في حفل بهيج، اختتمت أمس الجمعة فعاليات الطبعة العاشرة من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية، بأداء متميز للأوركسترا السيمفونية لمسرح شنزن الكبير تحت قيادة المايسترو جيانان سيما، وهي ثاني أوركسترا في الصين. ولكن قبل ذلك، كانت السهرة ما قبل الأخيرة، أول أمس الخميس، موعدا مع حدث استثنائي في المهرجان، حينما قدم الفرنسيون والألمان عرضا مشتركا، وأبدعوا في أداء أوبرا «الناي السحري»، آخر ما جاد به الموسيقار الخالد موزار.
كانت القاعة ممتلئة عن آخرها، بجمهور متعطش للموسيقى الرفيعة، جاء ليستمتع بواحدة من أحسن ما ألّفه الموسيقار العالمي فولفغانغ أماديوس موزارت. لم نكن ندري في البداية إن كان العرض سيكون كلاسيكيا يحترم تقاليد الأوبرا بحذافيرها، أم أنه سيكون مختلفا ومغايرا للمألوف، وإن كان قد ضمن قسطا من التميز منذ البداية، بما أنه عرض مشترك بين دولتين لكل منهما تقاليد ضاربة في العراقة في الموسيقى الكلاسيكية، وهو ما اعتبر سابقة في مسار هذه التظاهرة، وعن ذلك قال لنا محافظ المهرجان المايسترو عبد القادر بوعزارة: «هو هكذا سحر الموسيقى، التي تجمع بين الشعوب وتؤلف بين القلوب». أما السيد غريغور ترومال، المستشار الثقافي بسفارة فرنسا بالجزائر ومدير المعهد الفرنسي، فاعتبر أن خير دليل على أن فكرة العرض المشترك كانت صائبة، هو حضور الجمهور وامتلاء القاعة عن آخرها، وكذا مستوى العرض الذي استمتع به هذا الجمهور.
إلا أن دخول الموسيقيين الخشبة أنذر بالتحرّر من كل القيود: دخول أريد له أن يبدو عشوائيا لموسيقيين يتجادلون بحدّة فيما بينهم، ويقودهم المايسترو دانيال إيزوار. عقب ذلك، اعتلى الركح الرواي، ومخرج العمل، آرنو مارزوراتي، الذي قام بافتتاح الأوبرا.
إلا أن تجاوز حاجز توقعات المتلقي كان منذ البداية، حينما كسر المؤدون /الممثلون الجدار الرابع، وظهر من بين الجمهور التينور الذي يؤدي دور الأمير تامينو، والسوبرانو الثلاثة اللائي يؤدين دور نسوة أنقذن الأمير من التنين.
أوبرا الناي السحري (بالألمانية: Die Zauberflöte دِي تْساوَبر فْلُوتَه)، هي عرض من فصلين وأحد أشهر الأعمال الأوبرالية الـ22 للمؤلف الموسيقي النمساوي فولفغانغ أماديوس موزارت، الذي ألّف موسيقاها سنة 1791 (باستثناء الافتتاحية ومسيرة الكهنة في بداية الفصل الثاني)، وذلك أسابيع فقط قبل وفاته، وكتب نصها الألماني إيمانويل شيكانيدير. ويعتبر البعض أن هذه الأوبرا هي وصية موزارت الموسيقية.
«الناي السحري» قصة رمزية تصوّر الصراع بين ملكة الليل، التي تمثل الجهل وقمع المعرفة والتنوير، وبين ساراسترو، وهو الملك المستنير الطيب الذي يقوم حكمه على أساس الحكمة والعقل. ويناضل كل من الأمير تامينو وصياد الطيور وبائعها باباغينو عن طريق المحاولة والخطأ بين هاتين القوتين المتضادتين ليجدا الحب الدائم: تامينو (تينور) الذي يسعى إلى حب بامينا ابنة ملكة الليل، أما باباغينو (باريتون)، الذي يبحث عن باباغينا، فهو مثال للرجل العادي البسيط، وهو الشخصية التي تضفي على هذه الأوبرا صبغة من المرح والغبطة. وكما هي عادة القصص الرمزية من هذا النوع، ينتصر النور على الظلام في الأخير، وينتصر الحب على الكراهية في رسالة هي رسالة الفنان الخالدة.
إلى جانب العمل الأوبرالي الغنائي والموسيقي الكلاسيكي، صاحب هذه الأوبرا عمل سينوغرافي دراماتورجي، حيث تمّ الاعتماد على إنارة ثابتة ولكن بانتشار قوي، وعلى ألوان زاهية ظهرت حتى في ملابس المؤدين التي أريد لها أن تكون عصرية، وفي حركتهم على الركح، التي توسطته شجرة ذكرتها بشجرة صامويل بيكيت في عمله «في انتظار غودو»، ولكن شجرة الناي السحري مورقة زاهية.
سألنا المخرج آرنو مارزوراتي عن خياراته في مسرحة هذه الأوبرا، فأجاب بأنه فعلا أرادها حديثة مختلفة عن المألوف ومتماشية مع العصر. كما أكد لنا أنه تمّ العمل على تقصير مدة الأوبرا واختصارها، وهذا ما لاحظناه أيضا على اختزال بعض الأدوار والشخصيات مقارنة بالعمل الأصلي. أما استعمال اللغتين الفرنسية والألمانية، فكان بتوظيف الأولى في الحوارات، والثانية كلغة أصلية للغناء الأوبرالي، وهو ما لا يمكن تغييره، يقول مارزوراتي الذي بدا سعيدا بالاستقبال الحار الذي أبداه الجمهور لهذا العرض الجامع بين الأصالة والحداثة.
يشار إلى أن أوبرا الجزائر ستحتضن سهرة اليوم السبت عرضا يجمع بين الأوركسترا الجزائرية والصينية، احتفاءً بالذكرى الستين للعلاقات بين البلدين، وهو عرض يعد بالكثير.