1 - المجال الجغرافي للمدينة:
تقع مدينة طبنة على بعد 4 كم جنوب شرق مدينة بريكة، وهي تنتمي إلى منطقة الحضنة، حيث تقع على ارتفاع 460 م يحدّها من الشمال وادي بريكة وجنوبا وادي بيطام، لكن هذا الإمتداد الجغرافي لم يتسم بالثبات الدائم وهذا راجع إلى توالي وتعاقب الحضارات على مدى تاريخ المدينة.
كانت الجهات الشرقية من بلاد الجزائر تسمى في الفترة القديمة بمقاطعة نوميديا وبها تقع مدينة توبوني (طبنة) الرومانية بين جبال الأوراس وشط الحضنة، وقد اختلف الجغرافيون العرب في ضبط حدود الإقليم والمدن التابعة له (إقليم الزاب) فأشار اليعقوبي إلى مدنه وهي: بغاي، تيجس، ميلة، بلزمة، نقاوس، سطيف، مقرة، أوربي، طبنة والتي وصفها بمدينة الزاب العظمى، وحسب هذه الشهادة فإن مصطلح إقليم الزاب كان يطلق على على مجال واسع يشمل تقريبا كامل مقاطعة قسنطينة، بما فيها منطقة سهول الحضنة ومدنها الواقعة في سفوح الأطلس الجنوبية ومنها طبنة المتواجدة على السفح الجنوبي لجبال الأوراس (في العصرالوسيط المتأخر أصبح إقليم الزاب مقتصرا على منطقة بسكرة).
2 - مناخ المنطقة:
مناخ المنطقة قار وهذا راجع إلى موقع المنطقة، حيث يكون الجو باردا قليل الأمطار وحار جاف صيفا، معدل تساقط الأمطار به يتراوح بين 200 و350 ملمتر سنويا.
تتعرض المنطقة إلى أنواع من الرايح عموما، فالريح الشمالي الغربي ريح محمل بالأمطار، أما الريح الشمالي الشرقي والذي يعرف بالبحري فهوريح بارد منعش صيفا، والريح الشرقي فهوريح جاف رغم أنه يحدث بعض الأعاصير والزوابع صيفا، أما الريح الجنوبي والمسمى بالقبلي فهو ريح جاف حار يسبب بعض الأعاصير صيفا.
هذا المناخ هوالغالب على مدينة بريكة ومنطقة الحضنة عموما.
3- أصل تسمية مدينة طبنة:
عرفت مدينة طبنة في العصور الوسطى باسم « توبوني Thbunae» وقد مثلت المدينة حينئذ منشأة عسكرية رومانية يعود بنائها إلى مطلع القرن الثاني ميلادي.
وورد اسم المدينة لأول مرة في النصوص القديمة عند بلينوس الأكبر
PLINE LANCIEM في مؤلفه
(التاريخ الطبيعي Histoire naturelle) تحت اسم : Tuben oppidum ( لفظ oppidum باللاتينية هي صفة غالبا ما كانت تطلق على المواقع العمرانية المحصنة وتعني المدينة) .
ووردت تسمية توبوني في المصادر المكتوبة تحت أشكال مختلفة نذكر من بينها : « Tubonis، tubiniensis، Tubunensos، Tubunis،thubunas، غير أن التسمية الرائجة في مصادر ومراجع الفترة القديمة هي « Thubunae أوeanubuT
حافظت مدينة توبوني على هذه التسمية طيلة الفترة الممتدة من الإحتلال الروماني لنوميديا إلى ترايخ خروج البيزنطيين من بلاد المغرب إلا أنه حصل تحوّل جزئي للاسم القديم مع الحفاظ على التقارب اللفظي والصوتي بالمقارنة مع التسمية اللاتينية إثر الفتح العربي الإسلامي، فطبنة هي الاسم المعرب للاسم السابق كما أنها تموضعت في نفس المجال أو على أنقاضها حيث تم بناء المدينة العربية الإسلامية.
4 - المدينة على لسان المؤرخين:
اليعقوبي: من القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل ومدينة الزاب العظمى طبنة وهي التي ينزلها الولاة وبها أخلاط من قريش والعرب والجند والعجم والأفارقة والروم والبربر، والزاب بلد واسع فمنه مدينة قديمة يقال لها بغاية بها قبائل من الجند ومن أهل خرسان من عجم البلد من بقايا الروم حولها قوم من البربر من هوارة.
