوليها ومحاولة معرفة موقفهم من تأسيس مركزية نقابية جزائرية ومدى قابلية النقابة الدولية لها في صفوفها. من جانب آخر كان من فوائد هذه اللقاءات هو معرفة مواقف أكبر عدد من النقابيين ووجهة نظرهم ضمن جبهة التحرير ومحاولة استمالة الوطنيين منهم، خاصة وأن معظم النقابيين الجزائريين كانوا تحت تأطير نقابة الكونفدرالية العامة للشغل (C. G. T)، ذات الفكر والأغلبية الشيوعية، ونظرا لأن موقف الحزب الشيوعي الجزائري كان لحد هذه الفترة موقفا غامضا إن لم نقل مضادا للثورة - بسبب تعارض أهداف الثورة ومواقفها مع أبجديات الفكر الشيوعي - فإن تسليم نقابة تحمل أفكار جبهة التحرير ومواقفها، وتسعى لتجسيدها على أرض الواقع في ثورة متعددة المعارك ضد مستعمر يجيد اللعب على الانقسامات ويحفظ جيدا مواطن الخلاف في الحركة الوطنية، لأشخاص قناعاتهم مختلفة عن قناعات جبهة التحرير الوطني يعتبر ضربا من المغامرة. لذلك كانت جبهة التحرير تحرص على التأكد من صدق نوايا المناضلين الذين توكل لهم مهمة تأسيس وتسيير نقابة عمالية، وقناعاتهم الثورية الاستقلالية، ومنه يمكن القول أن التأخر في تأسيس نقابة عمالية تابعة لجبهة التحرير الوطني تنظيميا وإيديولوجيا، ولا تتحرك إلا بموافقتها كان موقفا مدروسا من قبل قيادة الثورة، لأن الهدف من تأسيس النقابة بالنسبة لجبهة التحرير هو تعزيز موقف الثورة داخليا وخارجيا، في إطار التنسيق بين مختلف الجوانب السياسية، العسكرية والنقابية للدفاع عن القضية الجزائرية خاصة في المحافل الدولية. وتوسيع نطاق تحركها ليصعب على فرنسا التحكم فيها والسيطرة عليها.
تأسيس الاتحاد العام للعمّال الجزائريّين والصّعوبات التي واجهها
قبل بداية العمل المسلح لم يكن الجزائريون ينشطون في النقابات إلا في حدود ضيقة مثل عمال الميناء، النقل، الصحة والفلاحة، حيث تذكر إحدى الوثائق الأرشيفية الموجودة في الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي(العلبة رقم 30 SEAA 1957 / 1967) أن الجزائريين لم يكونوا منظمين، وقد سعت النقابات الفرنسية لذلك حيث أحصت 48 ألف منخرط في C.G.T، و6 آلاف في C.O، وحوالي27 ألف في نقابة C.F.T.
ويرجع سبب هذا العزوف لعدم لاختلاف الأهداف والاهتمامات مع الفرنسيين، ولكن مع بداية ثورة نوفمبر 1954 كانت الساحة العمالية كانت مهيأة لاستعمالها في المعركة ضد المستعمر، لذلكقررت قيادة الثورة المضي قدما في إنشاء نقابة عمالية تابعة لجبهة التحرير ، مهمتها التعبئة العمالية والدعم اللوجيستي للثورة، حيث بدأ عبان رمضان وبن يوسف بن خدة يجمعان المعلومات ويكثفان الاتصالات مع النقابيين المعروفين بولائهم لجبهة التحرير، وكانت الاجتماعات تعقد تباعا بمنزل النقابي بوعلام بورويبة، ولعل أهمها الاجتماع الذي تم بتاريخ 17 فيفيري 1956، والذي كان بمثابة الرد على المصاليين بالشروع في الإعلان عن مركزية نقابية تحمل نفس إيديولوجية جبهة التحرير الوطني، حيث يقول السيد رابح جرمان وهو النقابي البارز في ميناء الجزائر وواحد من أعضاء لجنة العمل النقابي لحزب الشعب في هذا الصدد: «تتبعنا عن قرب إنشاء الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين، ونبهنا قيادة جبهة التحرير الوطني...وبعدها التقينا مع عبان رمضان وبن يوسف بن خدة من أجل تحضير الرد، ولم نتردد، كان علينا أن ننشئ الاتحاد العام للعمال الجزائريين».
ووفق هذه المهمة باشر بن يوسف بن خدة مهمته أين اتصل بمحمد درارنيو بوعلام بورويبة ورابح جرمان وعيسات إيدير، وكان هؤلاء النواة الأولى للمركزية النقابية.
