تقف جريدة «الشعب «من خلال حوارها مع الدكتور علي ربيج، أستاذ بالمدرسة الوطنية للعلوم السياسية بالجزائر، عند التطورات الحاصلة في الملف الليبي والأفق الذي تتجه نحوه الأزمة هناك في ظل المعطيات المحيطة بها ،على غرار تعدد أطراف النزاع داخليا وخارجيا، وتأثير ذلك وانعكاسه على مسار التسوية السياسية التي يتمسّك بها الجميع.
«الشعب»: لنبدأ من حيث انتهى إليه مؤتمر باليرمو الذي جدّد دعمه لخطّة التسوية الأممية وما تضمنته من دعوة لمؤتمر وطني جامع في ليبيا مطلع العام القادم تمهيدا لانتخابات عامة، ما قراءتكم لمخرجات هذا المؤتمر، وكيف السبيل لتطبيقها؟
علي ربيج: في البداية يجب أن نشير إلى الظروف والأسباب الحقيقية التي وقفت وراء دعوة وتنظيم إيطاليا هذا المؤتمر والتي يمكن أن ألخصها في سببين اثنين، الأول هو ظهور مؤشرات قوية تؤكد استحالة تنظيم انتخابات داخل ليبيا نهاية السنة، وهي أحد أهم مخرجات مؤتمر باريس وهذا يعني فشل المؤتمر ومن ورائه فرنسا في إيجاد أرضية وآليات حقيقية للخروج من الأزمة الليبية، السبب الثاني هو انزعاج وقلق الحكومة الإيطالية من طول واستمرار الأزمة الليبية وتحملها لتبعات هذه الأزمة بشكل مباشر وخطير لاسيما الهجرة غير الشرعية، أما بالنسبة لقرارات المؤتمر وما توصل إليه المجتمعون فهو يكاد يكون تكرار لمخرجات العديد من المؤتمرات السابقة والتي تدور حول وقف الاقتتال وتنظيم الانتخابات برعاية أممية، ولهذا أعتقد أن من بين أسباب محدودية وضعف مخرجات مؤتمر بالريمو هو غموض جدول أعمال المؤتمر وغياب هدف رئيسي منذ الوهلة الأولى مما جعل النتائج عامة ومستقبلية أكثر منها واقعية وآنية.
كما ان لضعف الدور الإيطالي وتأثيره المباشر على أطراف الأزمة الليبية مقارنة بقوى غربية وعربية تهيمن بشكل مباشر على الشخصيات الفاعلة هناك، يجعل هذه الأخيرة تعمل عكس روما التي تريد بشكل سريع ومستعجل إنهاء الأزمة الليبية لأنها تعاني من أثارها، أما بالنسبة لعقد مؤتمر جامع يضم كل الأطراف المتصارعة في ليبيا وكذلك الدول المؤثرة في المشهد الليبي، أنا شخصيا لا أفرط في التفاؤل بمخرجاته لأن الظروف والمعطيات على الصعيد الداخلي الليبي لا تسمح على المدى القريب بإنجاح مثل هكذا اجتماع، لأن الأطراف المتصارعة في طرابلس أو في الشرق الليبي مازالت لديها قناعة بأن استعمال القوة كفيل بتحقيق وتجسيد أهداف ومصالح كل جماعة والوصول إلى القضاء على الطرف الآخر ، لهذا الاحتكام إلى مخرجات المؤتمرات والمبادرات هو أمر مؤجل إلى غاية قناعة كل الأطراف بصفرية العمل العسكري وقتها ستنجح المبادرات السياسية وسيتم إلغاء معادلة السلاح من المشهد السياسي الليبي.
الإنتخابات كانت مقررة نهاية هذه السنة بموجب اتفاق باريس الذي وقّعته الأطراف الليبية، لكن الاتفاق كلّه ذهب أدراج الرياح، فما أسباب فشله رغم أن الجميع تعهد بالالتزام به؟
مؤتمر باريس منذ الوهلة الأولى كان يبدو أنه سينتهي إلى الفشل بسبب مجموعة من الأسباب والعوامل التي سبق وأن ذكرت بعضها، ولعل السبب الرئيسي لفشل مؤتمر باريس ومؤتمرات أخرى هو الدور الكبير والسلبي الذي تلعبه بعض الأطراف في الأزمة الليبية والتي تتبنى مقاربات وسياسات تريد من خلالها تحقيق مصالحها وأجنداتها الداخلية وتتجاوز بذلك المصلحة الليبية ومطالب الشعب الليبي، ليتبين في الأخير أن هناك العديد من المقاربات التي يحاول أصحابها إضعاف طرف على حساب طرف ثاني، مما يعقد ويطيل من عمر الأزمة الليبية في ظل غياب مبادرة حقيقية وهادفة لإخراج ليبيا من المأزق.
