تخفيض الانتاج بـ1مليون برميل يوميا هل يحقّق الاجماع هذا الخميس ؟
عوامل جيواستراتجية والمضاربون وتباطؤ النمو أسباب المشكلة
برؤيته الدقيقة قدم الخبير الطاقوي مهماه بوزيان سلسلة من العوامل وحدّد الأسباب المباشرة وغير المباشرة، التي أدت إلى انزلاق أسعار برميل النفط في ظرف زمني قياسي، وتحدث عن توقعاته بخصوص ما سيسفر عنه اجتماع «أوبك» يوم الخميس المقبل بفيينا، ولم يخف بأنه بمقدورها التوصل إلى قرارات تاريخية ووقف تهاوي الأسعار.
«الشعب»: لماذا هذا الانهيار السريع والمخيف لأسعار النفط في مدة زمنية قصيرة؟
بوزيان مهماه خبير الطاقوي: ارتفعت أسعار النفط في بداية شهر أكتوبر الماضي بأكثر من 25 بالمائة عن أعلى مستوى لها خلال أربع سنوات، لكنها عادت يوم الخميس 29 نوفمبر لتسجل انخفاضا قياسيا قدر بـ 33,70 بالمائة، مع وتيرة تراجع سلبي، حيث تراجع من أعلى سعر له من سقف 86,74 دولار للبرميل إلى 57,50 دولار، في مدة أقل من شهرين.
ومن أسباب انهيار الأسعار، نذكر تجاوز الإنتاج النفطي الصخري الأمريكي لجميع التوقعات، ويضاف إلى ذلك أنه صار بإمكان حقل «كركوك» بالعراق إنتاج وضخ ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميا، وكذا ارتفاع مخزونات النفط العالمية بشكل حاد خاصة في أمريكا لتصل إلى حجم 432 مليون برميل. وإلى جانب دخول الطلب على النفط عالميا الضعف الموسمي خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، وعدم خروج النفط الإيراني من سوق الخام مع إقرار الإدارة الأمريكية بمنح إعفاءات لـ6 بلدان مستوردة للنفط الإيراني، وبالإضافة إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي الحرب التجارية المشتعلة والمستمرة بين أكبر الإقتصادات العالمية، والتوسع في استعمال الغاز الطبيعي العامل النفسي للأسواق، ولا يخفى أن الأسواق النفطية لم تتجاوز تأثيرات الصدمات المتتالية، لكن يوجد عامل آخر جوهري وأساسي لهبوط الأسعار.
الأسعار تعرضت للخنق
هل تقصدون أن السبب الجيواستراتيجي يكون أكثر تأثيرا على السوق النفطية؟
إن التوجهات الأخيرة للرئيس الأمريكي أضرت كثيرا باستقرار السوق النفطي، مما ولّد الخوف من وجود نقص في الإمدادات مستقبلا، خاصة ما تعلّق بتنفيذ عقوباته ضد إيران بدءًا من منتصف ليلة يوم 5 نوفمبر، الأمر الذي خلق رغبة شديدة في الشراء لكميات ضخمة من الخام النفطي، مما ولّد التخوف من ضعف في الإمدادات وغذاه شعور بإمكانية حدوث ندرة في الخام، وبالتالي إمكانية تجاوز أسعار الخام سريعا لعتبة الـ 100 دولار. وكنا قد نفينا في السابق صعود أسعار الخام النفطي إلى تلك المستويات القياسية، كما كنا قد حذرنا من خطورة الترويج لهذا الخطاب الإعلامي الذي كانت تغذيه وسائل إعلام عالمية مرتبطة بالدوائر الأمريكية وبخدمة مصالحها، وحين تشكلت «الفقاعة السعرية» والتي غذتها المضاربة في الأسهم والشراء المبالغ فيه، سحب ترامب «الإبرة» وقام بتقديم إعفاء لثمانية (8) دول تستورد ما يقارب الـ75% من النفط الايراني، فوجدت السوق النفطية، مفاجأة بقاء مليوني (2 مليون) برميل من النفط الايراني يتدفق نحوالسوق لمدة 6 أشهر على الأقل، وصارت السوق أمام كميات نفط محتجزة في أيدي المضاربين الذين كانوا يأملونها لطرحها في السوق مستقبلا بأسعار مرتفعة وعالية، فدب الذعر في الأسواق والبورصات، وبدأ التدافع في طرح الأسهم للبيع الفوري، مما دفع بسعر برميل النفط للانزلاق فوق السائل النفطي الذي طفى فجأة فوق مستوى التوازن، مما جعله يصل إلى درجة الانصهار سريعا تحت سقف الـ 60 دولارا. أما سياسة الترغيب التي انتهجتها أمريكا فهي اتجاه كبار المنتجين في العالم، فخطابات الثناء والإطراء الأخير التي وجهها لهم، فينبغي لنا قراءاتها في اتجاهها السليم، والذي يتجسّد في رغبة ترامب الجامحة لتشكيل قوة نفطية بديلة تقوم على أنقاض أوبك التي يستهدفها، بطاقة إنتاج بإمكانها أن تشكل 40% من الإنتاج العالمي. في ظلّ وجود تقارير تشير إلى وصول إنتاج السعودية في شهر نوفمبر إلى مستوى قياسي واستثنائي (11.3 مليون برميل يوميا) وروسيا كذلك (11.41 مليون برميل يوميا)، لكنني أعتقد أننا أمام صراع وجود وخيار حتمي، وذلك يحتم علينا التوجه نحو مواجهة مخططات التكسير والتحجيم التي تصوغها وتقودها قوى الهيمنة.
