طباعة هذه الصفحة

حينما يسقط الثّلج بالأطلس البليدي

 الشريعـة السّاحـرة محجّــا لعشـــّاق الأبيض البــارد

البليدة: لينة ياسمين

كلّما تساقطت قطنيات الثلج البارد والناعم بقمم حظيرة الشريعة السياحية وسلسلة الأطلس البليدي، وتخومها لمرتفع تمزقيدة إلى الجنوب الغربي تماما، الا وتشرئب الأعناق اليها، وتصبح قبلة بامتياز لحجيج ينزلون في أعداد وحساب، بحثا عن متعة اللعب بالأبيض البارد، تجد العائلات تتوافد عليها من كل ولايات الوطن، فيما يظل الجبل يطل على المتيجة السهل الخصب والعظيم وكأنه توشح بالشيب الذي امتزج وتلون بيخضور شجرة الأرز الخالدة، وهي تناطح الفضاء وتريد أن تبلغ السماء، تلكم هي الشريعة في هذه الأيام التي تميزها عاصفة ثلجية غير مسبوقة، والتي وصفتها «الشعب» من خلال عدسات وأحاسيس زوارها الضيوف المشتاقين.

تحول الطريق بين قلب مدينة البليدة نحو منعرجات طريق طولي يقترب من 20 كيلومتر، للوصول إلى قلب الساحرة
«الشريعة» الشامخة، إلى ما يشبه الطوابير الطويلة من السيارات والحافلات، وهي تصفف في اتجاه واحد نحو ميل مرتفع، الكل يريد الوصول إلى قلب الجبل الجميل، ويفرح بنشوة الثلج...

إنزال بالجملة والطريق إليها متعة ومشقة...

على الطريق تصفّفت بعض الباعة من تجار القفازات، وباعة الشاي الأخضر والفول السوداني وألوان من الكعك والحلوى الشعبية، استغلوا فرصة الثلوج التي تساقطت بعد صيام وغياب ونحن في عز أيام البرد الشديد لعرض سلعهم وبيع تلك المنتجات، علّهم بها أن يربحوا دنانير إضافية، ترفع من ميزانياتهم، في وقت لم يتوقف سيل المركبات وهي تتبع الواحدة تلو الأخرى، ورجال الدرك وعناصر الإنقاذ وحتى مواطنون تطوعوا لتنظيم المرور وحركته نحو الجبل الساحر.
كلما توغل الزوار في علو وارتفاع عن سطح البحر، يرون سفح «المتيجة» الأخضر، وتلون في مربعات ورسم هندسي بديع للبساتين والتجمعات السكنية تنتشر عبره، مضيفا لوحة جمالية من العلو، إلى أن يصل البعض إلى محطة بني علي بمنتصف الطريق، ليتبين أن الازدحام بات حقيقيا، والوصول الى قلب الجبل الساحر بات صعبا وشاقا، لكن تظهر كاسحات الثلج لأفراد الجيش والبلدية، وشق عباب الثلج وسط الطريق، لتفتحها وتسير نحو الحظيرة البيضاء، فيما فضل الكثير التوقف والتقاط «سالفيات» وذكريات عبرهواتفهم الجوالة للأطفال وللجميع، وتحويلها عبر الفضاء الأزرق الافتراضي إلى الأصدقاء ومعارفهم، يتباهون وهم ينتشون بأنهم بقلب الثلج التقطوا تلك الصور، وليست في أوروبا أو القطبين المتجمّدين، بل هي الشريعة الحظيرة المحمية الوطنية والعالمية، والوصول إليها يبقى مثل الطريق إلى فردوس من جنان الدنيا.

مغامرات مع الأبيض البارد، تحيّة لأفراد الجيش والإنقاذ وعمّال التليفيريك...
 
