غصّت أوبرا الجزائر سهرة أول أمس ، بجمهور أتى ليحتفي بالذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية الصينية الجزائرية، والذكرى الثانية لتدشين أوبرا الجزائر. وقد انطلقت هذه الفعاليات بحفل كلاسيكي أدّاه 120 موسيقي يشكلون أوركسترا مشتركة بين البلدين، تحت قيادة المايسترو أمين قويدر. وبعد كلمات افتتاحية لوزيري الثقافة والخارجية الجزائريين، والسفير الصيني بالجزائر، تطرقت إلى عراقة وعمق العلاقات الجزائرية الصينية، كان البرنامج الموسيقي ثريا، متنوعا، وراقيا.
في كلمته الافتتاحية، قال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي إن هذا الحفل يأتي سنتين بعد تدشين رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة دار الأوبرا بوعلام بسايح، التي وصفها بـ»عنوان الصداقة بين الصين والجزائر». وأضاف ميهوبي: «رئيس الجمهورية عُرف عنه شغفه بالأعمال الفنية الراقية، وهو يرعى فعاليات الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين»، التي تجري بتوجيه من رئيس الجمهورية ومتابعة من الوزير الأول، مضيفا بأن وزارتي الثقافة والخارجية عملتا معا على وضع برنامج ثري لتخليد الذكرى. وقال ميهوبي إن هذه الفعاليات تبدأ بحفل فني يضم 120 عازفا، 60 عازفا من كل بلد في رمزية مخلدة للذكرى الـ60، على أن تتواصل الفعاليات في البلدين.
من جهته، قال وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل في كلمته إنها «احتفالية رمزية تسجل انطلاق برنامج ثري من الأنشطة المشتركة»، كما أنها الذكرى الثانية لتدشين أوبرا الجزائر، و»هذا الصرح ليس سوى أحد شواهد هذا التعاون»، يقول مساهل، مذكّرا بعراقة العلاقات الثنائية التي ترجع إلى ما قبل استقلال الجزائر. وإضافة إلى التوافق في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، سجّل مساهل تطلع الدولتين إلى «عالم تسود به قيم العدالة والإنسانية والسلم والأمن».
وذكّر مساهل بالتعاون واللقاءات بين البلدين، التي أثمرت «الشراكة الاستراتيجية الشاملة الجزائرية ــ الصينية» التي أقرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ونظيره الصيني شي جين بينغ في 2014، والاتفاق على المخطط الخماسي 2014 ــ 2018. وأعقب ذلك الاتفاق على وضع مخطط خماسي جديد 2019 ــ 2023 خلال زيارة مساهل إلى بكين قبل أشهر.
كما كانت كلمة السفير الصيني يانغ غيانغ يو فرصة لاختتام فترة عمله بالجزائر، التي دامت 4 أعوام و4 أشهر، حيث لا يفصله سوى أقل من شهر قبل أن يغادر السفير الجزائر. وأشار في كلمته إلى مفاجأة جميلة لم أتوقعها وهي قدوم هذا الكمّ من الوزراء ورجال الدولة الجزائرية. كما تقدم غيانغ يو بالشكر للوزيرين الذين نظما هذا الحفل الذي يتميز بجمعه بين موسيقيي البلدين: «لا يمكن أن تكون صورة أجمل من هذه للاحتفال بهذه الذكرى».
ولخّص سعادة السفير ما يجول بخاطره في هذه السانحة بأربع كلمات: الكلمة الأولى هي «الفخر»، إذ وجب الافتخار بالطريق الذي سلكه البلدان معا، خاصة وأن الصين هي أول دولة غير عربية تعترف بالـ»الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية»، إلى جانب مساندة الصين للثورة الجزائرية. الكلمة الثانية هي «الرضا»: بمعنى الرضا عمّا حققه البلدان في جميع المجالات، واعتبر السفير الصيني أن خير دليل على هذا التعاون المتنوع بين البلدين هو أنه (أي السفير) من السفراء الأكثر انشغالا واشتغالا في السلك الدبلوماسي لبلده.
الكلمة الثالثة هي «المثالية»: فالشراكة بين البلدين تمتاز بالنّدّية وتعامل الأصدقاء، وهي شراكة رابح رابح، مع احترام مبادئ عدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادة الدول. أما الكلمة الرابعة والأخيرة، يقول السفير، فهي «الإرادة»، التي نجدها لدى البلدين للمضي قدما في هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة. واعتبر غيانغ يو أن الجزائر بلد غني بثرواته البشرية والطبيعية، وأنها تستحق الاعتراف والتضامن الدوليين.
تبع ذلك صعود الأوركسترا المشتركة على الركح، مكونة من 120 عازفا تحت قيادة المايسترو أمين قويدر. وكانت البداية بعزف النشيدين الوطنيين الصيني والجزائري.
ثم جاء دور قطعة موسيقية صينية بعنوان «رقصة شعب ياو»، وقد أبدع الثنائي رياض بوعلام على العود وبلقاسم عليوة على القانون في أداء المقطوعة الصينية بمختلف الطبوع الجزائرية. وجاء دور غناء أوبرالي للسوبرانو الصينية لمقطوعة «آي لوف يو تشاينا»، ثم المغني الصيني الذي أدى «أو سولو ميو»، وبعدها أداء ثنائي لقطعة من «لا ترافياتا» للموسيقار فيردي.
ثم تم عزف افتتاحية «حلاق إشبيلية» لروسّيني، وافتتاحية «الخيالة الخفيفة» لفرانس فون سوبي، ثم «خطوة ثنائية» للموسيقار تشايكوفسكي، الذي عُزف له أيضا رائعته «المسيرة السلافية». واختتم هذا البرنامج المتنوع والثري بعزف «رقصات بولوفتسيان» (17) لألكسندر بورودين، ثم كوكتيل «آفاق» الذي ضمّ مقطوعات منها «أورتسرو» للراحل جمال علام و»عبد القادر يا بوعلام» التي عُرف بأدائها الراحل رشيد طه. وقد سألنا المايسترو امين قويدر عن هذا البرنامج المختار، فقال إن الهدف كان تحقيق التنوع، واختيار مقطوعات يُستعمل فيها جميع الموسيقيين، وهي فرصة باجتماع 120 موسيقيا، كما أن موسيقيي الأوركسترا الجزائرية أثبتوا مرة أخرى اقتدارهم ومستواهم العالي والعالمي.
للإشارة فقد احتضن بهو الأوبرا معرضا للصور من إعداد المركز الوطني للوثائق والصحافة والصورة والإعلام، وقد ضمّ المعرض 80 صورة لخّصت مسيرة العلاقات الجزائرية الصينية.