لأن الصراعات الجيوسياسة تعدّ الفاعل الأهم في مشكلة النفط اليوم، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد الإثبات للعالم، كما أنها المتحكم الأول في السياسة الدولية، وأنها كما كانت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فاعلا أساسيا في سوق الطاقة، فإنها تتطلّع أن تكون الفاعل الأول في سوق النفط اليوم ومستقبلا، والمؤثرة في سعره، لذلك عمدت إلى خفض سعر البرميل إلى مستويات الـ50 دولارا، من خلال إيصال إنتاج أمريكا من الخام الصخري إلى مستويات قياسية غير مسبوقة قاربت اليوم 12 مليون برميل يوميا، وتثبيت نفسها الآن كأكبر منتج للنفط في العالم، وكذلك مواصلة حربها التجارية مع أكبر الاقتصاديات العالمية، وهذا جعل النموالاقتصادي العالمي يتباطأ، وبالتالي ضعف الطلب على النفط، مع تغذية المضاربة في البورصات على الخام النفطي. وبالإضافة إلى اعتماد أمريكا مراكز دراسات رفيعة المستوى تتابع عن كثب وتحلل وتستخلص ثم ترسم المسارات والبدائل، بسبب كل ذلك انصهر سعر برميل النفط، ونجحت امريكا في سياستها مؤقتا تجاه الأسواق النفطية. حيث تمّ خنق أسعار برميل النفط ضمن نطاق 45 - 55 دولار، ومن ثم هيأ المناخ المناسب لذلك.
تعميق مسعى التخفيض
ما هو المنتظر من مجموعة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وشركائها المنتجين المستقلين في اجتماع فيينا المقبل يوم 6 ديسمبر الجاري؟
يمكن القول أن مجموعة «أوبك +» اليوم مدعوة إلى بعث رسائل قوية للسوق النفطية، أولا لإثبات الوجود، والقوة والقدرة على التأثير، وأيضا لتجسيد حيويتها وعدم الاستسلام عمليا للاستسلام للضغوطات القوية التي تتعرض لها لشل قدراتها، أي قبيل اجتماعها المرتقب يوم 6 ديسمبر، لتهدئة حركية السوق، وبالتالي وقف حالة التشنج التي تطبع منحى أسعار برميل النفط، وعلى وجه الخصوص ضرورة التأكيد بأنهم سيعمقون مسعى التخفيض من خلال إنزال السقف المتوافق عليه من قبل على الأقل بـ1 مليون برميل في اليوم.
وفي المقابل، أدافع عن أهمية تثبت سعر خام البرنت القياسي العالمي ضمن نطاق مريح والمتمثل «70 - 80 دولار»، وهذا النطاق مناسب للمنتجين والمستهلكين ككل لأنه عادل ومتوازن، وبإمكانه أن يكسب صفة الاستدامة المريحة للأسعار، وهذا ما يساعد أيضا الخطط الاستثمارية والتطويرية لسوناطراك بما سيعزّز نموالاقتصاد الوطني، كما أنه يتيح للسعر المرجعي للخام الإهتزاز بحرية في مدى مرجعي غير مضغوط.
ما هي الخيارات المتاحة في الوقت الحالي أمام «أوبك»؟
ينبغي الإشادة بروح التوافق الكبيرة بين أسرة أبك وشركائها وكذا داخل المجموعة الـ25، والتي ينبغي دعم مساعيها حتى تنجح في التحدي التاريخي والمصيري الذي ينتظرها بداية شهر ديسمبر، لأن المملكة السعودية تريد تجسيد مشروعها الطموح «نيوم 2030» لتنويع اقتصادها، وهذا في حاجة إلى حشد استثمارات هامة جدا، لأنهم يتطلعون لبيع 5 في المائة من أسهم شركة «أرامكو» وتحصيل ما قيمته 3000 مليار دولار، بهدف تجسيد خطة الانتقال الاقتصادي، لذلك تستهدف المملكة العربية السعودية أسعارا للبرميل فوق 80 دولار حتى يتسنى لها تجسد خطة 2030.