ابن حوقل: ...... ولبغاي طريق يأخذ الآخذ على بلزمة إلى نقاوس إلى طبنة .... ومن طبنة إلى مقرة منزل فيه أيضا مرصد مرحلة .... ومن المسيلة إلى إفريقية طريق ثالث يأخذ من المسيلة إلى مقرة ومنها إلى طبنة ومن طبنة إلى بسكرة مرحلتان.
الحميري: طبنة أعظم بلاد الزاب بينها وبين المسيلة مرحلتان وهي حسنة كثيرة المياه والبساتين والزرع والقطن والحنطة والشعير وعليها سور تراب ولها أخلاط من الناس وبها صنائع وتجارات ولأهلها تصرف في ضروب من التجارات والتمر وسائر الفواكه بها كثيرة، وهي مدينة كبيرة لها حصن قديم عليه سور من حجر ضخم متقن البناء، ولها أرباض واسعة وهي ما افتتح موسى بن نصير حين دخل إفريقية فبلغ سبيها عشرين ألف رأس، وتشق طبنة جداول الماء العذب ولها بساتين فيها النخل والثمار ولها نهر شيق غابتها، وقد بنى صهريج كبير يقع فيه وتسقى منه جميع بساتينها وأراضيها ولم يكن من القيروان إلا سجلماسة أكبر منها، ومنها أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني، كانت له مرحلتان إلى المشرق وأخذ العلم عن جماعة من أهل مكة ومصر والقيروان، وأخذ بالأندلس عن جماعة منهم القنازعي.
ابن حوقل: .... ومنها إلى مدينة طبنة مدينة قديمة وكانت عظيمة كبيرة البساتين والزروع والقطن والحنطة والشعير ولها سور من طابية مرحلة وأهلها قبيلتان عرب ورقجانة وأكثر غلاتهم السقي ويزرعون الكتان وجميع الحبوب فيها غزيرة كثيرة وكانت وافية الماشية من البقر والغنم وسائر الكراع والنعم فحدث بينهم البغي والحسد إلى أن أهلك الله بعضهم بعض وأتى على نعمهم فصاروا بعد سعة في الضيق والذلة والصغار والشتات، والقلة مشردين في البلاد مطرحين في كل جبل رواد وبقيتهم صالحة، ومن طبنة إلى مقرة منزل فيه أيضا مرصد مرحلة.... ومن طبنة إلى بسكرة مرحلتان.
البكري: .... وتسير من نقاوس إلى مدينة طبنة وهي مدينة كبيرة سورها اليوم من بناء المنصور أبوالدوانيق وهي مما افتتح موسى بن نصير فبلغ سبيها عشرون ألفا وهرب ملكهم كسيلة وسورها مبني بالطوب وبها قصر وأرباض داخل القصر جامع وصهريج كبير يقع فيه نهرها ومنها تسقى بساتينها ويقال الذي بناها أبو جعفر عمر بن حفص المهلبي المعروف بهزار مرد يسكنها العرب والعجم بينهم اختلاف وحرب وسكين حولهما بنوقزاح .
محمد بن يوسف: قصر طبنة مبني بالصخر عليه باب حديد ولمدينة طبنة من الأبواب باب خاقن مبني بالحجر عليه باب حديد وهوسري وباب الفتح غربي باب حديد أيضا وبينهما سماط يشق المدينة ومن الباب وباب تهوذا قبلي عليه باب حديد وهوسري أيضا والباب الجديد حديد أيضا، وباب كتامة جوفي وخارج المدينة بإزاء باب الفتح، سور مضروب على فحص فسيح يكون مقدار ثلثي مدينة طبنة بناه عمر بن حفص ويشق سكك المدينة جداول الماء ومقبرتها شبر فيها وبغرب المقبرة غدير يعرف بغدير فرغان وهويجري في مصلى العيد وليس من القيروان إلأ سلجماسة مدينة أكبر منها واسم نهرها بيطام وإذا حمل سقى جميع بساتينها وفحوصها ويقول أهلها «بيطام بيت الطعام « لجودة زرعها وإذا كانت الحرب بين العرب والمولودين استمد العرب بعرب مدينة تهودا وسطيف، واستمد المولدون بأهل بسكرة وما والاها .
