طباعة هذه الصفحة

بهدف تعبئة الموارد وتوظيفها في الاستثمار المنتج

نحو صياغة نموذج جزائري للمالية الإسلامية

سعيد بن عياد

خارطة طريق  توازن بين الضرورات الشرعية والمتطلبات الاقتصادية

هل تكون سنة 2019 موعدا لبعث المنتوجات المالية المطابقة للشريعة الإسلامية؟، انه سؤال ينتظر أن يجيب عنه المنتدى الجزائري الأول للتأمينات والمالية الإسلامية المزمع تنظيمه يومي 24 و25 نوفمبر الداخل بقصر الثقافة، من أجل إرساء أرضية مصرفية لتعبئة الموارد المالية المحلي وإدراجها في المنظومة المصرفية القانونية لتلعب دورها الاقتصادي من خلال تعزيز قدرات الاستثمار المنتج، في ظل تراجع إيرادات المحروقات وشحّ السيولة النقدية بفعل انهيار أسعار النفط.

يراهن على هذه المبادرة التي يرعاها المجلس الإسلامي الأعلى لانجاز التحول المصرفي بعد أن تبين أن المنظومة التقليدية لا تستوعب كل الطلب الذي تعبر عنه شريحة معتبرة من المواطنين والمتعاملين الراغبين في معاملات مالية بدون فوائد، وهو ما يمكن تجسيده حسب المنظمين متفائلين بانفتاح السلطات العمومية على سوق المعلمات المالية الإسلامية إصغاء للطلب المعبر عنه محليا واقتداء بالتجارب التي حققتها بلدان غير إسلامية أدركت مبكرا أهمية هذا المصدر المالي وعدم تركه خارج الدورة الاستثمارية.
وشرح المنظمون بالدليل والحجة الاقتصادية والشرعية في ندوة صحفية عقدت الأسبوع الأخير، ونشطها كل من محمد بوجلال عضو المجلس الإسلامي الأعلى، غلام الله عز الدين مدير مكتب «صافي»، ناصر حيدر مدير عام بنك السلام وحكيم حجو مدير مؤسسة تأمينات تريست، عن هذا الموعد في ظل إعلان وزير المالية قبل أسابيع عن وجود إرادة لدى الحكومة للذهاب إلى بناء هذه السوق المالية لتكون السنة المقبلة منعرجا في مسار النظام المصرفي الجزائري في وقت لا يستفيد فيه الاقتصاد الوطني من سوق الصكوك الإسلامية في العالم والمقدرة بأكثر من 300 مليار دولار خلافا لاقتصاديات بلدان قوية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي تجاوزت عقدة الطابع الديني.
ويرتقب أن يصيغ قانونيون وعلماء ومتعاملون في عالم البنوك خارطة طريق تحدّد معالم هذا التوجه بحيث تضمن الانسجام بين الضرورات الشرعية والمتطلبات الاقتصادية بعيدا عن أن يكون النظام المالي الإسلامي بديلا للنظام المالي التقليدي القائم، وإنما مكملا له لمصلحة الاقتصاد الوطني الذي يحتاج لتنمية موارده المالية خاصة في ظل الظروف الراهنة المتسمة بصعوبات تحمل تهديدات للأمن المالي الوطني، الذي يتوفر على قدرات يمكنها أن تعوض الكتلة النقدية المفقودة بسبب تراجع مداخيل النفط وتفادي السقوط مجددا في معضلة الإصدار النقدي.
برزت المالية الإسلامية سنة 1975 بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) البنك الإسلامي للتنمية ليشرع إثرها في إحداث بنوك مطابقة للشريعة الإسلامية في العديد من البدلان، ومن بينها الجزائر التي شهت سنة 1992 تأسيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (ايوفي) قبل أن ينتقل مقرها غالى دولة البحرين.
ويشير خبراء إلى أن حجم المالية الإسلامية يقدر بحوالي 2 بالمائة من القاطع المالي العالمي ما يعادل 2200 مليار يورو من الأصول، غير أنها تتوفر على احتياطات نمو هائلة، إذ فقط 40 مليون شخص من إجمالي 1,6 مليار مسلم في العالم يستفيدون كزبائن من هذه السوق، وقد خصص صندوق النقد الدولي تقريرا حول المالية الإسلامية أورد أن أصول هذا النمط المالي نما بمقدار تسع مرات بين عامي 2003 و2013. ويحكم هذا النوع من المالية خمسة مبادئ هي تحريم الربا، تجنب الاستثمارات العشوائية وغير المؤكدة، المضاربة المجازفة، وجوب تقاسم الخسارة والربح ووجوب الاستثمار حصريا في الاقتصاد الحقيقي والملموس.
ويعتبر المنظمون أن السوق المالية الإسلامية في الجزائر بإمكانها أن تمول بشكل أفضل للاقتصاد من خلال الصكوك واستحداث عروض موجهة للزبائن من عامة الناس، ومن ثمّة تنويع مصادر تمويل المؤسسات ودعم فروع اقتصادية مثل العقار والبناء إلى جانب توسيع نطاق الادخار من خلال فتح حسابات بدون فوائد ربوية فتلتقط البنوك خيطا جديدا إضافيا لتنمية مواردها باستقطاب كتل مالية هامة مكتنزة خارجها.
في الوقت الراهن ينشط في الجزائر مصرفان هما البركة والسلام في انتظار أن يصدر بنك الجزائر اجتهادا قانونيا يتعلق بتعديل قانون القرض والنقد لإعطاء إشارة رسمية لتجسدي هذا المشروع الذي يحتاج إلى تأطير قانوني وتنظيمي منسجم وواقعي ضمن قواعد الشفافية والوضوح لمنع تأويلات تحد من قوة الانطلاقة المرتقبة، في ضوء ما سجلته مبادرة النوافذ الإسلامية التي أعلن عن فتحها على مستوى عدد من البنوك من إقبال يؤكد جدوى اعتماد هذا التوجه المالي وفقا لنموذج جزائري يرتكز على أرضية واضحة المعالم عنونها جذب السيولة المالية وتوظيفها في حقل الاستثمار، بما في ذلك إقحام الأملاك الوقفية في هذه الديناميكية وفقا لصيغ اقتصادية خلاقة للثروة.