ميلاد الاتحاد العام للعمّال الجزائريّين
لا تقل اللحظات الأخيرة لميلاد الاتحاد العام للعمال الجزائريين أهمية عن ميلاد جبهة التحرير الوطني ،فهي تؤرخ لميلاد حركة نقابية سيكون لها الشأن الكبير في الكفاح المسلح وفي بناء الجزائر بعد الاستقلال كما هو الحال بالنسبة للجبهة، وبالعودة لتفاصيل هذا الحدث فإن قيادة الجبهة مع بعض النقابين الذين أسلفنا ذكرهم وبعد الفصل النهائي في موقفهم من نقابة المصاليين، أخذوا يُعدون العدة لساعة الصفر مع ضرورة تجنب الأخطاء والسلبيات التي وقعت النقابات لسابقة خاصة UGSA و USTA في تعاملها مع واقع الحركة العمالية و مطالب الشعب الجزائري، حيث نددت جٌل الحركات السياسية ومن ورائها النقابات التي تدور في فلكها بالثورة و بجبهة التحرير الوطني في الفاتح من نوفمبر، لذلك كان الارتباط وثيقا في الأهداف والمبادئ ووسائل الكفاح بين جبهة التحرير والاتحاد العام للعمال الجزائريين.
الاجتماع الحاسم
كانت الإنطلاقة الفعلية لـتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين بعد الاجتماع التاريخي الذي تم عقده بمنزل بوعلام بورويبة في حي بولوغين بالعاصمة بتاريخ 17 فيفري 1956، بحضور عيسات إيدير وعبان رمضان وبن يوسف بن خدة والدكتور شولي، ويعتبر هذا الاجتماع اجتماعا تأسيسيا لنقابة عمالية تابعة لجبهة التحرير لذلك جاءت معظم النقاط التي تناولها الحاضرون هي التأكيد على تكامل العمل بين جبهة التحرير في ساحة المعركة السياسية والعسكرية، وعمل المركزية النقابية على الساحة العمالية الوطنية، الفرنسية وفي المحافل الدولية ضمن النقابات العالمية. كما تم في هذا الاجتماع التحضير المادي للتشكيل النقابة من خلال تقديم الجبهة لمبلغ 1 مليون فرنك فرنسي لقيادة النقابة، واستلام بعض المقرات والوسائل من طرف يقدما المناضل السابق الاتحاد الديمقراطي السيد حسان بورويبة.
وتم الاتفاق على تسمية النقابة الجديدة باسم «الإتحاد العام للعمال الجزائريين» Union Générale des Travailleurs Algériens
، وسوف تعقد الجمعية التأسيسة والتي هي بمثابة ميلاد النقابة قانونيا بتاريخ 24 فيفري 1956.
بالإضافة لاختيار شعار يكون دلالة على مغزى ومعنى هذه النقابة وكان الشعار الذي اتٌفق عليه عبارة عن دائرة يتوسطها علم الجزائر وأمامه يدين متحدتين (متشابكتين) وأسفله سنبلة، مكتوب عليه باللغة العربية من أعلى «الإتحاد العام للعمال الجزائريين»، ومن أسفله باللغة الفرنسية اختصارا UGTA،ولعل اعتماد علم الجزائر الذي رفعته جبهة التحرير هو دعوة صريحة للاستقلال ،أما السنبلة فهي رمز الإنتاج واليدين رمز الوحدة.
ونظرا لدور الإعلام في نجاح أو فشل أي قضية فقد كان الاهتمام بالجريدة التي ستكون واجهة إعلامية بالدرجة الأولى، فتم الاتفاق على تسمية الجريدة لسان حال الاتحاد باسم «العامل الجزائري»، ولم يُهمل الحاضرون مسألة أهمية التواجد في النقابات العالمية، لما يُمكن أن تُقدمه من دعم للاتحاد وللقضية الجزائرية، وأهمها الاتصال بالاتحاد المغربي للشغل (UMT) والاتحاد العام للعمال التونسيين (UGTT).