المقدسي: .... والزاب مدينتها المسيلة ولها مقرة، طبنة، بسكرة، باديس، تهوذا، طولقا، جميلا، بنطيوس، أدنة، أشير .
أبوالفداء: قال ابن سعيد ... المحمدية ومنها إلى طبنة أربعة وعشرون فرسخا وطبنة مدينة عظيمة كثيرة المياه والبساتين والأهل والزروع وأكثر زرعهم مسقى وأكثر غلاتهم القطن.
الإدريسي: .... وبين بجاية وطبنة سبع مراحل .... ومن المسيلة إلى طبنة مرحلتان وطبنة مدينة الزاب وهي مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين والزرع والقطن والحنطة والشعير وعليها سور من تراب وأهلها أخلاط بها صنائع وتجارات وأموال ولأهلها منصرفة في ضروب من التجارات والثمر بها وكذلك سائر الفواكه.... ومن مقرة إلى طبنة مرحلة وبين طبنة ومدينة بجاية ستة مراحل، وكذلك من طبنة إلى بغاي «باغاي» أربع مراحل ومن طبنة شرقا إلى دار ملول مرحلة كبيرة ... ومن طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان......
ابن خلدون: وبلاد الحضنة حيث كانت طبنة مابين الزاب والتل ....
5 - طبنة قبل دخول الإسلام:
أ – طبنة في فترة ماقبل التاريخ:
إن المصادر في دراسة تاريخ طبنة خلال فترة ماقبل التاريخ هي نتيجة اكتشافت اهتدى إليها بعض الباحثين أمثال Grange وأهم هذه الإكتشافات تمثلت في قطعة من الحجارة المنحوتة عثر عليها داخل أحد الكهوف بجبل عمار الواقع على مسافة 20 كم جنوب شرق مدينة طبنة.
وهذا مايمكننا من الإستدلال إلى عراقة المنطقة، حيث عرف الإنسان القديم في العصر الحجري النقش وصقل الحجارة.
ب - طبنة في العصر النوميدي:
امتدت مقاطعة نوميديا المجحاورة لقطاجة من نهر الملوية غربا إلى طرابلس شرقا، وتحدها بذلك المقاطعة القرطاجية من جهة الشرق التي ستصبح منذ 146 ق.م، ولاية رومانية، وكانت نوميديا في العهد القرطاجي مقسمة إلى شطرين، شرقي (ماسيليا بقيادة ماسينيسا) وغربي (ميسيليا بقيادة الملك سيفاكس)، لكن ماسينيسا وحد كل بلاد نوميديا في ما بعد لتصبح تحت سيطرته.
بعد ذلك تدخل الرومان ووفاة ماسينيسا سنة 148 ق.م وأخذ يوغرطة الحكم، لكن الرومان قتلوه وأصبحت ولاية رومانية، وقسمت روما البلاد إلى 3 مقاطعات : شرقية ووسطى وغربية، وعلى الأرجع أن طبنة كانت تقع في نوميديا الغربية.
ج ـ طبنة خلال العهد الروماني:
على إثر وقعة طيبوس سنة 46 م، استولى الرومان على نوميديا الشرقية وأطلقوا عليها تسمية إفريقيا الجديد، وبعد إدماجها لإفريقيا القديمة (المقاطعة القرطاجية سابقا) توحدت الولايتين وأصبحتا تحت اسم: إفريقيا البروقنصلية.
وقد مثلت بلاد نوميديا جزء من مجانس إفريقيا البروقنصلية إلى غاية قيام الامبراطور الروماني «سيبتيموس سيويروس» في نهاية القرن الثاني للميلاد بإحداث ولاية منفصلة وهي ولاية نوميديا، إذ جعل من غرب ولاية إفريقيا البروقنصلية ولاية جديدة امتدت إلى الوادي الكبير، مثلت طبنة أحد مدن هذه الولاية وعاصمتها مدينة سيرتا (قسنطينة حاليا) كما أسندت مهام تسيير الولاية إلى مفوض عسكري يجمع بين السلطة المدنية والعسكرية تحت وصاية الإمبراطور.
