طباعة هذه الصفحة

استثمارات عمومية ضخمة أبرزها مجمع الفوسفات

رصد حركية في الفلاحة، الصناعة والسياحة

فضيلة بودريش

عكس آخر تقرير اقتصادي بشفافية الجهود المبذولة في المسار التنموي وانتعاش حركية الاقتصاد الوطني خاصة في قطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة، رغم الهزات الفجائية التي تعرض لها الاقتصاد الجزائري بفعل تقلبات أسعار النفط، وسلط هذا التقرير الذي استند إلى مؤشرات دقيقة، الضوء على قطاع الفلاحة الذي تمكن خلال العشريتين الماضيتين وبفضل الاستثمارات العمومية الضخمة، التي استفاد منها من تحقيق قفزة نوعية أدت إلى رفع الناتج الداخلي الخام، كما أثنى ذات التقرير بشكل كبير على مجمع الفوسفات العملاق، الكائن بشرق البلاد، الذي ناهزت قيمته 6 ملايير دولار يعوّل عليه ليكون من أهم المشاريع التي تم إطلاقها.

لفت انتباه مجموعة أكسفورد بزنس غروب «أو.بي.جي»، التطور المسجل في الجزائر رغم تحديات تقلبات أسعار النفط التي عصفت بالدول المنتجة، منذ منتصف عام 2014، لكن خطوات التنمية وجهود تحسين أداء الآلة الإنتاجية مازال متواصلا، لأن جميع الأرقام جاءت مشجعة وترشح الجزائر كي تتخلص من عبء الواردات في المواد الغذائية في المرحلة الأولى، محققة الاكتفاء الذاتي في غضون الثلاث سنوات المقبلة فقط، ووصفت وثيقة هذا التقرير القفزة في قطاع الفلاحة بالمهمة كونها تمكنت في وقت قياسي من رفع حجم الصادرات من المنتجات الفلاحية إلى النصف خلال عام 2018، ويضاف إليها الإنتاج القياسي غير المسبوق من القمح والذي قفز إلى أكثر من 60 مليون قنطار بفعل الاستثمارات العمومية التي بلغت 2.500 مليار دينار، أي ما يعادل 18.2 مليار آورو، خلال عقدين من الزمن.
 من أهم القطاعات الواعدة التي يعوّل عليها في خلق الثروة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وركز عليه هذا التقرير الاقتصادي، نذكر قطاع صناعة المواد الصيدلانية التي ارتفعت قدراتها الصناعية بما لا يقل عن 65 ٪ من الاستهلاك المحلي، إلى جانب قطاع الصناعة الغذائية الذي بدأ يقتحم الأسواق الخارجية بعد أن تموقع بجودة منتجاته في الأسواق المحلية.
الجدير بالإشارة، فإن المكاسب المحققة في المنظومة الاقتصادية باتت واقعا مجسدا لا يمكن التفريط فيه، ويحتاج إلى جهود أكبر وتخطيط متواصل وتقييم وتصحيح حتى تبقى عجلة النمو تسري نحو الأمام، ولا يمكن للاقتصاد أن ينفتح أكثر ويتحرر بعيدا عن الانتهاء من الإصلاحات المالية التي تمت مباشرتها خاصة ما تعلق بالدفع الإلكتروني والاندماج المالي، وبالإضافة إلى التنويع في أنظمة التمويل الأخرى آخرها التعويل على الصيرفة الإسلامية، التي أدرجت للعمل بها في المنظومة المصرفية العمومية وكذا الإيجار المالي.
لم تتجاهل آخر وثيقة لـ «أو.بي.جي» التي شرحت فيها القطاع الاقتصادي الجزائري ما تحقق في المنظومة المالية الجزائرية من تطور بفضل حزمة من الإصلاحات، ويسجل كل ذلك في ظل الحماس الكبير القائم من طرف الخبراء، من أجل تحرير أوسع للمبادرات الاقتصادية من خلال مواصلة بناء النسيج الصناعي وتشجيع استحداث المؤسسات الاقتصادية وامتصاص البطالة.
يمكن القول أن اعتراف «أكسفورد بزنس غروب» بالمكاسب والانجازات التي حققتها الجزائر، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تجسدت بفضل استثمارات عمومية ضخمة وتسهيلات جبائية وإصلاحات مالية وتشجيع استحداث المؤسسات من خلال عدة آليات، جاء ليرد على العديد من الأصوات المتشائمة التي تروّج لفكرة أن الاقتصاد الجزائري مازال يسير بخطوات بطيئة، ومازال بعيدا عن النجاعة التي تؤهله لاقتحام الأسواق الخارجية وفرض تنافسيته على جودة المنتجات الأجنبية، بل أن المؤشرات التي استعان بها تقرير «أكسفورد بزنس غروب» حقيقية ودقيقة وواقعية وتشجع على مواصلة معركة النمو الصعبة في ظل تقلبات أسعار النفط المورد والمصدر الوحيد في تمويل النفقات الوطنية. يتطلع أن يكون قطاع الفلاحة في الريادة ويعوّل إلى جانب ذلك على انتعاش السياحة ومواكبة الصناعة للتطورات التكنولوجية وكسب رهان التصدير. وخلاصة القول أن التطور الاقتصادي في المتناول، لكن يحتاج إلى الكثير من الانضباط.