وفي المرحلة الأخيرة يأتي تحضير الملف الإداري لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وإيداعه لدى الجهات المختصة. كما تناول الأعضاء الحاضرون الأمور التنظيمية خاصة القيادة والقوانين المسيرة للنقابة، وتحديد تاريخ المؤتمر. وفي هذا الصدد يذكر السيد بوعلام بورويبة أحد الحاضرين في هذا الاجتماع رفقة كل من عيسات إيدير وجرمان رابح، عطا الله عيسى، السيد علي يحيى عبد المجيد، عبان رمضان وبن يوسف بن خدة، بأن الاتفاق كان على ضرورة أن تكون القيادة جماعية، وبوجود معظم أعضاء لجنة الشؤون النقابية التي تأسست غداة مؤتمر1947 فإن مشكل قيادة هذا التنظيم لم يعد مطروحا، وبقي فقط تعيين أعضاء المركزية التي تتشكل من 21 عضو منهم الخمسة القياديين.
بالانتهاء من جميع التحضيرات المادية والمعنوية والبشرية، انطلقت أشغال المؤتمر الأول للإتحاد العام للعمال الجزائريين يوم 24 فيفري 1956 بمقر سابق للإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بـ 6 ساحة لافيجري (Lavegrie ) أين جرت الأشغال وتمت المصادقة على القانون الأساسي.
لوائح لها قيمة ووزن
وتمّ في هذا المؤتمر المصادقة و تعيين هياكل المركزية النقابية التي جاءت كالآتي هيئة المكتب الوطني أو اللجنة التنفيذية، وتتكون من 13 عضوا وهم: بورويبة بوعلام، مادا محمد ممثلا لعمال السكك الحديدية، عيسات إيدير، علي يحيى عبد المجيد وعمراني عبد القادر عن الضمان الاجتماعي،حدادي مسعود، لاميني عمار وبن عيسى عطا الله عن الصحة، عقاب محمد عن ترامواي الجزائر، عياش محمد عن عمال البلدية، بورويبة حسان، زيتوني محمد ممثلان لعمال التعليم، جرمان رابح ممثلا للموانئ وبعد ذلك انتخب الأعضاء هيئة المكتب الوطني المكونة من خمسة أعضاء وجاءت كما يلي: عيسات إيدير أمينا عاما، بن عيسى عطا الله أمين عام مساعد، علي يحيى عبد المجيد أمين وطني مكلف بالمالية، بورويبة بوعلام وجرمان رابح أمناء وطنيون.
التّوجه للسّعي للاستحواذ على القاعدة العمالية والهيمنة على التّمثيل النّقابي
لم تُمهل قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين لنفسها الكثير من الوقت لتدخل ساحة النضال على عدة جبهات، الجبهة الأولى هي إقناع وهيكلة العمال الجزائريين في المركزية الجديدة ،أما الجبهة الثانية فهي الوقوف ضد محاولات التشويش التي يواجهها الاتحاد من طرف أعتى النقابات المتواجدة في الجزائر وعلى رأسهم النقابة العامة للشغل والاتحاد النقابي للعمال الجزائريين والاتحاد العام للنقابيين الجزائريين، فكان لزاما على الاتحاد العام للعمال الجزائريين أن يبرز قدراته التعبوية والإقناعية بين الجماهير العمالية في مختلف المؤسسات، وأهم شيء هو نوعية هذه المؤسسات،لذلك كان اهتمام الاتحاد بعمال الموانئ، والبناء وكذا بعض الإدارات، وعمال البريد والمواصلات نظرا لعدد موظفيها ونوعيتهم، ولطبيعة نشاط هذه المؤسسات خاصة الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر في السياسة الفرنسية،وإضعافها في حال شن أي حركة احتجاجية وكذا تجذر كل من نقابة CGT و UGSA ، ولكن هذا لا يعني إغفال قيادة الاتحاد لعمال باقي القطاع.
وعن تحركات النقابيين في سبيل تشكيل الفروع النقابية في هذه القطاعات يذكر السيد بوعلام بورويبة أن كل من السيد رابح جرمان والسيد عبد القادر عمراني، والسيد سليمان ريبة و عبد القادر لحوامد ومحمد قوادري ومناضلين آخري قد قاموا بعدة جولات ميدانية في مختلف مناطق الوطن مثل العاصمة، وهران، عنابة، سكيكدة أين استطاعوا أن يقنعوا عدد لا بأس به من النقابيين بالانضمام للاتحاد، من خلال شرح برنامج الاتحاد العام و أسباب تأسيسه، وفي أسوء الأحوال إقناع العمال بدفع اشتراك مزدوج لكل من نقابة السيجي تي والاتحاد العام في حال عدم الالتحاق بالمركزية الجديدة وذلك بسبب قوة تواجد نقابة CGT، في بعض المناطق خاصة الغرب الجزائري والعاصمة.