لكن الرومان باستولائهم على مدن وسهول نوميديا لم يستطيعوا دخول المناطق الجبلية الذي يمر شمال الأوراس، وهذا ما أكثر من ثورات البربر على الرومان، مما جعلهم يقيمون حاميات عسكرية جنوب الجبال لمراقبة المنطقة، فاستقر الجنود الرومان بمدينة طبنة، وهذا قبل قدوم الفيلق الثالث الأغسطسي بمنطقة الأوراس الذي استقر سنة 122 م بمدينة لمباز (تازولت حاليا) في عهد الامبراطور هدريانوس (117-138 م)، وهنا تجدر الإشارة أنه في عهد الإمبراطور كومودوس (180-192م) تم فتح طريق استراتيجية تخترق جبال الأوراس لتصل مدينة توبوني (طبنة) بلمباز عبر caceus (وادي القنطرة)، هذا الطريق هو إحدى طرق منظومة الليماس الروماني الذي يمتد على مسافة 70 كم بين منطقة التريبوليتان شرقا ومنطقة الحضنة غربا.
خلال العهد الإمبراطوري الأسفل تولى القائد بونيفاس الإشراف على هذا القطاع العسكري سنة 417 م، واتخذ مدينة طبنة مقر إقامته إذ جعل منها قاعدة لمراقبة تحركات قبائل الأوراس التي كانت دائما في حالة ثورة وقد نجح إلى حد بعيد إلى إيقاف هذا التمرد، ويذكر القديس أوغسطين أثناء زيارته إلى طبنة النجاحات التي أحرز عليها القائد بونيفاس قبل أن يصبح الوالي على كامل مقاطعة إفريقية بداية من سنة 422 م وأهله في ما بعد ليصبح كونت إفريقيا أي ممثل الامبراطور الروماني بهذه المقاطعة.
خلاصة القول: أن طبنة قد مثلت منذ تاريخ بنائها منشأة عسكرية بالأساس يرجع تأسيسها إلى عهد الإمبراطور الروماني ترايانوس (98-117 م، حيث تلقت المدينة عددا من المستوطنين الرومان ينتمون إلى قبيلة papiria وهي نفس القبيلة التي ينتمي إليها الإمبراطور ترايانوس، ومن المحتمل أنهم استعملوا في بنائها الحجارة المجلوبة من مقطع الحجر بجبل متليلي الواقع على مسافة 5كم شرق المدينة.
وارتقت طبنة في عهد الإمبراطور «سبتيموس سيويروس ( 193-211م) إلى رتبة: مونيكبيوم، وشهدت المدينة في هذه الفترة نهضة عمرانية كبيرة (في عهد سيوريوس)، وتركزت المسيحية بالمدينة منذ سنة 250 م حيث كان هناك مركز للأسقفية، كما كانت المدينة ممثلة في المجتمع الديني بقرطاجة سنة 258 م وسنة 411 م من طرف الأسقف الكاثوليكي كريسكونيوس والأسقف الدوناتي بروتسيوس.
واحتفظت طبنة ببعض آثار الرومان بعد الإجتياح الوندالي بسور المدينة الذي بلغت أبعاده: 760 على 640 متر.
د - طبنة في العهد الوندالي:
اجتاحت الإمبراطورية الرومانية بعد موت القسطنطين الأكبر موجة من الاضطرابات السياسية والخلافت الدينية وكان يحكم بلاد المغرب القائد بونيفاس لكن الإمبراطورة عزلته بعد وشاية، وأمام شعوره بالخطر استنجد بالوندال، مقابل التنازل عن كل ممتلكاته لهم بغرب المملكة الرومانية، فعبر الوندال البحر لنجدته سنة 429 م بقيادة جنسريق وكان عددهم 80 ألف جندي واكتسح الوندال السواحل وأقاموا حاميات عسكرية ولم يستطعوا مد نفوذهم داخل المملكة كلها، مما جعل البربر يشعرون باستقلالية وهاجموا المناطق الرومانية، وتضررت طبنة بعد إغارة البربر عليها.
ولم تستعد المدينة كامل حيويتها حتى دخول البيزنطيين بلاد المغرب سنة 533 م، وأعادالبيزنطيون التحصينات الرومانية القديمة وأسسوا الحامية البيزنطية بطبنة سنة 540 م.
و ـ طبنة خلال العهد البيزنطي:
في سنة 533 م دخل البيزنطيون بلاد المغرب وكان أول امبراطور بيزنطي هوجوستينيانوس الأول، وسعى البيزنطيون إلى استرجاع الحدود الرومانية وإعادة وحدة الإمبراطوية القديمة.
