يقول الشاعر والمبدع عاشور بوكلوة «إذا كنا نقصد بالإعلام كل الوسائل والوسائط المتاحة لتوصيل المعلومة، فإن المعلومة هي التي تميز الإعلام الثقافي عن باقي صنوف الإعلام الأخرى، أما الثقافة في جزء منها فهي الإنتاج المعرفي المتعلق بالفكر والأدب والفن، المرتبط بالجانب الذهني والنفسي والعاطفي للإنسان، والذي يتيح اكتشاف رؤى جديدة ذات بعد إنساني للعالم».
يرى الشاعر عاشور بوكلوة في تصريح لـ»الشعب» أن هذه العلاقة تترجم مجمل ما يقدمه المجتمع لأفراده وما يقدمه الأفراد لمجتمعهم من أفكار وقيم وعادات وأساليب وسلوكيات، وتوجهات وعلاقات وأدوار وتقنيات، كي يتعلموها ويتعاملوا بها ومعها، فهي نمط معيشي معين».
ويرى الشاعر أن «الإعلام الثقافي هو الذي يعنى بتوصيل المعلومة المعرفية المتعلقة بالجانب الثقافي العام، ونشرها، والحفاظ عليها، ومواكبة كل التطورات والإبداعات والابتكارات الجديدة، فإذا كانت الثقافة المعيشية (الثقافة الجماهيرية المتعلقة بعادات وتقاليد العيش والحياة اليومية) تفرض نفسها عن الطريق التعامل اليومي المباشر، فإن الثقافة المنتجة (الثقافة النخبوية المتعلقة بالإبداع بكل أشكاله الأدبية والفكرية والفنية) تحتاج إلى وسائل ووسائط التبليغ والتوصيل الانتشار».
وأردف محدثنا قائلا، أن «الأعلام الثقافي سيلعب هنا أدوارا متعدّدة، إذ هو مطلوب منه أن يوصل هذا الإبداع للناس، وأن يعطيه الوقت والجهد اللائقين ليظهر في أحسن صورة، ومطلوب منه أن يحاوره ويشرحه ويناقشه وينتقده ويعلق عليه.. فيكون له الدور التوعوي التثقيفي»، مشيرا في ذات السياق انه «لا يمكن لهذه الأدوار أن تتحقّق إلا عبر وسائل إعلامية ملتزمة بثقافة مجتمعها ومتفتحة على الثقافات الإنسانية».
وأوضح بوكلوة في السياق ذاته، «أن وسائل الإعلام اليوم غلب عليها الطابع التجاري الربحي، فأصبحت لا تولي الأهمية التي تستحقها الثقافة ومنتوجها، بل تخصص جهدها إلى ما يستهلك المتلقي. وعلى المثقف ألا يستعير حين ينعت إنتاجه بالإنتاج الاستهلاكي، بل عليه - في نظري - أن يعمل على أن يكون إنتاجه مستهلكا على أوسع نطاق ممكن».
الإعلام العمومي قادر على رفع التحدي وخدمة المشهد الثقافي
استطرد بوكلوة بالقول «وإذا كانت وسائل الإعلام الخاصة تبرّر عزوفها عن نشر وتوصيل الإنتاج الثقافي بالجوانب المالية، حيث تعتبر الإعلان مصدرا للتمويل من جهة، والمادة الثقافية ليست ذات أهمية لدى المتلقي من جهة أخرى، فإن على وسائل الإعلام الحكومية أن تحدث التوازن الإعلامي المنشود، وأن تعمل على إنتاج مادة إعلامية ذات رسالة ثقافية غير ربحية. وأن تعطي لها من العناية والاهتمام الجمالي ما يجعل المتلقي مقبلا عليها برغبة، وأن تواكب في شكلها وطريقة تقديمها التطورات الحاصلة في مجالات الإعلان والإشهار الأخرى.
ففي الوقت، يقول الشاعر «الذي تبتكر وسائل الإعلام عشرات الرسائل الإعلانية، التي تقدم تفصيلات المنتج الاستهلاكي في ثوان معدودة وبشكل جذاب، تعجز عن تسويق الإنتاج الثقافي وتقف حائرة أمام تقديمه في صورة تليق به، فالإنتاج الثقافي يحتاج أيضا إلى مستوى من التسويق المماثل أو الأرقى لضمان ترويجه وانتشاره بشكل واسع وفاعل».
التكوين وتشجيع الكتابة الثقافية.. الحلقة المفقودة
ويرى المتحدث أنه «على المؤسسات الإعلامية إعطاء الأهمية الكافية لتكوين الإطارات القادرة على الاشتغال في الإعلام الثقافي، بتنظيم الدورات التكوينية المتواصلة في كيفية إعداد وتقديم برامج ثقافية راقية تساهم في تعزيز ونشر الثقافة، ومن جانب آخر؛ على المؤسسات والهيئات الثقافية أن تتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة قصد نشر المادة الثقافية وإنتاجها وليس فقط الوقوف عند إعطائها الخبر، لتنشره كما هو حاف بلا طعم ولا رائحة».
كما أكد عاشور بوكلوة أنه «يجب ألا يقتصر دور وسائل الإعلام على نشر الخبر الثقافي وحسب، بل عليها المساهمة في التنمية الثقافية والمشاركة مع المؤسسات في نشر ودعم المنتج الثقافي، كما يتوجّب على المؤسسات الثقافية رسم الخطط والاستراتيجيات الكفيلة في نشر الثقافة وبناء علاقة تكاملية مع وسائل الإعلام».
واستخلص الشاعر «إن مسؤولية وسائل الإعلام في المجال الثقافي كبيرة، فهي التي تقوم باختيار المادة الثقافية وطريقة تقديمها للجمهور، فتبرز ما تريد وتطمس ما تريد، وهي التي لها القدرة على إلقاء الضوء على قضايا دون غيرها، وهي التي تجعل من الإنتاج الثقافي أمرا مهما وفاعلا أو العكس.. وهي التي توجه الرأي العام إلى ما تراه مناسبا ومهما للحفاظ على الشخصية الوطنية والقومية، لذلك وجب تضافر كافة الأطراف بدءا من المثقف ورسالته الثقافية وليس انتهاء بالإعلامي ورسالته الإعلامية».