طباعة هذه الصفحة

خاطرة

قاسية هي المنية

بن دادة وداد

الحياة صعبة، والموت مرٌ. فمهما حاولوا، وحاولنا إقناع أنفسنا أن الموت حقّ وكل نفس ذائقة الموت، ومهما كرّر اللسان لمواساة النفس هم السابقون ونحن اللاحقون. إلا أن الموت قاسٍ. إي نعم قاسٍ جدا وفقد عزيز أقسى، تأتي المنية بغتة لتسرق روح عزيز، وفي غفلة منا.
مهما قلت سأعيش حزني وحدي، ودرء مشاعري إلا أن الابتسامة الراحلة، والدموع الجارية، وكذا الوجه الحزين يجعلونك تشارك من يحيطونك. ومهما حاولت عدم مشاركة الأطفال الصغار في مصيبة الموت، إلا أنهم يشاركونك غصبا عنك.
تعتقد أنهم يجهلون الموت، وحقيقته، إلا أنهم يحدثونك بأسلوبهم الخاص الذي يحمل من البراءة ما يعبّر عن براءتهم الطفولية. يحدثوننا هم عن المنية، مصيبتها والغياب الأبدي للمتوفي، ليثبتوا عكس ما نظن، كأنه يرسل رسالة لنا نحن الكبار لا تظن بي شيئا، وترسم عني صورا لوحدك.
ففي رسالة من الطفل الصغير «يحيى» الذي ظلّ يلعب، ويلهو في تلك الجنازة، هو الذي لم يتقرب أبدا من تلك الجثة الهامدة الملتفة في ثوبها الأبيض، لم يسأل لم أنت تبكي يا أمي؟ لم كل الناس تبكي؟ ما هو الموت؟ وإلى أين سيذهب جدي بعد موته؟ إلا أنه بعد أسبوع، وبعد عودته إلى بيت عائلته الصغيرة كتب الطفل «يحيى» الذي لم يتجاوز عمره 06 سنوات بعد، والذي مازال يتعلّم الخط و كتابة الحرف، كتب رسالة لجدته قال فيها «جدي صالح سيدخل الجنة»، وضع مكتوبه هذا في رسالة صنعها بيده رسم عليها أناس كثر يمسكون بأيادي بعضهم البعض، و بعض الخطوط الملونة. أغلق رسالته بشريط لاصق كأنه خائف من ضياعها. أعطاها لوالده وطلب منه «خذها لجدتي» فكان هذا أسلوبه في المواساه، وإجابة على التساؤلات السابقة بأنه كان جاهل لما حدث، وغير مبال، فقد فنّد ظننا بأن الصغار يجهلون الموت وحقيقة رحيل أبدي.