وتشير الوثائق الأرشيفية إلى أن التنافس كان شديد بين نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين و الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين، وهو ما حدث أثناء عملية انتخاب أعضاء المجلس التأديبي لمديرية النقل لمدينة الجزائر التي جرت بتاريخ 30 مارس 1956 أي بعد مرور شهر واحد فقط على تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث اكتسحت النقابة الجديدة وهي U.G.T.A الانتخابات وتحصلت على الأغلبية المطلقة بـ 9 أصوات مقابل 4 لنقابة C.G.T في غياب تام للنقابة المصالية، ويُرجع التقرير الذي أعدته المصالح الإدارية الفرنسية في الجزائر والموجه إلى كل من السيد وزير الشؤون الاجتماعية والسيد سكرتير الدولة للداخلية المكلف بشؤون الجزائر بتاريخ 23 مارس 1956 أسباب تفوق U.G.T.A
في التمثيل النقابي إلى نوعية المناضلين المنتمين للاتحاد العام للعمال الجزائريين، والذين كان أغلبهم أعضاء في نقابة ال C.G.T،وكذا توجيههم من طرف جبهة التحرير الوطني، في المقابل التراجع الواضح في اهتمام النقابة الموالية لمصالي الحاج الـ U.S.T.A بأمور العمال الجزائريين.
محطّة فاصلة
إلاّ أن هذا التنافس سرعان ما انتهى باستقطاب الاتحاد العام لمعظم النقابات المتواجدة في الجزائر خاصة في الوسط والغرب، مع ظهور ضعيف بمنطقة قسنطينة، مما أدى بالاتحاد النقابي ذو التوجه المصالي لمغادرة الجزائر والاستقرار بفرنسا، والملاحظة المهمة التي نستنتجها من خلال عملية الانخراط هو ذلك المنحى التصاعدي لأعداد المناضلين في ظرف جد قصير مقارنة بباقي النقابات وخاصة التحاد النقابي للعمال الجزائريينUSTA،حيث انطلق بعدد قليل يُعدون على الأصابع ممثل في النقابيين المقتنعين بإيديولوجية جبهة التحرير،لينتقل إلى حوالي60.000 عضو بعد 3 أشهر من تأسيسه أي في حدود في 30 أفريل1956، ثم أكثر من 100.000ألف منخرط في نهاية شهر جوان 1956، وتذكر إحدى الوثائق الأرشيفية التي تحصلت عليها السلطات الاستعمارية بعد عملية تفجير مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين أن عدد المنخرطين وصل في نهاية 1956 إلى حوالي 150.000 منخرط ينشطون في أكثر من 85 نقابة عبر التراب الوطني مقسمة كما يلي: 58 نقابة بالجزائر، 27 بمنطقة وهران وواحدة في قسنطينة، وهذا كله يدل على تجذّر الفكر الاستقلالي في وسط الطبقة العاملة الجزائرية، وكذلك كسب جبهة التحرير لمعركة هامة ستفيدها كثيرا في كفاحها ضد الاستعمار.
الانخراط في الكونفدرالية الدولية..
الأبعاد والخلفيات
لماذا اختار الاتحاد العام للعمال الجزائريين الانخراط في الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ذات التوجه الرأسمالي؟
لم تهمل قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين العمل على المستوى الخارجي خاصة ضمن النقابات الدولية، أين كانت الساحة النقابية الدولية تشغلها نقابتين هما الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ذات التوجه الرأسمالي وفدرالية النقابات الدولية ذات التوجه الاشتراكي، لكن الغريب ان الجزائريين اختاروا نقابة المعسكر الغربي للانخراط فيها من اجل محاربة النقابات الفرنسية في معقلها مما تولد عنه رفض كبير من طرف بلجيكا وفرنسا لهذا الانضمام وذلك خلال أشغال المؤتمر السنوي لـ CISL المنعقد في بروكسل شهر جويلية 1956، وجاء طلب الانضمام بدعم من الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد التونسي للشغل اللذان هددا بالخروج من هاته النقابة الدولية في حال عدم انضمام الاتحاد العام للعمال الجزائريين لها، وهو ما تم بالفعل خلال الفترة الممتدة بين 3 / 4 / 5 جويلية 1956، فبضغط من النابتين التونسية والمغربية ودور ممثل الوفد الجزائري في إقناع وفود ال CISL
تم رفض عضوية الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين التابع للحركة المصالية لعضوية الكونفدرالية وقبول عضوية الاتحاد العام للعمال الجزائريين في الC.I.S.L، وجاءت نتيجة المداولات كما يلي:
16 صوتا مع الانضمام.
2 صوتان ضد.
