قصائد عن جماليات الحب والصّمود الفلسطيني
من يقرأ ديوان الشاعر عبد العالي مزغيش «مزيدا من الحب»، منشورات الجزائر تقرأ، 2017، سيرحل حتما لكثير من المشاهد والتجليات القادمة من الزمن الأندلسي، بكل ما فيه من نصوص الحب والهوى، ومن ملامح الحضور العربي الاسلامي المشع والبهي في رومنسياته الحالمة وأعلامه في الفنون والآداب.
نصوص الحب والمكان
فقصائد المجموعة الشعرية تقول الحب وتكاشف أسراره ويومياته، ويتحرك النص الشعري عند عبد العالي مزغيش بين الكثير من جماليات قرأناها في الشعر العربي المعاصر، وكأنه يمتلك متعة السفر بين دواوين شعرية وتجليات فنية وفكرية لنزار قباني وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش...مع تفاعل ساحر متميز مع بعض من الصوت الشعري الساخر لأحمد مطر، وسيلحظ القارئ ذلك التأكيد الشعري في النص المزغيشي على عنصر التفرد وحضور الخصوصية النصية.
لقد استمتعت القراءة وهي تعانق قصائد تشكّل الأجواء الرمزية للأنثى والمكان، فالشعر هنا يمزج حب المرأة بحب المكان، مثل نص «أوراسية»، ونص «النائلية»...وغيرهما، ويعيدنا لزمن شعري عربي قديم في مستوى الدلالات لكن في أداء شكلي معاصر، فيه الشعر الحر وقصيدة النثر.
فنصوص الشاعر مزغيش ترتقي بالأمكنة الجزائرية والعربية، وتبحث في تاريخها وهويتها الحضارية و الدينية، ثم تعود لتبني عوالمها وإشاراتها الفنية والفكرية، كما هو شأن ابن أولاد جلال مع نصوصه بوسعادة، امدوكال، عرس الشهيد، غزة...
النّص وعلاماته
ومن الميزات الفنية والدلالية عند شاعرنا عند توظيف العناصر التراثية الشعبية والتفاعل مع الرموز التاريخية والأسطورية والدينية، وسيقرأ القارئ تجليا نصيا يتأرجح بين الإيحاء والتصريح لشخصيات كثيرة مثل: قيس، أفروديت، شهرزاد، زرياب، حيزية، سيدي خالد، حواء، زوليخا، هابيل...
ووجدنا بعض النصوص تحيلنا للتقرير والمباشرة في التعبير ـ وبعض النصوص تراوغ المعنى وتعتمد الترميز وتتحدى القارئ شكلا ودلالة، ولعل قصيدة «مرثية إلى أمي» من القصائد الراقية حول الأم في الشعرية العربية المعاصرة ومنها:
«إنّي لأسمع صوتك القدسي
يهمس لي:
توسد سبحتي ووشاحي...
فأضم صورتك البهية،
أنحني للكحل
يشهد حرقتي ونواحي
وأنام أحلم أن أقبّل رأسك الغالي»
مع ملاحظة أن القصيدة ذات نفس درامي وغنائي، تحتاج لملحن يحسن تجسيد المعاني السامية لها، وتبحث عن صوت جزائري أو عربي طربي ليحولها لأغنية جميلة، تذكّر الإنسان العربي بقيمة الأم وجلال قدرها.
كما تفاعل الشاعر مزغيش مع القضية الفلسطينية وكتب شوقه للأرض والانسان والنضال، سيرا على نهج كثير من شعراء الجزائر في حب فلسطين والتغني ببطولاتها ومجد شهدائها، وحضرت الأمكنة و البطولات في الديوان، وأنشد مزغيش اللهب الثائر في غزة، نقرأ مثلا من قصيدة عرس الشهيد:
«وغزة زغرودة
كابتهال الصباح المدجج بالحب
يرفعها
عاشق دمه من بهاء
غزة امرأة قنبلة
أمّة وحدها...زفّت الشهداء
إلى روضة الخالدين».
في الختام
نذكّر القارئ بأن الشاعر عبد العالي مزغيش من أبناء مدينة أولاد جلال ببسكرة الجزائرية، له ديوان شعري بعنوان «لأنك لست ككل النساء»، 2002، له شهادة ماجستير في الاعلام الرياضي، وقد تحصل على جوائز عديدة، منها جائزة الرئيس الجزائري للمبدعين الشباب، 2007، وقد أسس وترأس جمعية الكلمة للثقافة والإعلام في الجزائر.
وإن ديوان «مزيدا من الحب» يقدم لنا تجربة شعرية جزائرية رومانسية المعنى،تعلن تطور التعبير الشعري عند مزغيش، وتؤكد طموحه في الوصول للقارئ العربي بأدوات لغوية وأسلوبية فيها شخصيته وهويته، وتحيلنا على رائحة المكان الجزائري وملامحه التاريخية والثقافية من جهة، ونبض الذات ومشاعرها وقناعاتها من جهة أخرى، مع تفاعل جميل مع فلسطين الشهادة والحرية. فمزيدا من الحب أيها الشاعر البسكري الأصيل - الثائر.