مهما كان التباين أوالانسجام في المواقف والأحكام على روسيا; فإن الثابت أنها قوة توازن إقليمي ودولي في مرحلة يكثّف فيها الغرب هجماته الإعلامية والسياسية والعسكرية وعلى المباشر في المحيط الجيوسياسي العربي الإفريقي (العالم العربي والساحل الإفريقي وغرب إفريقيا: دول إسلامية)، شواهد ذلك متعددة ولا تحتاج إلى تكرارها ورغم ذلك يذكر هنا ببعض الحالات:
١ـ المواقف السلبية للغرب تجاه محاربة الجزائر للإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي، وفي العقد الأخير تقسيم السودان، احتلال العراق، ضرب سوريا، التدخل العسكري المباشر في ليبيا ومالي... مصدرها ومنفذها بطريقة مباشرة أوغير مباشرة هوالغرب.
٢ـ المستفيد من الإرهاب وأزمة ما يسمى بالربيع العربي في العالمين العربي والإسلامي هي السوق المالية الغربية والضحية الأكبر لذلك هي الدول العربية والإسلامية المتمثلة في تدمير البنية التحتية لهذه الدول، وأكثر من 7.000 مليار دولار ذهبت للسوق الإقتصادية والعسكرية الغربية نتيجة الأزمات والحروب التي عاشتها المنطقة في الثلاثة عقود الأخيرة بدلا من أن تذهب لتجسيد برامج تنموية.
٣ـ المستفيد من الأزمة المفتعلة بين قطر وبقية دول الخليج هوالغرب والسوق المالية الغربية، فمن الصعب إيجاد مبرر مقنع بأن خلاف قطر مع دول الخليج يرقى لمستوى هذا العداء والصراع في وقت قصير جدا، رغم التحالف بل الاندماج السياسي والإستراتيجي والتاريخي لدول الخليج لعقود من الزمن. المستفيد من هذه الأزمة هوالذي وراءها، وطبعا المستفيد هوالغرب.
٤ـ نفس الشيء ينطبق على الإنتقادات الغربية الحالية للسعودية بحجة ومبرر الدفاع عن حقوق الإنسان. الخطر الأكبر أن مثل هذه الحجج قد تعمم مرة أخرى على أنظمة حكم أخرى لتجد مبررا للتدخلات المباشرة وغير المباشرة في دول عربية أخرى، على غرار ملف الهجرة. بدأ الإعلام السعودي وحتى بإيحاءات من ولي العهد بن سلمان توحي بعدم الرضا على السياسة الغربية تجاه السعودية، وكأنها تفطنت لمصادر وأبعاد ومواقف القوى الغربية الكبرى (أزمة العلاقات السعودية الكندية، انتقاد بن سلمان لتصريحات الرئيس ترامب التي مست السيادة السعودية في العمق،...).
فليتفطن العرب للأهمية الإستراتيجية لسياسة البدائل والتوازنات التي تعتبر الجزائر نموذجا أمثل لها حتى لا يبقون سجيني الغرب وذلك بالتوجه لتعزيز علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية أكثر مع روسيا ودول كبرى أخرى خارج المحيط الغربي على غرار الصين. هذه الأخيرة التي أظهرت حركية ومسارا سياسيا دوليا متكاملا مع روسيا في مواجهة تحديات التدخل العسكري الغربي في العالم العربي مثلما تم في ملف سوريا ونفس الشيء في ملفات مشابهة أخرى في المنطقة مثل الملف الليبي وأزمة الساحل الإفريقي وملف الصحراء الغربية، حيث أكدت الصين باستمرار على ضرورة تجسيد الشرعية الدولية إلى جانب تقديم مساعدات إنسانية بمبلغ مليار و200.000 سنتيم / دينار جزائري للاجئي شعب الصحراء الغربية.
الوقت والمجال لا يسمحان بالخوض في هذا الموضوع الآن، لأن ذلك يتطلب دراسات وتحاليل تؤسس لوعي عربي إسلامي وإفريقي وعالمي إنساني حول ممارسات وأبعاد القوى المالية في العالم الغربي. وما يمكن التأكيد عليه هنا أنه على الأقل، بأنه وبغض النظر عن التباين في تحديد دور روسيا وأبعاد سياستها الدولية فإنها تشكل قوة أمامية لفرض التوازن الدولي ليس فقط لصالح الدول خارج المحيط الغربي بل حتى داخل المحيط الغربي نفسه، خاصة العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
أكدت روسيا هذا الدور في الأزمات العربية من خلال سياسة روسية متكاملة مع عمق وحقيقة الإرادات العربية والإسلامية:
١ـ بتواجدها السياسي والعسكري الشرعي، على غرار ما تم في سوريا. وهاهي سوريا الآن في طريق تعزيز وحدتها التي كاد الغرب وحلفاؤه في المنطقة النسف بها.
٢ـ استعمال حق الفيتو لتقييد اليد المطلقة للدول الغربية الكبرى بمجلس الأمن خاصة في السنوات الأخيرة (منذ 2012) خلافا لما عاشه الغرب في الفترة ما بعد تفكك الإتحاد السوفيتي (1990-2012) والتي تميزت بالأحادية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الدولية.
٣ـ الدور الروسي الحالي يدفع بالملف الليبي إلى منطق وواقع الحل السياسي القائم على مشاركة كل الأطراف الليبية بما فيها وخاصة القوى الوطنية التي عارضت العناصر التي أيدت تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا وتسببت في الأزمة الليبية منذ 2011. وآخر مسعى لروسيا في هذا الإتجاه هواستقبالها لوفد ليبي يمثل سيف الإسلام خلافا للغرب الذي يدعوإلى مشاركة كل الأطراف ولكن ميدانيا لا يشرك الجميع في مؤتمراته الإنفرادية لتسوية الملف الليبي، على غرار ما تم في باريس (فرنسا) وباليرمو(إيطاليا) في السنة الأخيرة.
٤ـ تأكيد روسيا باستمرار في السنوات الأخيرة على الأهمية القصوى التي توليها لإستقرار الجزائر في مواجهة التحديات الإقليمية وتكامل مواقفها مع الجزائر حول ملفات محاربة الإرهاب، الهجرة وتسوية الأزمات الإقليمية في المنطقة.
٥ـ إهتمام روسيا المتزايد لتسوية ملف تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية بما فيها استقبال وفود من جبهة البوليزاريووالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في السنتين الماضيتين. بموسكو.
كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية
جامعة الجزائر 3