طباعة هذه الصفحة

وداعا زبرطعي .. كأن المرض كتب للفقراء دون غيرهم

نورالدين لعراجي
04 جانفي 2019

من لبونة ، بعدك اليوم ، يروي تفاصيل الالم ، وأنت الذي ساقك الالم الى اقداره طائعا لا مكرها ...استسلمت كما تستلم الاضحية ليلة العيد  بين  يدي صاحبها ، مدركة غايتها الاخيرة ، مدبرة  مقبلة  ، تعي ان الحياة ستنتهي بعد قطرات دم اولى ، تسيل على حواسم خنجر بارد كما هي باردة  شمس الشتاء  ، تعلن هذه الاخيرة بداية حياة جديدة  في العلياء ...هناك حيث الاحبة والرفقة والطيبة ومالا عين رأت  .
من لبونة  بعدك ايها الرفق البهي الجميل ...يتجول في ساحاتها الجميلة  ، يتحدث في «الكور  دارم «  عن  الاحبة الذين رحلوا قبلك   عن عبدا لله شاكري ، عمر بوشموخة ، مالك بوذيبة ، شريبط  احمد شريبط ، بختي بن عودة  ،  ووووو  ، عن كل من تحدثت اليهم من الصحبة والأخيار  ..من سيروي تفاصيل الحكايات الدقيقة لنادي الابداع الادبي الذي صنع افراح المدينة الغجرية  وكان منبرا مشعا ، من الحنين والحب والعشق والاحجيات ...من بيده مفاتيح ابواب قصر الثقافة  في ذلك الزمن الرهيب اللعين  ، حيث كانت  لغة  الرصاص سيمفونية الوطن الجريح ...وكنت تختال رويدا  تفتح ابوابه للمثقفين والشعراء والأدباء  ...رفقة توفيق بوقرة ، ديداني رضا ، سكتة سيف الملوك ، خلاف عبد الناصر ، سلوى مسعي لميس ، زوزو محمد الصالح ، شكيل عبد الحميد ، ام سارة ، والأسماء تحضرني والأخرى  تتسلل من ذاكرتي اللحظة ...كأن حروف اسمائها تأبى الخروج الان ، لأنك غادرت الدنيا ، ولم يعد للحديث اية جدوى  .
ايها الرفيق الصديق  ...وإنا اتحدث اليك منذ اسابيع  هاتفيا ، سمعت اخر حشرجاتك وبحة صوتك ، وهي تخرج متعبة كما اتعبك المرض ...لم يأبه لحالتك المزرية ولوضعيتك ألاجتماعية ، فظل يلازمك  كأن المرض كتب للفقراء فقط دون غيرهم   
ترجلت الى الموت ايها الرفيق غير مبدل....دون خوف ولا خجل..منحت المرض كل حقائبك الجميلة واستسلمت له ...استسلام الامراء الاجلاء ، طمعا في راحة ابدية ، تحجب عنك المرض  وترفع عن كاهلك السقم الاليم ...ترجلت الى الموت  كالفارس حين يشمر على  ساعديه  يلوح بسيفه للخصوم انني هنا ...عفوا انك هنا لم ترحل ،  لان صورك وملامح وجهك التي اتعبها  المرض لا تزال تحمل سيمات وجهك الوضاء البرىء.
اتذكر الان جيدا كل التفاصيل التي جمعتنا احبة ، في فضاءات بونة ، وهران ، العاصمة ، تبسة وروسيكادا  وحتى طاقاست  وسرتا ...اتذكر تلك اللقاءات الحميمية حين نلتقي  ونفتح فسحة للحديث والقراءات الشعرية  ، وكيف كنت تسارع لقراءة  نصك الجديد  بعد سقوطك في غرام جميلة من جميلات  بونة ..تأخذ عقلك وتأسره لتجيبنا ، بأنه من لم يتزوج عنابية مات اعزب ، وتصر على ذلك ايها البهي المترجل الى موته طائعا ...كل نصوصك تحمل حزنا عميقا ، وظل ذلك الحزن ، سمة الجمال والبهاء في كتاباتك..ليختتم الحزن يومياتك  وتكون النهاية على يديه
ايها الرفيق الجميل  ...هل نقول لك وداعا ...ام نقول لأنفسنا وداعا ..لأنك غادرت هذه الحياة الدنيا وسبقتنا الى دار الخلود الازلي  ...تستريح انفاسك المتعبة من جحيم الدنيا ..وترتاح اتعابك من ترحالها وسفرها عبر اطراف جسدك المبتلى .
ايها الرفيق البهي عذرا ،  بحجم المسافات التي بيننا ...عذرا يليق بمقامك الزكي ...عذرا لأننا اخطأنا في حقك ، وان كنا نسأل عنك ونتحدث اليك ...عذرا لأنك كنت قويا دوننا جميعا  تحملت الالم والمرض والسقم  ولم تستسلم  كما عهدناك قويا في العلن وصبورا في الغيب  .
وداعا يا رفيق الزمن الجميل...وعذرا لأننا لم تتعلم الدرس جيدا  لحظة الرحيل .
سلام اليك من هنا من شارع الشهداء ..الى هناك حيث ترقد نومتك  الابدية بجوار الاحبة عبد الله وعمر ، وشريبط ، مالك ....وداعا ايها البهي وعذرا بحجم كل الاقدار التي باعدت بيننا.