تعود ذكرى تأميم النفط هذه السنة والاقتصاد الوطني يواجه تحديات مصيرية تتطلب الانتقال إلى سرعة في تجسيد برامج التحول لإنجاز أهداف النمو من خلال إنتاج وتراكم الثروة خارج المحروقات. في مثل هذا اليوم من سنة 1971، تم رفع التحدي بإقحام كفاءات جزائرية ترجمت تلك الإرادة السياسية القوية التي سطرت معالم السيادة الاقتصادية، فتحققت مكاسب قطفت ثمارها أجيال متعاقبة. غير أن التحدي القائم حاليا يتطلب إعادة شحن تلك الإرادة وصياغة توجه جديد لإدراك أهداف النمو عن طريق مواكبة التحولات بأقل كلفة وأكثر نجاعة.
لم يكن يقصد بالتأميم الاستحواذ على الثروات الباطنية وكفى، وإنما توظيفها في بناء البنى التحتية للاقتصاد وتأهيل الجهاز الإنتاجي والنهوض بالموارد البشرية لمواصلة الطريق الصعب لتأمين الأمن المالي للبلاد والحافظ على حقوق الأجيال الاقتصادية والاجتماعية. في هذا المنعرج الحاسم، تبرز الحاجة الملحّة لمثل تلك الإرادة الصلبة لتجسيد التحولات الاقتصادية بمختلف فروعها، وتبقى للطاقة التقليدية دور بارز في هذا المسار الصعب لتهيئة الأرضية المتينة لإرساء بنية الطاقات المتجددة المطابقة لمعايير المنافسة والحفاظ على البيئة.
لا يزال للنفط والغاز دور ريادي في استكمال برنامج الأمن الطاقوي، بحيث يقود التوظيف العقلاني للموارد وتعميق الحوكمة في استغلالها على كافة المستويات، إلى تعزيز القدرات الوطنية في مجال بناء نسيج مندمج ومتكامل قادر على التموقع في المشهد الإقليمي والعالمي. وقد بدأت تظهر بوادر هذا التوجه على مستوى تنفيذ ورقة الطريق التي سطرها مجمّع «سوناطراك» لآفاق 2030، بانتهاج مسار مناجيريالي جديد، يرتكز على وضع الثقة في الكفاءات الجزائرية القائمة على دواليب عمل الحقول والمحطات ومختلف أدوات الجهاز الإنتاجي ضمن معايير التنافسية والابتكار.
المعركة اليوم تتعلق أساسا بكسب رهان تقليص النفقات إلى أدنى حد مع الرفع من وتيرة الإنتاج إلى أعلى مستوى مع فتح السبيل أمام اقتحام عالم الصناعة التحويلية البتروكيماوية وكذا الطاقات المتجددة والنظيفة. في هذا الإطار أعطيت «أفضلية» للمؤسسات الجزائرية التي تنشط في نطاق الصناعة النفطية لتساهم في هذا المجهود الوطني، غير أن طبيعة العمل ومواصفاته التقنية تستدعي منها الارتقاء إلى درجة متقدمة في مجال العمل بالمعايير واحترام الجودة والكلفة والآجال.
في خضم هذا الطموح المشروع للنسيج الاقتصادي الوطني بكافة أطرافه، قطاع عام، خاص وبالشراكة الأجنبية، تلقي في هذا اليوم أيضا ذكرى تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بظلالها على المشهد الذي يعكس مرحلة حبلى بالمكاسب ويتطلع لأخرى أكثر نماء وازدهارا. ولن يتأتى هذا سوى بالانخراط في بوتقة العمل برفع الإنتاج وتحسين إنتاجية العمل لخلق الثروة البديلة. وتتوفر مختلف العوامل التي تشجع على تحقيق تلك الهبة الاقتصادية إذا ما تظافرت الجهود وتكاملت المشاريع القطاعية وتمحورت حول تثمين العمل، باعتباره المعيار الوحيد والأوحد في حسم المنافسة بين الكفاءات، في ظل التوجه إلى اقتصاد المعرفة وهيمنة الذكاء الاصطناعي.