صوت واحد ملغى.
رد فعل السلطات الفرنسية على انضمام الاتحاد العام للعمال الجزائريين إلى الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرّة
هذا الانضمام أخلط أوراق فرنسا التي قامت بإصدار بيان تحذر فيه من تصاعد نشاط UGTA على الصعيد الدولي، هذا التخوف كان في محله حيث مباشرة بعد الانضمام قام الاتحاد العام للعمال الجزائريين باقناع النقابات الدولية للوقوف على حقيقة الأوضاع في الجزائر وبشاعة الاستعمار الفرنسي وظروف المعيشة، وهو ما جعل النقابة الدولية تتحرك، حيث راسلت عدة مرات الحكومة الفرنسية من اجل الدفاع العمال الجزائريين، كما طالبت بإطلاق صراح النقابيين المسجونين وتوكيل المحامين لهم، إضافة للدعم المادي والذي تمثل في تقديم مبلغ مالي قدره 50.000 دولار أي ما يعادل 21 مليون فرنك للنقابيين وعائلاتهم، واستغلال الصندوق الدولي للتضامن من اجل المساهمة في التكوين المهني للشباب المناضل، كما قامت بإدراج قضية القمع النقابي المسلط على العمال الجزائريين من طرف السلطات الاستعمارية في النقطة العاشرة من جدول أعمال اللجنة التنفيذية للكونفدرالية المنعقد بتاريخ 03 جويلية 1956، ومن جملة القرارات التي صدرت عن هذه الأشغال هو اتباع جملة من الخطوات للدفاع عن القضية الجزائرية، والاتحاد العام للعمال الجزائريين،وتمثلت في:
@ حملة جمع توقيعات ضد السياسة الاستعمارية في الجزائر،توجه للسيد الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الأمم المتحدة.
@ رفض سياسة فرنسا تجاه الاتحاد العام للعمال الجزائريين بمحاولة إقصائهم من الانتخابات بالتنسيق مع نقابات لا تمثيل لها.
@ بناء على الدورة 12 للجنة التنفيذية وبموافقة السيد الأمين العام ل C.I.S.L تم وبطلب من الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي قدم تقريرا مفصلا حول التجاوزات الحاصلة من طرف سلطة الاحتلال بتاريخ 25 أكتوبر1956، تم تقديم عريضة وشكوى لدى المنظمة الدولية للعمل (O.I.T)، ضد الحكومة الفرنسية في فيفري1957، وذلك بناء على تقرير موثق بالأدلة قدمه الاتحاد العام للعمال الجزائريين،ويخص التقرير أشكال القمع المسلط على نقابيي U.G.T.A
المطالبة في نفس الوقت بإرسال لجنة تحقيق إلى الجزائر، وتقديم احتجاج رسمي باسم النقابة الدولية بسبب منع السلطات الفرنسية سفر ممثلي الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ورفض منحهم التأشيرة للمشاركة في أشغال الندوة الجهوية الإفريقية ل C.I.S.L.
إضافة إلى إيفاد مختصين اجتماعيا للتواصل مع المعتقلين النقابيين وعائلاتهم وتقديم بعض المساعدات، حيث لاحظت النقابة الدولية أن عائلات النقابيين المعتقلين أصبحوا بدون معيل يكفل لهم كرامة العيش.
كما عبرت الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة عن دعمها للنقابيين الجزائريين عن طريق التصريح الآتي: «إن اللجنــة التنفيذية ل C.I.S.L تندد بالإجراءات القمعية المتخذة ضد الحركة النقابية الجزائرية الحرة وكذلك بحملات التوقيف التي تطال مسؤوليها...وهي تحي النقابيين الجزائريين المحرومين من حريتهم، وكذلك الذيــن يقدمون أرواحهم من أجل النشاط النقابي الضروري لوضع أسس الديموقراطية في الجزائــر، تطالب بالإفراج الفوري عن النقابيين المحبوسين..إن C.I.S.L تدعم ماديا وفعليا عمـال الجزائر وتطالب بفتح مفاوضات مباشرة مع الممثلين الفعليين للشعب الجزائري».
من جهة أخرى قامت ال C.I.S.L بحملة عالمية من أجل البحث عن عيسات إيدير الذي أخذ من طرف مصالح الكولونيل غودار بعد تبرئته من طرف العدالة في 1959،
ولا يجب أن ننسى كذلك أن «السيسل» كانت المركزية العالمية الأولى التي كان لها شرف الاعتراف بمنظمة نقابية وطنية تابعة لبلد مُستَعمَر.