كلما اشتدت ضائقة التداعيات الناجمة عن انهيار أسعار النفط كما هو الوضع حاليا يعود الحديث عن ضرورة الدفع بوتيرة الانتقال الاقتصادي لتقليص كلفة الصدمة المالية الخارجية وتأمين ديمومة انتعاش النمو. إن إمكانية الإفلات من المخالب الحادة للازمة قائمة، لكن شريطة الجدية ووضوح الرؤية.
ليس من خطر على مستقبل الاقتصاد الوطني أكثر من البقاء رهينة المؤشرات التي تطلقها أسواق المحروقات، في وقت تفعل المتغيرات الجيواستراتيجية في العالم فعلها في حركية بورصة النفط التي تخضع لتوجهات تصيغها القوى الكبرى في العالم تتقدمها أمريكا، خاصة بعد أن تسللت إلى داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبيب» نتيجة فجوات خلفتها صراعات بين أعضاء المنظمة ذاتها.
أمام وضعية شائكة بكل ما ينجم عنها من إفرازات ليست في صالح بلدان لا تزن كثيرا في معادلة العرض والطلب، بما يحيط حولها من صراعات بين كبار العالم في معركة إعادة التموقع في مناطق النفوذ والهيمنة على مصادر الطاقة وكذا الأسواق، لا يوجد من خيار سوى الرجوع إلى اعتماد حلول محلية تتم بلورتها وفقا للطاقات المتوفرة المادية منها والطبيعية والبشرية.
انه خيار بناء حقيقي لاقتصاد غير مرتبط عضويا بالريع الذي تدره المحروقات كثر أو قل حجمه، ويتطلب رسم إستراتيجية بعيدا عن الضغوطات الظرفية لتقليص هامش الخطأ ومن ثمة بلوغ مستوى مقبول من النجاعة عنونه ديمومة النمو.
لا تزال هناك فرصة لانجاز الانتقال الشامل وبالذات عبر جسر المحروقات نفسها، وذلك بإدراجها في صلب المسار الجديد، وقد برزت في الساحة بعض ملامح رفع هذا التحدي بالنظر للمعالم التي رسمها قطاع الطاقة في المديين المتوسط والبعيد، لكن شريطة أن تنخرط كافة القطاعات الأخرى في هذه الديناميكية، التي بقدر ما تتطلب مضاعفة الجهود المضنية مع الحرص على تقليص النفقات وترشيد استعمال الموارد المتاحة، بقدر ما تحمل بوادر التغلب على الأزمة أو التقليل من وطأتها على الأقل.
يتعلق الأمر هنا أيضا بمكافحة الفساد بكافة أشكاله (تضخيم فواتير، غش، تهريب، تهرب ضريبي وجمركي، تبديد المال العام والتواطؤ مع شركاء أجانب ضد المصلحة الوطنية)، مع تفعيل قوي للمعركة في وجه الاقتصاد الموازي، ليس من خلال قرارات إدارية سلبية تزيد من تعقيد الوضعية، وإنما عن طريق إرساء آليات كفيلة بان تستوعب الانشغالات وتنتج حلولا ملائمة للواقع.
وهنا يطرح سؤال بعلامة استفهام كبيرة حول الدور المنوط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي لم تتغير تركيبته البشرية منذ سنوات، بينما يقع على عاتقه واجب القيام بمهام ذات جدوى في الرصد والتحليل لصياغة مؤشرات المشهد في مختلف المراحل التي يمر بها الاقتصاد الوطني.
إن أحوج ما يحتاج إليه المتدخل في الشأن الاقتصادي بكل فروعه، سواء كان مسيرا لمؤسسة، مستثمرا أو مهتما بالسوق الجزائرية، أن يجد لوحة شفافة ترسم المشهد بتفاصيله المحلية والعالمية، من أجل امتلاك العناصر التي تساعد على قراءة دقيقة للمؤشرات وبالتالي اتخاذ القرار الجيّد أو الأقل سوءا، لتامين فرص مواجهة المنافسة الشرسة.