طباعة هذه الصفحة

مسرحيات عالجت نضال الجزائريّين في مهرجان المسرح المحترف

مكانة النّص التّاريخي محفوظة على الرّكح الجزائري

المسرح الوطني: أسامة إفراح

لم يغب النص المسرحي التاريخي عن برنامج المهرجان الوطني الثالث العشر للمسرح المحترف، الذي توليه «الشعب» تغطية خاصة ويومية، فإلى جانب مواضيع السياسة والمشاكل الاجتماعية، عاد تاريخ الجزائر ليسجل حضوره مرة أخرى على ركح محيي الدين باشتارزي، على غرار مسرحيتي «استراحة المهرجين» و»كاليدونيا»، فيما عاد بنا عرض «يوبا الثاني» إلى مرحلة متقدمة من تاريخنا العريق الضارب في القدم.
لطالما وظّف المسرح الجزائري النص التاريخي في عروضه، وإن كانت ميزة هذا التوظيف ذلك القدر الكبير من التقديس نظرا للتجربة الجزائرية في هذا الصدد. وقد كرّست الطبعة الثالثة عشر من مهرجان المسرح المحترف حضور هذا النص المسرحي، حيث عرض إلى حد الآن عرضان لهما علاقة مباشرة بنضال الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي، هما عرضا «استراحة المهرجين» لمسرح سعيدة الجهوي، و»كاليدونيا» لمسرح قالمة الجهوي، إضافة إلى عرض تاريخي ملحمي حمل عنوان «يوبا الثاني»، اقترحه مسرح تيزي وزو الجهوي.
«استراحة المهرّجين» نص مسرحي متميز للفقيد نور الدين عبة، ترجمه الدكتور أحمد حمومي (نشير إلى وجود ترجمة أخرى لجروة علاوة وهبي منشورة لدى ديوان المطبوعات الجامعية) وأخرجه مسرحيا أحمد العقون، وأبدع فيه سينوغرافيا حليم رحموني الذي قام بعمل بحثي وركّز على دقائق الأمور وتفاصيلها، فيما كانت الموسيقى لحسان لعمامرة.
تدور أحداث المسرحية إبان ثورة نوفمبر التحريرية، في فترة كانت وحدة المظليين في جيش الاستعمار تحاول تغيير صورتها النمطية وتلميعها والتقرب من المواطنين من خلال تقديم عروض مسرح ومهرجين، ولكنها لا تنجح في إخفاء وجهها الحقيقي. تقوم مجموعة من المظليين الفرنسيين بتدريبات حول عرض مسرحي، يفترض عرضه داخل الثكنة، وفي هذه الأثناء يسلم إلى هؤلاء المظليين شاب جزائري يشتبه في قيامه بزرع قنبلة في مكان يجهلونه، وهنا يسقط قناع المهرج وتعاود وحشية محترفي التعذيب إلى الظهور مع التقدم في التحقيق، على أمل انتزاع الاعتراف من هذا الشاب المثقف قبل انفجار القنبلة.
أما عرض «كاليدونيا» فهو عن نص جلال خشاب وإخراج كريم بودشيش، وفي هذه المسرحية أيضا تميزت سينوغرافيا باجي رمزي، بل ربما أنها تفوقت على الأداء الركحي. تدور المسرحية حول المناضل عبد الله ومجموعة من الجزائريين معه، يتمسكون بالأرض والوطن والهوية، ويدفعون ثمن رفض الظلم والعبودية فينفون إلى كاليدونيا الجديدة، وتروي المسرحية هذه الرحلة الشاقة المهلكة، ولكن بُعد المسافات لا يقضي على حلم العودة من جديد إلى الوطن الأم، فالابتعاد الجسدي لعبد الله لم يقضِ على الوشائج التي ربطته بالأرض والزوجة مريم وبالمبادئ التي نشأ عليها.
أما عرض «يوبا الثاني» فقد جمع بين التمثيل والكوريغرافيا، وقد حاول كاتب النص والمخرج إلياس مكراب العودة إلى قصة الملك يوبا الثاني الذي تربع على عرش مملكة موريتانيا الشاسعة. وساعدت سينوغرافيا عبد الله كبيري في تجسيد الفضاء ذي اللمسات الرومانية الأمازيغية. كما لم يغفل العمل، الذي قدّم بالأمازيغية مع سترجة باللغة العربية، النزاع الذي قام مع مناهضي الهيمنة الرومانية وعلى رأسهم القائد الأمازيغي الثائر تاكفاريناس.