في خضم الإنزال الكثيف للزوار وعشاق الأبيض البارد بحظيرة الشريعة السياحية، حدثت مغامرات ممتعة وأحيانا مؤسفة لزوار وجدوا أنفسهم محاصرين في البرد والثلوج، الكثير وجد متعته في اللعب بكريات الثلج والتزحلق بنادي التزحلق بقلب الحظيرة، وآخرون راحوا يمتعون ناظرهم بفرجة بيضاء ساحرة، والمثير أنه مع صفاء الجو وزرقة السماء، وغياب بقعة لوثت اللوحة الطبيعية، يتراءى ما زاد في ارتفاع
«البحر» في إطلالة بديعة غير معتادة، وهي التي جعلت من الزوار يندهشون للجبل الأبيض وهو يطل في شموخ على زرقة البحر من بعيد، وكأنه قائم يحرسه ويتمتع بمياهه وهي تموج نحو الشواطئ، في حين فضلت عائلات الانعزال وسط غابات شجرة الارز وهي ترتفع فوق رؤوسهم ملونة باخضر توشح بلون الثلج الأبيض القطني، يلتقطون التذكار من الصورويرتمون فوق البساط الأبيض ولا يتألمون.
 أما غالبية الأطفال فلهم كل الوقت في المتعة، وفضلوا التزحلق بنادي التزحلق فوق قطع خشبية تجمع أصحابها من سكان المنطقة الجبلية، وصنعوها في اتقان حتى صارت «مزلجات»  وأجروها لمن يريد بدنانير قليلة، لتوفيرا مصروف يقتنون به أدوات قرطاسية، وما احتاجوا إليه من ملبس وثياب، وليس بعيد عنهم انزوت بعض العائلات التي شعرت بالبرد واختارت فنادق ومطاعم، وظلت ترقب الناس عبر زجاج النوافذ، وهي تطعم الدجاج المُجمر، واللحم المشوي أو شايا ساخنا مع قليل من النعناح يزينه ويعطر مذاقه.
وبين الفينة والأخرى تبصر كاسحات الثلج لأفراد الجيش وعناصر الإنقاذ، وهي تجوب الطريق وتشقها أمام الزوار، وبالكاد توقفوا عن تقديم المساعدة، بل هم في كل حين يتراءون من حيث لا يشعر الناس، ولا يملون، وليس هم فقط من يستحقون الإشادة والتقدير في مساعدتهم، بل إن عمال المصعد الهوائي لم يبخلوا في التدخل وتسهيل تنقل الناس إلى قلب الحظيرة، وفي عودتهم إلى ديارهم، وكأنهم جنود آليون لا يتعبون، خاصة خلال تقديمهم المساعدة في تحويل ونقل مصابين بكدمات ورضوض وانخفاض في درجات الحرارة لبعض الزوار الذين انزلقت بهم أرجلهم وسقطوا عبر قاطرات تترجح في الهواء نزولا وصعودا، وهي الصورة الجميلة التي زادت في اللوحة الطبيعية سحرا.

من الشريعة إلى البساط الأبيض...

 لمن تتوقف قوافل الزوار وهي تشق طريقها الى قلب الساحر الجبل الأبيض إلى غاية نهار أمس، مثل ما شد الكثير الرحال نحو «بحيرة الضاية» بأعالي «تمزقيدة» الى الغرب تماما ببلدية عين الرمانة، خاصة وأن البرد ونسمات الهواء الجليدية جعلته لا ينقشع ولا يذوب، وهي الفرصة التي استغلها الكثير ممن تخلفوا مطلع الأسبوع وعند نهايته في تخصيص زيارات جدية ظهرت منذ صباح نهار أمس، الكل يريد قلب الجبل الأبيض، للمتعة والفرجة والفرح وسط البساط الأبيض والطبيعة الملونة، وهاهي الشريعة مرة اخرى وقادمة، تستقبل ضيوفها في ابهى ثوب يعشقه الناس ومحبو الطبيعة، ودعاؤهم أن تزيد السماء في الثلج حتى يفرحوا أكثر.