وتدل بقايا هذه التحصينات البيزنطية على أن الخط الأول كان يبدا عند مدينة بجاية وينتهي عند قفصة مرورا بسطيف وطبنة ثم يدور حول جبال الأوراس ليصل إلى تاموقادي في طريقه إلى تبسة، أما الخط الثاني فكان يبدأ عند قرطاجة وينتهي عند مدينة قسنطينة.
ومثلت طبنة أحد النقاط الهامة والأساسية للسيطرة العسكرية في المنطقة الجنوبية الغربية لإفريقيا، لذلك يمكن اعتبار فترة حكم البيزنطيين فترة حكم عسكري.
6 - طبنة خلال الحكم الإسلامي:
أ – طبنة خلال فترة حكم الولاة:
لعبت طبنة دورا بارزا خلال هذه الفترة وذلك انطلاقا من موقعها الاستراتيجي والقيادي الذي احتلته المدينة في إقليم الزاب لاسيما على إثر نشاط حركات الخوارج ببلاد المغرب، فعند نجاح الخوارج منذ مطلع القرن الثاني الهجري في التسلل بين صفوف البربر وأخذوا في نشر تعاليمهم المنادية أساسا بالمساواة بين العرب والبربر، وأثاروا ثورات على حكم بني أمية في بلاد المغرب وكانت أول حرب هي «وقعة الأشراف 122 هـ - 740م» أول هزيمة للعرب ضد البربر، ثم بعد انتفاض إفريقيا لهذه الهزيمة وقعت معركة ثانية بين العرب بقيادة والي إفريقية كلثوم بن عياض والبربر بقيادة خالدين حميد الزناتي ووقعت المعركة بواد سبو (نهر على مدينة فاس) وهزم الوالي كلثوم وقتل عدد كبير من الأعيان والقادة العرب في المعركة.
كان لهذه الهزيمة أثر كبير في انتفاضة البربر في بلاد المغرب والأندلس فقام والي إفريقية بالخروج لمحاربة القائد البربري عكاشة النفزاوي فالتقوا في صفر سنة 124هـ - 742م ووقعت عدة معارك انهزم فيها البربري عكاشة فهرب إلى مدينة طبنة.
وطفن من بعد ولاة إفريقية على مدينة طبنة فعمدوا إلى تحصينها وإقامة أسوار عليها لتصبح بمثابة النقطة الدفاعية والدرع الواقي لإقليم الزاب، وفي هذا الإطار تحوّل الحصن البيزنطي إلى حامية عسكرية للجند العربي وأصبحت المدينة نقطة تمركز هام للسلطة في غرب إفريقية، وتصاعدت ثورات الخوارج فكانت فتنة قبلية في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور وذلك سنة 140هـ – 757 م وهيئت هذه الثورة لسقوط القيروان في أيدي الخوارج الصفرية ثم الإباضية، فيما بعد وبالتالي أصبحت إفريقية تحت سيطرة الخوارج، إزاء هذا الوضع أرسل الخليفة المنصور جيشا قدر بـ40 ألف جندي جعل في قيادته محمد بن الأشعث بصحبنه الأغلب بن سالم التميمي وكان هذا الأخير أحد القادة البارزين للجيش، فكانت الهزيمة للإباضية وتمكن الأشعث من دخول القيروان وتمت إعادة بسط النفوذ العباسي على المنطقة سنة 144هـ -761م.
بعد ذلك أقر الوالي الأشعث بتعيين العمال على أقاليم إفريقية وقد إختص بلاد الزاب على حدود بلاد الخوارج بأكفأ قادته وهوالأغلب بن سالم التميمي، واتخد الأغلب من طبنة مقرا له إلى تاريخ خروج ابن الأشعث من القيروان في 148هـ .
ب - طبنة خلال العهد الأغلبي:
بقي ذكر هذه المرحلة من تاريخ مدينة طبنة قليلا، كان الخطر الأساسي الذي هدّد الأغالبة منذ بداية تولي إبراهيم بن الأغلب هوثورات الجند وغيرهم وأول هذه الثورات هي ثورة خريش سنة 186هـ -802 م، وهوأول تمرد للجيش على الحكم وجمع خريش جنده وسار إليه قائد جيش الأغالبة «عمران بن مجالد» في جيش كبير وتمّ اللقاء في سبخة تونس انتهى بهزيمة الثوار وإقرار الأمور في المدينة، كما وجدت في عهده اضطرابات حادة في جهة طرابلس سنة 189هـ -850م، لكن إرسال قائد الجند الأغلبي إلى هنالك هدأ الأهوال في هذه المنطقة الواقعة أقصى شرق الإمارة.