عراقيل كثيرة تقف حجر عثرة في طريق التسوية السلمية بليبيا، من بينها إقرار دستور، ثم الوضع الأمني، إضافة إلى التجاذبات السياسية والتدخلات الخارجية، ما تعليقكم؟
العراقيل وهي كثيرة وعديدة منها عسكرية أمنية وسياسية، أولها غياب مؤسسة الجيش الليبي الرسمية التي هي مخولة لحماية وصون مقدرات وضبط الأمن ومنع نشاطات وأعمال الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة التي تنشط خارج القانون، أما الأسباب الأمنية فتتمثل في فقدان ليبيا لجهاز مخابرات وأجهزة أمنية قوية ومتطورة مما يجعلها غير متابعة للأحداث والتطورات ويجعل عملية صناعة القرارات وصون مصالح ليبيا والشعب الليبي صعبة، بالإضافة إلى أهمية العمل الإستخباراتي في إحباط وتجميد النشاطات المعادية والتي تضر بأمن واستقرار ليبيا والكشف عن المخططات الداخلية والخارجية التي تمنع وتعرقل الخروج من الأزمة، أما بالنسبة للأسباب السياسية، الطبقة السياسية الليبية لا تملك تجربة في العمل والحرية السياسية وهي حديثة العهد بالانفتاح السياسي.
ألا تشاركوني الرأي بأن التدخلات الخارجية ومند بداية الأزمة زادت في إطالة أمد الأزمة بدل حلها؟
الأزمة الليبية قطعت مراحل وأشواط كبيرة ويصعب اليوم الحديث عن إمكانية تهميش أو إسقاط دور الدول والأطراف الخارجية، كما أن مسألة التعويل على الإخوة الليبيين لوحدهم للخروج من الأزمة أصبح شبه مستحيل، فهذه الدول شاركت في إسقاط النظام السابق وقد أنفقت المال والعتاد والأسلحة، وهي سترفض بشكل قاطع أن يتم إقصاؤها.
لهذا أعتقد أن ضرورة التعويل على الجهد الأممي والشرعية الدولية ومساعي الدول الإقليمية المؤثرة في المشهد الليبي وأقصد هنا الدول الجارة لليبيا الجزائر، مصر، تونس كفيل بإحراج هذه الدول والضغط عليها للتراجع والتنازل عن أنانيتها ومصالحها الضيقة لحساب أمن واستقرار ليبيا والمنطقة بشكل كبير ، لأن نتائج الأزمة الليبية وسقوط النظام السابق كان له انعكاسات أمنية وعسكرية سلبية على منطقة الساحل ودول الجوار ومنطقة المتوسط بسبب انهيار المنظومة الأمنية الليبية والانتشار الواسع للجماعات الإرهابية على الأراضي الليبية وانتشار وتفاقم ظاهرة الهجرة غير شرعية وتجارة المخدرات و الرقيق..
الأزمة الليبية تمثل صداعا في الرأس بالنسبة للمنطقة بأسرها بسبب تداعياتها الخطيرة سواء تعلق الأمر بالهجرة أو استقطاب المجموعات الإرهابية والإجرامية، فما تأثيرات هذه الأزمة على الجوار والإقليم وحتى أوروبا وما السبيل لمواجهة تداعياتها الأمنية ؟
تداعيات الأزمة الليبية لم يعد إقليمي فقط بل أصبح له أبعاد دولية وعالمية من خلال حالة الفوضى التي تعرفها ليبيا. سقوط ليبيا في الفوضى وغياب مؤسسة الجيش يعني انكشافها أمنيا مما يرشحها لاستقطاب عناصر إجرامية وإرهابية ترى في ليبيا حاضنة جيدة لنشاطها الإجرامي والذي سيمتد إلى خارج حدود منطقة المغرب العربي والساحل وأوروبا وهذا وضع مهدد لأمن العالم ويهدد مصالح واقتصاد الدول الكبرى مما يجعلها في حاجة ماسة للبحث وبشكل سريع للانخراط في مساعي الدول التي تريد إيجاد حل نهائي للأزمة الليبية بعيدا عن الحسابات والمصالح القطرية لهذه الدول التي هي أصلا سبب في هذه الأزمة.
هل ستتوقعون بأن سنة 2019 ستكون سنة انفراج الأزمة الليبية؟
استقرار ليبيا يعني استقرار المنطقة ولهذا نتمنى أن تنتهي الأزمة الليبية اليوم قبل الغد ولكن ومن خلال القراءة السابقة أعتقد أن الأزمة الليبية مازال أمامها بعض الوقت لكي تصل إلى حل يرضي كل الأطراف، لهذا سنة 2019 قد لا تحمل الجديد وللأسف قد تستمر الأزمة مادام الإخوة في ليبيا لم يقتنعوا بفشل الحل العسكري.
أعتقد أن الجزائر تحمل مقاربة سياسية لحل الأزمة الليبية واضحة المعالم من خلال الدعوة إلى ترك السلاح جانبا، الدخول في حوار عميق وجاد لإيجاد آليات حقيقية للخروج من المأزق وعلى رأسها الدستور وانتخابات نزيهة تسمح بمشاركة وإشراك الجميع والابتعاد قدر الإمكان عن تأثيرات الأطراف الخارجية.
الاعتماد على المساعي الأممية لإعطاء شرعية دولية للمرحلة الجديدة مما يضمن مساعدات وضمانات دولية تحمي ليبيا والمرحلة الجديدة ولكن المساعي الجزائرية يقابلها مسعى وسياسات ومقاربات ذات نزعة أنانية وضيقة يحاول أصحابها إطالة عمر الأزمة الليبية لأهداف علنية وأخرى خفية، مفادها إدخال المنطقة في حروب ونزاعات دائمة تخدم في الأخير الأجندات الأجنبية على حساب تطور واستقرار المنطقة المغاربية.