طباعة هذه الصفحة

حليمـة بـن بوزة:

 عالمـة لا تكّــلّ عـــن السّعــي

في زمن العلم والتكنولوجيا نفتقد لدور العالمة التي تحقق إنجازات عالمية، وفي زمن المادة نفتقد العالمة التي تحمل رسالة إنسانية ومجتمعية، إذ أصبحت الانجازات الشكلية هي الديدن الذي ينتهجه كثير من الناس بسبب تأثير الثقافة المادية التي حصرت قيمة الإنجاز بالكم لا بالكيف...
 ثمة نساء تمكنّ من المواءمة بين الدور الفطري والدور المجتمعي في حياتهن الشخصية، ومنهن عالمة البيوتكنولوجيا حليمة بن بوزة، التي بدأت رحلة التعليم مبكراً، ثم واصلته حتى بلغت درجة مشرفة ليس على مستوى أسرتها، أو مجتمعها بل على مستوى الوطن العربي ككل.
... ينظر العالم اليوم للمرأة المسلمة على أنها امرأة مسلوبة الإرادة، جاهلة، غير منتجة، وأمام هذه الصورة المشوهة عالمياً نحتاج إلى ظهور عالمات متميزات ليس للرّد على هذه النظرة الخاطئة وحسب، بل من أجل أن يثرين واقعهن ويصبحن قدوات ونماذج للنساء الأخريات.

إنجازات على أرض الواقع

 لا يمكن لأي جهد منظم عبر فترة زمنية طويلة ألا يؤتي ثماره على أرض الواقع، وهكذا هو حال الدكتورة حليمة بن بوزة التي نظمت جهدها ووقتها، فبعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه في دراسة تهجين النبات وعلم الوراثة من جامعة «جمبلوكس» البلجيكية، ترأست مركز البحث في البيوتكنولوجيا الذي يعتبر الأول من نوعه في الجزائر، وتعمل من خلال هذا المركز على تطوير أبحاثها في دراسة النباتات وتطوير لقاحات لمعالجة الأمراض المزمنة.
ويعود الفضل لها في إنشاء مخبر للكشف عن المنتجات المعدّلة وراثيا في التغذية النباتية، و يتمثل دوره في تطبيق التحاليل العلمية من أجل الكشف عن المواد الغذائية المستوردة، وكذا المواد التي لها علاقة بالأغذية ذات المصدر الحيواني، وهو يهدف أساسا لتحليل واختبار البذور المعدّلة عن طريق التدخل البشري والحكم على استعمالها، كما يعمل على تحديد البذور المستوردة ذات المصادر المجهولة وعلى تنمية المؤشرات الحيوية، التي قد تسبب الأمراض من بينها الأمراض السرطانية.
 أمام انجزاتها الكثيرة  في مجال البيوتكنولوجيا تم اختيارها كأفضل عالمة في الوطن العربي لعام 2013 من قبل وزارة الخارجية الأمريكية كمثال يقتدى به في مجال العلوم والتكنولوجيا في إطار برنامج المرأة والعلم ويعتبر هذا البرنامج مبادرة عالمية أطلقتها وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2010، لتشجيع ودعم الكفاءات العلمية والتكنولوجية النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما تم تكريمها بجائزة «أونتوان بيشون» جراء جهودها في مجال تطوير اللّقاحات، وتمنح هذه الجائزة على البحوث التي يتم من خلالها تقديم علاجات لأمراض مزمنة، سيما مرض السرطان، وعلى الصعيد المهني تقلدت الدكتورة عدة مناصب، حيث عملت كأستاذة محاضرة بجامعة باتنة، وفي سنة 2011، تم تعيينها من طرف الحكومة الجزائرية، رئيسة للجنة المشتركة بين قطاعات الصحة وعلوم الحياة، كما انضمت كعضو بالمجلس الوطني الجزائري لتقييم البحث وعضو بالمجلس الدائم القطاعي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، و في العام 2013 قام رئيس الوزراء بتعيينها رئيسة للّجنة التوجيهية لمشروع الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية بالجزائر، ثم تولت إدارة أول مركز للتكنولوجيا الحيوية في قسنطينة، تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 العالمة في زمن العلم

 ينبغي أن يتم غرس قيمة العلم في نفوس النشء، كما ينبغي أن يتم الاهتمام بتعليم الفتاة لتصبح عضو فاعل في المجتمع، لأن الفتاة إن وجدت البيئة المناسبة والتشجيع الكافي ستتمكن من ترتيب أولوياتها وتحقيق انجازات استثنائية على صعيدها الشخصي والمجتمعي، وعندما نتأمل في قصة نجاح الدكتورة حليمة بن بوزة وغيرها من العالمات المتميزات نرى أن الإنجاز لا يتحقق فجأة بل يحتاج لمسيرة طويلة من الجهود والسعي.
يذكر أن الدكتورة حليمة بن بوزة أم لثلاثة أطفال، ولديها انشغالاتها ومسؤولياتها وعلاقاتها، ورغم انشغالها لا زالت تحافظ على سعيها في طلب العلم والنجاح، وبهذا تستحق أن تكون نموذجاً يقتدى به، ليس على مستوى الوطن العربي وبحسب، بل على مستوى العالم.