الشيء المؤكد أن طبنة اكتسبت المكانة العظيمة في حياة ابراهيم ابن الأغلب مؤسس الدولة الأغلبية فهي المكان الذي آواه وقواه إلى مراتب الولاية فأعاد لها الجميل وعين على ولايتها أعز أصحابه وهوحمزة بن السبال (المعروف بالحرون) أحد رؤساء القادة وشجعان الأخبار، كما أن طبنة مثلت القاعدة الخلفية والأهم بالنسبة للوالي الجديد القديم إبراهيم ابن الأغلب إذ كان في فترة حكمه الصراع والدسائس مع ابن العكي، فيجعل من طبنة ملاذه وينظم أموره ثم يعيد الكرة إلى القيروان التي بقي فيها واليا مدة شهرين ثم جاءه كتاب الرشيد الذي زوره ابن العكي.
وتفوي إبراهيم ابن الأغلب سنة 196 هـ.
* حصار المدينة وسقوطها:
بعد سقوط مدينة سطيف تبعتها هزيمة جيش قسنطينة وطبنة على يد جيش الداعي الشيعي أبوعبد الله، فتراجع بعض الجيش إلى بغاي والنصف الآخر بقيادة شيب بن شداد إلى مدينة طبنة، واتخد حاجبة لمدينة طبنة بقيادة حسن بن أحمد بن نافذ المعروف بأبي المقارع عاملا عليها، لكن حاصرها الداعي وأسقطها ودخل سكان طبنة في طوعه.
7 - الأعمال التنقيبية للمدينة الأثرية:
* تحريات تكسي من 15 أفريل إلى 15 ديسمبر 1848:
تعرض تكسي في مقاله إلى موقع طبنة الاستراتيجي والمحجرة التي ساهمت في تزويد المدينة بمواد البناء ويرجع تأسيس المدينة إلى عهد جوستنيان، وعثر فيها على مطاحن رومانية كاملة الأجزاء يقدر عددها بحوالي 100 مطحنة.
* أعمال «بايان»:
أولها في فيفري 1857 وعثرت الفرقة الإيطالية على نقش كتابي باللغة اللاتينية بالقرب من سد قديم نقش عليه «tubonis» ويرجع عدد سكان المدينة ما بين 25 - 30 ألف نسمة، وهذا التقدير حسب امتدادا آثارها.
أما في سنة 1864 فأنجز أعمالا خاصة بقنوات المياه التي تجلب الماء من وادي بريكة والآخر من وادي بيطام.
* أعمال «فيل» 1868:
أجرى تحريات على مدينة طبنة الأثرية وذكر أنها تشهد على وجود مدينة كبيرة قسم منها يرتفع عن باقي المدينة بحوالي 6 م.
* أعمال مسكري 1877:
وأكد فيها أن طبنة تحوي ثلاث مدن متتابعة: المدينة الرومانية والبيزنطية والإسلامية.
* أعمال دهيل 1892 - 1893:
وأكد فيها على أن الطريق الرابط بين بلزمة مرورا بنقاوس حتى طبنة يقع بامتداد واد بريكة وأنه بنيت قلعة بيزنطية على الضفة اليسرى من وادي بريكة على مسافة 4 كم من مدينة بريكة.
* أعمال بلانشي 1899:
يؤكد في دراسته على أن طبنة مدينة بربرية.
* أعمال قرنج 1901:
وهي آخر وأهم الدراسات التي أنجزت حول مدينة طبنة واهتم قرنج في حفره على الأعمال الهيدروليكية، وحفريات حول طبنة الرومانية والبيزنطية ووجد حمام روماني بالمدينة، إضافة إلى المدينة الإسلامية وأكد على وجود طرق أخرى تربط طبنة بالمدن المجاورة منها لمبيز وبسكرة.
8 - علماء مدينة طبنة:
نذكر منهم باختصار: محمد بن الحسين الطبني، زيادة الله بن الطبني، عبد الملك الطبني.
مدينة طبنة تنتظر إفراج وزارة الثقافة عن مشاريع الحماية لتنال حظها في التاريخ.