خيار «بناء اقتصاد غير مرتبط بأسعار النفط»
كيف تشرحون آفاق السوق البترولية على ضوء التقلبات الراهنة؟
حاليا توجد ثلاثة مواعيد هامة، الجميع ينتظر مخرجاتها، بداية بقمة العشرين في «بيونس آرس» بالأرجنتين في اليومين الأخيرين، فبالرغم من كل اللقاءات الثنائية بين الزعماء الحاضرين، مازال الغموض سيد الموقف بسبب الحرب التجارية العالمية التي تهدّد الاقتصاد العالمي، وتجعله رهينة للركود، وبالتالي تهدّد تراجع الطلب على الخام النفطي عالمي، مما سيصعب من مهمة امتصاص الفائض الذي ظهر ليطفومن جديد على سطح الأسواق.
أما الموعد الثاني يتعلّق باجتماع اللجنة الفيدرالية الأمريكية للسوق المفتوحة (FOMC) في شهر ديسمبر الجاري، فبالرغم من تضرّر العديد من القطاعات في الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب التجارية مع الصين، خاصة القطاع الزراعي وقطاع صناعة السيارات، فإن الاقتصاد الأمريكي، قد أضاف 250 ألف وظيفة جديدة في شهر أكتوبر، مع انخفاض معدل البطالة الإجمالي إلى 3.7 في المائة، ومع إظهار الاقتصاد الأمريكي لحالة نموقويًة في الآونة الأخيرة، وهذا يشكل حالة قوية لرفع جديد لأسعار الفائدة عند اجتماع اللجنة الفيدرالية الأمريكية للسوق المفتوحة (FOMC)، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى قوة الدولار الأمريكي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب نسبيا.
كلا هذين العاملين سيضعان ضغطًا هبوطيًا على أسعار النفط. ويبقى العامل الثالث والذي بإمكانه أن يعكس اتجاه الهبوط نحوالصعود، ولما لا وضع أسعار برميل النفط في نطاق (70 - 80 دولار) من جديد يتعلق بالموعد الثالث، ويتمثل في إلتئام شمل أسرة «أوبك+» بفيينا يوم 6 ديسمبر، وأعتقد بهذا الخصوص أن روح التوافق والتي طبعت مرحلة السنتين الأخيرتين، والنجاحات المميزة المحققة خلالها، بإمكانها أن تدفع مجددا مجموعة الـ25 لتعميق روح التوافق، من خلال إقرار تخفيضات جديدة على الأقل في حدود 1 مليون برميل في اليوم، حتى لا تذهب المكاسب السابقة.
وحسب تقديري الحل يوجد في يد أوبك وشركائها، أما الحل بالنسبة للجزائر في ظل هذا الوضع الخطير والمخيف، يتمثل في المضي قدما لإنجاح التوجهات الإيجابية القائمة، هذه التوجهات اقترحناها منذ سنوات، واليوم مع إقرار تجسيدها سواء على مستوى الصناعات البتروكيميائية بدءا بمشروعي «البولي بروبيلين» الأول بأرزيو والثاني بالشراكة مع الأتراك، وكذلك على مستوى الصناعات التحويلية من خلال تجسيد مركب صناعة الفوسفات بتبسة، وثالثا من خلال إعادة ضخ نصف إنتاجنا من الغاز ضمن السلاسل الصناعية في السوق الوطنية. أعتقد اليوم أنه لا يمكنني سوى الدفاع عن هذه الخيارات التي طالبت بالتوجه نحوها منذ سنوات، لأنه في قناعتي السير نحو صياغة توجه حقيقي سليم واقعي ومستدام يتجسد في بناء خيار «بناء اقتصاد غير مرتبط بأسعار النفط»، يقوم على تثمين مواردنا من الخام من خلال ضخها في السلاسل الصناعية، والحدّ من بيعها وتسويقها في السوق الدولية على شكلها الخام، وثانيا من خلال تحسين هرم الأسعار بالعمل على خفض الكلفة والتقليل من التكاليف، بما سيضمن لنا هوامش مريحة للأرباح حتى ولوتراجع سعر الخام النفطي لفترات أطول.
كما ينبغي الانتباه إلى عامل ثوري سيقلب الطاولة على النفط، والمتمثل في الغاز الطبيعي الذي أخذ في التمدّد على حساب النفط، إضافة إلى ثورة الغاز الصخري التي ستمتد سريعا كالنار في هشيم أسواق النفط، وأكتفي بإعطاء مثال واحد كافي لتوضيح الصورة، يتعلّق بوصول العربية السعودية هذه السنة إلى إنتاج 6 مليار متر مكعب من الغاز الصخري.
وخلاصة القول، أننا أمام وضع يتسم بهشاشة كبيرة لسعر برميل النفط، وتسجيل حالة اللايقين على مستوى الأسواق، بفعل الحرب التجارية القائمة، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وإلى جانب تراجع الأسهم في البورصات، والحالة الجيوسياسية المعقدة والمتداخلة الملفات، وما إلى غير ذلك.